السبت 20 إبريل 2024
اقتصاد

لماذا فشل المغرب في تحقيق الأمن الغذائي..الجواب على لسان خبراء

لماذا فشل المغرب في تحقيق الأمن الغذائي..الجواب على لسان خبراء رشيد بنعلي والعربي الزكدوني ومحمد هاكاش ( يسارا)
تأمين السيادة الغذائية في ظل تداعيات الجفاف والتغيرات المناخية، وفي إطار مناخ دولي يطبعه التوتر ببروز ارهاصات عالم متعدد الأقطاب والتي كان أحد أبرز مؤشراتها الحرب في أوكرانيا، وبلورة مخطط فلاحي ناجع يقطع مع مخطط المغرب الأخضر الذي منح أولوية قصوى للفواكه الحمراء الموجهة نحو التصدير مقابل اهمال الحبوب والقطاني مما أدى الى الإجهاد المائي وتسبب في تقلص المساحات المزروعة..كانت من أبرز النقاط التي كانت حاضرة بقوة في الندوة الرقمية التي نظمتها شبيبة القطاع الفلاحي بالجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي ( إ.م.ش ) بتاريخ 16 أكتوبر 2022 بمناسبة اليوم العالمي للنضال من أجل السيادة الغذائية.
في بداية هذا اللقاء أكد رشيد بنعلي، نائب رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، إن المغرب يمر من فترة صعبة جراء تداعيات وباء كورونا والجفاف الذي تلاه، مشيرا بأن الجفاف الذي كنا نعيشه مرة كل 10 سنوات أصبحنا نعيشه مرة كل سنتين أو ثلاث سنوات، وهي عوامل خطيرة جدا- بحسب بنعلي - .
وأوضح أن الجفاف هذه السنة كانت له ميزة خاصة حيث اجتمعت فيه ثلاث معطيات لا تجتمع دائما : الجفاف نقص الأمطار، تراجع حقينة السدود والفرشاة المائية وارتفاع درجة الحرارة، وهي التقلبات المناخية التي يكون لها انعكاس على النبات كيفما كان نوعه، مضيفا بأن هذه السنة ستشهد تراجع كبير لإنتاج الزيتون واللوز..
وحذر بنعلي من تداعيات هذا التراجع الذي يشهده القطاع الفلاحي علما أن 40 في المائة من الساكنة تقيم في البوادي التي تشغل 4 مليون، واذا لم يتم توفير فرص عمل لهؤلاء فإنهم سيغادرون نحو المدن، علما أن هذه الأخيرة لا تتوفر على منشآت صناعية كبيرة كفيلة بامتصاص هذه النسبة الهامة هذه اليد العاملة، ولهذا السبب توجهت الدولة نحو تشجيع إنتاج الفواكه الحمراء والمنتجات الكفيلة بتشغيل نسبة كبيرة من العمال، ولكنها تستهلك نسبة كبيرة من المياه، وبالتالي فالحل الحقيقي في نظر بنعلي يكمن في استعمال مياه البحر المحلاة، وأن يدفع المنتجون ثمنه الحقيقي، علما أنهم يحققون قيمة مضافة عالية من خلال إنتاج الفواكه الحمراء الموجهة نحو التصدير، خلافا للحبوب التي لا يمكن ان أن تسقي الحبوب بالمياه البحر المحلاة .
وقال بنعلي إن مساحة الحبوب تتقلص سنة بعد أخرى، بكل من الحوز والجهة الشرقية وجهة الشاوية..مقدما مثال منطقة بنجرير التي كانت من أفضل المناطق في إنتاج الحبوب بينما حاليا تحقق " الصابة " مرة كل سبع سنوات، وجهة الشاوية التي تعرف هي الأخرى " الصابة " مرة كل أربع سنوات بسبب تعاقب سنوات الجفاف، وبسبب زحف المدن على أجود الأراضي الخصبة – نموذج فاس حيث زحف العقار على 2000 هكتار من الأراضي الخصبة، الأمر الذي يجعل المغرب عاجزا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب، ونفس الأمر بالنسبة للقطاني القطاني التي لم تعد مربحة منذ توقيع اتفاقية التبادل الحر مع مصر، حيث يتم استيراد القطاني بأثمنة رخيصة.
وفيما يتعلق بالنباتات الزيتية أشار بنعلي أنها تتطلب وفرة المياه، وبالتالي فكلما سجل نقص في المياه كلما طرح المشكل في الإنتاج، مقترحا توسيع المساحات المسقية بالشاوية وفي الغرب ومنطقة الرماني، على أن تخصص لإنتاج الحبوب، ووقف دعم بعض المنتجات التي لا تحقق الأمن الغذائي .
" الفلاحة التي لا تغذي شعبها، لا يمكن أن نسميها فلاحة، بل يصطلح على تسميتها تجارة..." بهذه العبارة القوية استهل محمد هاكش، المهتم بموضوع السيادة الغذائية والكاتب العام السابق للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي مداخلته الرقمية، مشيرا بأن الشعب الذي يعتمد على الغير لكي يتغذى هو أصلا فاقد السيادة ليس الغذائية فقط بل السيادة بمفهومها الشامل، فكرامة الشعوب تكمن في قدرتها على إنتاج غذائها.
وسجل هاكش أن وزير الفلاحة ولأول مرة تحدث مؤخرا عن مفهوم السيادة الغذائية علما أن الكثير من البلدان أدخلت ضمن دساتيرها مفهوم السيادة الغذائية منذ عام 1996 تاريخ ظهور هذا المفهوم، متسائلا عن ما اذا كانت الاستراتيجية الفلاحية المتبعة في المغرب تضمن للمغاربة الحق في الغذاء ؟
قبل مواصلة حديته بالقول إنه من الصعب تغيير النموذج الفلاحي من خلال حرمان الفلاحين المنتجين للفواكه الموجهة نحو التصدير من الدعم، مشيرا بأن نسبة الفلاحين المؤهلين للحصول على قروض لا تتعدى 20 في المائة، متسائلا عن السبب الذي يجعل الدولة لا تقدم على تحفيز الزراعات التي تحقق الأمن الغذائي عبر توفير الدعمن قبل أن يخلص بأن الأمر يتعلق بإرادة الدولة ولا علاقة له بمدى تحقيق ربح في الإنتاج من عدمه، داعيا الى دعم إنتاج الحبوب والزيوت والسكر من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي منها باعتبارها مواد أساسية، مؤكدا بأن السيادة الغذائية لا يمكن تحقيقها إلا عبر الاعتماد على المقومات الداخلية من بذور وسلالات وأدوية وأسمدة...وليس عبر اللجوء الى الخارج، تماما مثل بناء جيش وطني والذي لا يمكن أن يعتمد في بنائه على جنود مستوردين، علما أن المغرب أبرم الكثير من اتفاقيات التبادل الحر دون أن ينجح في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية .
من زاويته أشار العربي الزكدوني الخبير في القطاع الفلاحي إن ما آل إليه القطاع هو نتيجة للسياسات العمومية التي اتبعها المغرب منذ الاستقلال، ففي مرحلة معينة كانت هناك سياسات فلاحية مدعمة من طرف الدولة تنادي بتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبعدها دخلنا الى مفهوم الأمن الغذائي، وهو المفهوم الذي لم يبقى له أي أثر منذ 2008 تاريخ إطلاق مخطط المغرب الأخضر، قبل أن نعود للحديث مرة أخرى عن السيادة الغذائية، مشددا على أهمية ربط الحديث عن هذا المفهوم ببلورة سياسات عمومية في هذا الاتجاه.
وأشار الزكدوني أن الدولة ضخت استثمارات ضخمة من طنجة الى الكويرة ومن الدار البيضاء الى الحدود الجزائرية، موضحا بأن الأمر يتعلق بنفس الاستثمارات وبنفس المعايير ودون استحضار مدى توفر المياه، وهو الأمر الذي تسبب في ما آلت إليه الفلاحة المغربية.
ودعا الزكدوني المسؤولين على القطاع الى توفير معطيات تهم حجم الاستثمار في كل سلسلة إنتاج في إطار مخطط المغرب الأخضر، والكشف عن الوثائق المرجعية من أجل تمكين الباحثين من تقييمه ورصد مكامن الخلل في القطاع الفلاحي، قبل الحديث عن بلورة استراتيجية فلاحية جديدة، مؤكدا بأنه لا يمكن تحقيق التطور في ظل مشكل الولوج الى المعلومة.
وأكد الزكدوني أن الاستراتيجية الفلاحية الحالية ماهي إلا امتداد لمخطط المغرب الأخضر، فالفلاحون غير مهتمون بإنتاج الحبوب والقطاني لكونها غير مدرة للربح..اذا الأمر يتعلق باختيار سياسي – يقول الزكدوني - .
كما تطرق الى الاهمال الذي طال إنتاج الخضروات منذ أمد بعيد مما أدى الى ارتفاع الأسعار الى جانب مشكل بروز بعض الأمراض، دون اغفال تداعيات التغيرات المناخية على القطاع.
وتسائل الزكدوني عن ما اذا كان المغرب يتوفر على المتطلبات الأساسية التي تؤهله للحديث عن السيادة الغذائية، فالمغرب عاجز عن توفير الاكتفاء الذاتي من الحبوب ومن الزيوت النباتية، ومن السكر، ومقابل ذلك يصدر الفواكه المسقية !
وفيما يتعلق بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحليب واللحوم، أشار الزكدوني أنه ومنذ بلورة مخططات انتاج الحليب عام 1975 لم يتوقف الموقف عن استيراد الأبقار الحلوب، ولم يتمكن الى حدود الآن من تكوين مشاتل خاصة تمكنه من تحقيق السيادة الغذائية علما أن هذا المشروع كلف الدولة مبالغ هامة، ومع ذلك فهو لازال لحدود الآن يدعم استيراد الأبقار الحلوب، متسائلا عن معدل التكامل عبر كل سلسلة إنتاج على حدة في المغرب (جلب البذور من الخارج، استيراد الأبقار..) .
وقال الزكدوني إن المغرب لم يسبق له أن عرف سياسة غذائية بل مجرد سياسات فلاحية، متسائلا عن ما اذا كانت الفواكه الحمراء تشكل جزء من حاجياتنا الغذائية، داعيا الى بلورة نموذج الاستهلاك الذي يريده المغاربة والذي يحقق حاجياتهم الغذائية.
السياسات العمومية الحقيقية هي التي تتوقع مخطط المغرب الأخضر ساهم في الإجهاد المائي الذي يعرفه المغرب.
كما تطرق الزكدوني الى الاجهاد المائي الذي يعاني منه المغرب بسبب مخطط المغرب الأخضر، علما أن 700 ألف هكتار المسقية في إطار المغرب الأخضر، والتي تتم حاليا في إطار سقي فردي أو خاص لا تخضع لأية مراقبة حاليا، مقدما مثال فلاحي دكالة الذين لم يتوصلوا بمياه السقي منذ سنتين أو ثلاث سنوات، ومع ذلك حققوا محصول لا يتصور من الشمند السكري وهو ما يعني الاعتماد على الاعتماد على المياه الجوفية، الأمر الذي يهدد الأمن المائي للبلاد وقبل ذلك السلم الاجتماعي، مؤكدا بأن الموارد المائية هي موارد عمومية ولا يمكن استغلالها بشكل مفرط، ولابد للدولة من تحمل مسؤوليتها في هذا الإطار، ولابد أيضا - يضيف الزكدوني - من وقف الاستغلال الفوضوي وغير المشروع للمياه الجوفية.