الخميس 28 مارس 2024
سياسة

إعصار نقابي يزحف على حكومة عبد الإله بنكيران

إعصار نقابي يزحف على حكومة عبد الإله بنكيران

 

يحدد زعماء المركزيات الثلاث: الميلود المخارق، عبدالقادر الزاير وعبدالرحمان العزوزي، الأعطاب الكبرى للسياسة العمومية لحكومة عبدالاله بنكيران في جانبها الاجتماعي التي أدت في تراكماتها الممتدة على ما يقارب الـ 3 سنوات بنقاباتهم إلى تنظيم مسيرة عمالية احتجاجية يوم الأحد 6 أبريل 2014 بالدارالبيضاء.

 

إعداد: عبد الواحد الحطابي

 

وعجلت المركزيات الثلاث بجهازها التنفيذي إلى تسطير برنامج نضالي سيحمل، وفق تصريحاتهم، مفاجآت غير سارة لزعيم «المصباح» وفريقه الحكومي، وسيتم قص شريط طريقه السيار ابتداء من الساعة الـ 9 صباحا انطلاقا من ساحة النصر. وفي السياق ذاته، يكشف العربي الحبشي، ممثل الأجراء بمجلس المستشارين، عن الوجه الآخر لـ «المعركة» التي تدور رحاها بين النقابات والحكومة على المستوى التنظيمي والتشريعي. توتر، عملنا على التوقف عند أهم عناوين محطاته التي دخلت فيها التنظيمات النقابية عملية التنسيق الأولى التي انطلقت على عهد بنكيران، بين الأموي والعزوزي، وانتهت بانخراط المخارق.

 

الميلود موخاريق، الكاتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل

صك الاتهام ضد بنكيران مثقل بخمس نقط

أحدد العطب الأول في انعدام الحوار الذي به نقف على مجموعة من المشاكل، ونطرح من خلال آليته مطالب الطبقة العاملة. هذا الحوار الذي عمدت الحكومة، التي جاءت في ظل الدستور الجديد، على تجميده وتعليقه منذ حوالي ثلاث سنوات، لأن الاجتماعات التي تمت مع الحكومة كانت تتم في إطار ما يمكن أن أسميه بـ «الدردشة»، وهو أسلوب لا يدخل في ثقافتنا وأدبياتنا النقابية، ولا ينسجم اليوم مع وحدتنا العمالية. العطب الثاني، أراه في الهجوم العدائي والعدواني على الحريات النقابية، تقف منه الحكومة موقف المتفرج في ما يجري من انتهاك صارخ للحقوق والحريات، أصبح معها ممارسة الطبقة العاملة لحقها الدستوري بمثابة جريمة يعاقب عليها العمال بالطرد والتسريح والمتابعة القضائية بموجب الفصل 288 المشؤوم من قانون المسطرة الجنائية. العطب الثالث، ويتمثل في ضرب القدرة الشرائية للطبقة العاملة بكل شرائحها، وعموم الفئات الشعبية، حيث أصبحنا نستيقظ على الزيادات المتتالية والمهولة في الأسعار للمواد الأساسية. إننا في العمل النقابي نطالب ونكافح من أجل انتزاع زيادة في الأجور لا تتجاوز في أقصى تقدير، 5 في المائة مقسمة على مراحل، ثم «تْجي الحكومة وتّاخذْها مْنّا بْالدّوبْل» من خلال قرارات الزيادة في الأسعار. العطب الرابع، يوجد في القرارات اللاشعبية واللاديقراطية التي اتخذتها الحكومة في ميادين تهم بدرجة أولى الطبقة العاملة، كـ «التصرف» ولا أقول «إصلاح» ملف التقاعد، بطريقة أحادية؛ وأيضا التحضير لمشروع تقييد العمل النقابي من خلال طرحها مشروع «قانون النقابات» في سرية تامة، ومحاولة تمريرها مدونة التعاضد؛ وكذلك تعريضها منظومة العمل إلى الهشاشة من خلال تأييدها لمبدأ الشغل بالعقدة المحددة. ويتمثل العطب الخامس في تجميد الأجور ونظام التعويضات للمأجورين. فإذا كانت الحكومة تتغنى بما يسمى بـ «المقايسة» للمحروقات، فلماذا لا تعمل على تطبيق نظام «السلم المتحرك» للأجور لتحقيق نوع من الموازنة والعدالة الاجتماعية. ولهذا، فإن الحركة النقابية بعد أن استنفذت جميع وسائل الإقناع مع الحكومة، وكان آخرها المذكرة المطلبية المشتركة التي رفعناها إلى رئيس الحكومة في 11 فبراير 2014، فقد وجدنا أنفسنا في إطار عملنا التنسيقي، نتخذ، وبكل مسؤولية، وكخطوة أولى في برنامجنا النضالي، قرار تنظيم مسيرة عمالية احتجاجية كبرى. وبهذه المناسبة، أوجه نداء حارا لأخواتنا العاملات وإخواننا العمال في كل القطاعات والمهن والمدن المغربية، إلى الانخراط والمشاركة المكثفة في هذه المسيرة الاحتجاجية الكبرى يوم 6 أبريل الحالي. ونقول بأن أيدينا لا تزال مفتوحة للحكومة.

 

عبد الرحمان العزوزي، الكاتب العام لـ «ف.د.ش»

ثمانية أسباب للتمرد ضد الانتظارية القاتلة

بداية، لا بد من أن أوضح شيئا هاما قبل أن أتوقف عند أعطاب السياسة الحكومية في ما يخص المسألة الاجتماعية التي أدت إلى خلق أجواء التوتر في العلاقة بيننا كمركزيات نقابية في إطار تنسيق استراتيجي وتاريخي من جهة، والحكومة من جهة ثانية. ما نقوم به اليوم من خطوات نضالية يأتي كرد فعلي طبيعي لسياسة حكومية خيبت آمال، ليس الطبقة العاملة فحسب، بل عموم الشعب المغربي، وأدخلت البلاد في انتظار المجهول، بل في انتظارية قاتلة. سياسة أبانت حقيقة عن ارتباك وتردد وارتجال في التدبير السياسي للشأن العام، وهذا ترتب عنه عجز واضح في مباشرتها إصلاح القطاعات الإستراتيجية الرافعة للتنمية، سواء في مجال التربية والتعليم، أو السكن والبطالة والتشغيل، والتفاوتات الاجتماعية، وكذا المجالية. وأعتقد أن من بين الأعطاب التي يمكن أن نسجلها على هذه الحكومة هي:

أولا، انعدام الخبرة في تسيير الشأن العام.

ثانيا، هشاشة التركيبة الحكومية والمتجلية بالأساس في التناقضات المستمرة لأعضائها وعدم احترام التزاماتها، الأمر الذي يفقدها المصداقية واحترام المجتمع لها.

ثالثا، ضرب القدرة الشرائية للفئات الضعيفة والمتوسطة، الأمر الذي سيخل بالتوازنات الاجتماعية ببلادنا.

رابعا، أنها أغرقت المغرب في الديون الخارجية، وهو ما سيرهن الأجيال القادمة ويضع السيوف فوق رأسها.

خامسا، أنها تلعب في الساحة الديمقراطية ولا تؤمن بها.

سادسا، تغييبها للحوار وللأطراف المعنية به في حل القضايا المشتركة بينها.

سابعا، ضرب الحق والحريات النقابية واقتطاع أجور المضربين.

ثامنا، تكتشف الحكومة دائما أخطاءها وتستمر في نسجها.

من الطبيعي أن تقود السياسة الحكومية بقراراتها اللاشعبية التي تعمل على تحميل الأجراء لوحدهم فشل تدبير السياسة العمومية، وتثقل بالمقابل أعباء الأجراء بالمزيد من العبء الضريبي دون إصلاح جبائي، وإحداث ضريبة على الثروة لضمان ما نسميه العدالة الاجتماعية.

أقول، هذه هي الأعطاب التي دفعت النقابات إلى رفع صوتها ضد الإهمال واللامبالاة لقضايا الشغيلة المغربية، وجعلتنا نقرر في إطار عملنا التنسيقي الثلاثي، تنظيم مسيرة احتجاجية مشتركة يوم 6 أبريل بالدارالبيضاء، والتي نعتبرها محطة احتجاج أولية ضمن محطات سنرفع من درجة التصعيد فيها ولا شيء يثنينا عن موقفنا هذا، قيادة وقاعدة، غير الجلوس إلى طاولة حوار ممأسس يفضي إلى الاستجابة لمطالبنا المضمنة في المذكرة المطلبية المشتركة التي طرحنها على رئيس الحكومة يوم 11 فبراير الماضي. وبهذه المناسبة، نوجه نداءنا إلى قواعدنا النقابية، ومعهم كل المدافعين عن حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، لدعم ومشاركتنا هذه الخطوة النضالية والمسؤولة التي دعونا لها كنقابات تستمد شرعيتها من عمق الحركة الوطنية وقواها التقدمية.

 

العربي الحبشي، عضو المكتب المركزي لـ «ف.د.ش وممثل المأجورين بمجلس المستشارين

بنكيران حطم الرقم القياسي في التملص من الالتزامات

منذ تنصيب حكومة عبدالإله بنكيران، ونحن كفريق فيدرالي بمجلس المستشارين، نطرح مسألة فتح حوار اجتماعي حقيقي مسؤول وهادف، لا حوارا تشاوريا. لم نتوقف في دعوة الحكومة إلى فتح تفاوض جماعي ثلاثي الأطراف كما تنص على ذلك المواثيق الدولية والتشريعات الاجتماعية الوطنية. كما أن الفريق كان يطرح دائما الانتهاكات التي تعرفها الحريات النقابية في العديد من القطاعات والمؤسسات الإدارية والإنتاجية والخدماتية التي يتعرض لها الفيدراليات والفيدراليون، وعموم النقابيين والأجراء.

الحكومة تريد من وراء هذه السياسة الإقصائية تمرير إصلاحات تؤدي كلفتها الطبقة العاملة لوحدها. والدليل على ذلك هو الارتفاعات المتوالية في أسعار المواد الغذائية والخدماتية الأساسية، والرفع من حجم الضرائب التي تمس شريحة واسعة من الفئات الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود والمتوسط. وهذا منطق يغلّب البعد المالي على البعد الاجتماعي في عملية الإصلاح بمفهومها الوطني والمواطن. وصوّتنا، كفريق فيدرالي بالغرفة الثانية، بالرفض ضد مختلف مشاريع قوانين المالية التي عرضتها الحكومة على أنظار المجلس، نظرا لغياب المسألة الاجتماعية كأولوية في السياسة العمومية للحكومة، ولرفض الحكومة للتعديلات الجوهرية ذات الطابع الاجتماعي التي تقدم بها الفريق.

أذكر هنا على سبيل المثال الحصر، مطالبتنا بسن ضريبة على الثروة لضمان العدالة الجبائية، وتخصيص حصة من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة لتغطية عجز الصناديق الاجتماعية. ومقترحنا الداعي إلى اعادة النظر في نظام الضريبة على الدخل بما يوسع الوعاء الجبائي، ويقلص من الفوارق الاجتماعية، إلى غير ذلك من التعديلات. بل إن الفريق الفيدرالي، في إحدى الجلسات المحورية لمساءلة رئيس الحكومة، عبر باسم الأجراء عن احتجاجه الشديد على تغييب المسألة الاجتماعية من السياسة العمومية، وتهميش دور الحركة النقابية ممثلا في مركزياتها الأكثر تمثيلية، من خلال تملصها وتهربها ومماطلتها في فتح حوار حول مختلف القضايا المطروحة من طرف النقابات التي تعزز موقعها كقوة تفاوضية بدخول ثلاث مركزيات في عملية تنسيق تاريخية. هذا التنسيق الذي ما كان ليتم بهذه القوة، نظرا لمكانة النقابات وطنيا وقاريا ودوليا، لولا السياسة الحكومية المعادية للعمل النقابي، والماسة بالتراكمات الاجتماعية والحقوقية التي حققتها بلادنا خلال العشرية الأخيرة تحديدا.

من جانبنا، نعتبر أن مسيرة 6 أبريل الوطنية بالدارالبيضاء، التي دعت إليها النقابات الثلاث، محطة ديمقراطية واجتماعية تأتي احتجاجا عل صم آذان الحكومة على التراجعات التي تعرفها الحريات النقابية، وإضعاف القدرة الشرائية للأجراء وعموم المواطنين بفعل غلاء المعيشة. وكذلك بفعل غياب رؤية سياسية إستراتيجية ذات نفس اجتماعي يقطع مع المقاربات المحاسابتية في التعاطي مع مختلف قضايا الطبقة العاملة، والفئات الشعبية التي أنهكتها الزيادات المتوالية في الأسعار، وتعطيل في كافة خدمات القرب، وإغلاق باب العمل في وجه أبنائها ومجموع العاطلين.

 

كرونولوجيا الاحتجاج النقابي في إطار التنسيق

- 15 ماي 2012: وجه نوبير الأموي الكاتب العام لـ «ك.د.ش»، رسالة إلى عبدالرحمان العزوزي والميلود المخارق الكاتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل، يدعوهما إلى التنسيق لخوض كل الأشكال النضالية لمواجهة تجاهل الحكومة للملف الاجتماعي.

- 27 ماي 2012: نظمت «ك.د.ش» و«ف.د.ش» مسيرة وطنية بالدارالبيضاء، احتجاجا على السياسة الاجتماعية للحكومة، تميزت بمشاركة هيآت سياسية وجمعيات المجتمع المدني.

- 6 يونيو 2012: أصدر المكتبان التنفيذي والمركزي لـ «ك.د.ش» و«ف.د.ش» بيانا يستنكران فيه الزيادة المهولة في الأسعار التي أقرتها الحكومة، والقرارات الانفرادية لرئيس الحكومة، وتصريحات هذا الأخير المستفزة واللامسؤولة.

- 21 شتنبر 2012: عقدت الحكومة برئاسة عبد الإله بنكيران جلسات حوار مع الفرقاء الاجتماعيين، لم يسفر عن أي نتيجة. - 31 أكتوبر 2012: بعث المكتبان التنفيذي لـ «ك.د.ش» والمركزي لـ «ف.د.ش» رسالة إلى رئيس الحكومة حول منهجية التفاوض الاجتماعي. وطالبا بعقد اجتماع عاجل للجنة الوطنية حول المطالب المادية، والاجتماعية، وحول الإصلاحات الكبرى.

- 3 دجنبر2012: بعثت «ك.د.ش» و«ف.د.ش» رسالة إلى رئيس الحكومة ينبهانه إلى خطورة الوضع، ويذكرانه بالتزامه مع المركزيتين بتنظيم تفاوض ثلاثي الأطراف.

- 8 دجنبر2012: الـ «ك.د.ش» والـ «ف.د.ش» ينظمان تظاهرات احتجاجية بمختلف المدن المغربية احتجاجا على السياسة الاجتماعية للحكومة.

- 31 مارس 2013: نظمت «ك.د.ش» و«ف.د.ش» مسيرة احتجاجية بالرباط تحت شعار «من أجل الحقوق والحريات كاملة». - 23 يناير2014: التأمت في عملية تنسيق تاريخية بدار المحامي بالدارالبيضاء، قيادات الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل.

- 29 يناير2014: المركزيات النقابية الثلاث تجتمع بمقر الاتحاد المركزي للاتحاد المغربي للشغل، وتصدر تصريحا مشتركا.

- 11 فبراير2014: تضع المركزيات النقابية الثلاث مذكرة مطلبية مشتركة من قبل وفد ثلاثي التركيبة لدى رئاسة الحكومة.

- 20 فبراير 2014: يبعث رئيس الحكومة رسالة إلى النقابات الثلاث يرحب فيها بمبادرة المركزيات، ويؤكد فيها على البدء بمباشرة دراسة المطالب في أفق الحوار حولها.

- 11 مارس 2014: النقابات الثلاث، المجتمعة في المقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل، تصدر بلاغا تسجل فيه استياءها وتعبر عن غضبها من عدم التزام الحكومة ببدء المفاوضات الجماعية حول المطالب النقابية المشتركة.

- 21 مارس 2014: اجتماع الأمناء العامون للمركزيات الثلاث بالمقر المركزي لـ «ك.د.ش»، ويقررون تنظيم مسيرة عمالية احتجاجية يوم الأحد 6 أبريل 2014 بالدارالبيضاء، للتنديد بتدهور الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للطبقة العاملة وعموم الأجراء. ويصدرون بلاغا مشتركا.

- 25 مارس 2014: تعقد قيادات المركزيات النقابية الثلاث، بمقر الفيدرالية الديمقراطي للشغل، ندوة صحفية لشرح حيثيات القرار النضالي.

 

عبد القادر الزاير، نائب الكاتب العام لـ «ك.د.ش»

حكومة بنكيران أرجعتنا إلى انحباس اجتماعي

كنا استبشرنا خيرا بالخطاب الملكي لـ 9 مارس الذي كان مفاجأة سارة لجميع المغاربة. لكن وقع العطب في اللجنة السياسية لمراجعة الدستور التي كان يشرف عليها المستشار محمد المعتصم، لأن النص لم يكن محل توافق بين أعضاء اللجنة جميعهم. في ظل أجواء عدم التوافق هذا، جاءت الانتخابات التشريعية بما شابها من تزوير مفضوح، وجاء معها بنكيران إلى السلطة. من الطبيعي أن يترتب عن ذلك حكومة عاجزة وغير مسؤولة، لأنها أولا مخدومة التركيبة، وثانيا لافتقادها الخبرة والتجربة في تدبير الشأن العام، والجرأة في اتخاذ قرارات سياسية واجتماعية واقتصادية في بعدها التوافقي مع المحاورين الاجتماعيين الأساسيين والشرعيين.

من هنا بدأت الاختلالات، ومن بينها طريقة التعامل مع الملف الاجتماعي، لأن تسوية المسألة الاجتماعية تؤدي أوتوماتيكيا إلى السلم والأمن الاجتماعي الذي يقود إلى الأمن العام في البلاد. لكن هذه الحكومة أعطت الاهتمام للباطرونا وآراء المؤسسات المالية الدولية، وشرّعت بذلك الباب للاستدانة المتتالية دون احتساب أبعاد القرار على المستوى الاجتماعي والاقتصادي سواء في الأمد القريب، أو المتوسط، أو البعيد، على السياسة العمومية. وتعبيرا منها عن وفائها وإخلاصها لتلك المؤسسات، أقدمت على تجميد الأجور والترقيات، وإغلاق التوظيف لفائدة المعطلين، ودخلت في تنفيذ مسلسل الزيادة الجائر في مختلف الأسعار.

من الأكيد أن يترتب عن هذه السياسة اللاشعبية والمملاة، ضرر بليغ على القدرة الشرائية للمواطنين، والعمال بشكل خاص. لكن رأي رئيس الحكومة، بدل أن ينتبه ويطمئن أو يحاور الأطراف الاجتماعية، بدأ «يتغنى» بقرار الزيادة في البترول، والإصلاح، انطلاقا من مواقف فردية يعتقد أنها صحيحة وتتماشى والظرفية، «ولا أحد يتحرك». لقد رجَعْنا بفعل هذه السياسة غير المسبوقة إلى انحباس اجتماعي، واستعمال العصا الغليظة بضرب المحتجين واعتقالهم، ومتابعتهم قضائيا بموجب الفصل 288 الذي نطالب بحذفه والتشطيب عليه. واستمر في المقابل، مسلسل التناور الحكومي في التعامل مع النقابات، حيث ظل التسويف هو السائد بخصوص تنفيذ الالتزامات الاجتماعية، وتسوية مطالب الفئات على مختلف مواقعهم وصفاتهم الشغلية والمهنية، والتملص من تنفيذ الالتزامات المتبقية في إطار اتفاق 26 أبريل 2011. هذا المخطط البئيس الذي تعمل الحكومة على تطبيقه في طبعتيها الأولى والثانية، والذي سعت جاهدة من ورائه إلى «تدمير» المفاوضات الجماعية التي أسسها تصريح 1996. أقول هذا الوضع الذي عملنا من موقعنا المسؤول على تقدير ظروف بلادنا على كافة المستويات والأصعدة، لم يقابل للأسف من الحكومة بأي خطوة أو مبادرة إيجابية، مما أدى في النهاية بالنقابات إلى تركيز جهودها والاشتغال على توحيد صفوفها ومطالبها ومخططاتها النضالية والكفاحية، أثمرت إنجاز مذكرة مطلبية مشتركة لمركزياتنا الثلاث، وتسطير برنامج نضالي مشترك، ستقص شريطه مسيرة 6 أبريل 2014. لنا الثقة الكبيرة في مناضلاتنا ومناضلينا بأنهم سيكونوا جميعا في الموعد، للتعبير عن مواقفهم الرافضة والمعارضة والمحتجة للسياسة الحكومية المتبعة في حقهم، لأنها سياسة جائرة وظالمة، ستدخلنا ليس فحسب اجتماعيا، بل سياسيا، في نفق مظلم قد يرجعنا سنوات وعقودا إلى الوراء. لذلك نرى أن المسألة الاجتماعية لا تحتاج إلى دعوة، لأن الوضع الاجتماعي أصبح يفرض نفسه على الجميع دون استثناء أو ميز، ما دام أن أمنهم الاجتماعي أصبح هو الآخر مهددا. علينا جميعا، إذن، أن نتحمل مسؤوليتنا من أجل إيجاد حلول حقيقية ومنصفة لنا، بدل الانتظار والتفرج على وضع يزداد خطورة وقسوة وإجحافا.