الأحد 5 مايو 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: البناء العشوائي من أسباب فشل أي مخطط تنموي وإرساء دولة الحق والقانون 

صافي الدين البدالي: البناء العشوائي من أسباب فشل أي مخطط تنموي وإرساء دولة الحق والقانون  صافي الدين البدالي
لا أحد من العارفين يجادل في خطورة البناء العشوائي  وتداعياته الإجتماعية والإقتصادية والسياسية.فما هي أسباب انتشار البناء العشوائي في سائر المدن المغربية ؟ وما هي انعكاساته على التنمية ؟
ولماذا فشلت الحكومات المغربية المتعاقبة في القضاء عليه رغم الشعارات التي رفعتها منذ 2004 كشعار"  مدن بدون صفيح؟"
للإجابة على هذه الأسئلة لابد أولا من استحضار الأسباب والسياق الذي ظهر فيه البناء العشوائي في البلاد و ثانيا الإستغلال السياسي والاجتماعي لهذه الظاهرة .
أولا :- السياق العام  : بعد عملية احتلال المغرب من طرف الدولتين فرنسا و اسبانيا فقد العديد من المزارعين القرويين      أراضيهم من طرف المستعمرين ، أراضي زراعية تقدر ب  762.380 هكتارا ، تم بترها كرها وتعسفا من أراضي قبائل السراغنة و الرحامنة وفاس والمغرب الشرقي ومكناس ، وأحواز مراكش الخ ، مما تسبب  في الهجرة الى هذه المدن  بحثا عن شغل وفي مقدمتهن مدن  الدارالبيضاء و القنيطرة والمحمدية و الرباط  ومراكش الخ ..
فلجأ المهاجرون الى الإستقرار في هوامشها في أحياء من البراريك تنعدم فيها شروط الحياة الكريمة و يتعرض أهلها الى كل أنواع  الإستغلال في مجال الشغل و الخدمات التي توفرها هذه المدن .
لكن بعد الإستقلال ظل الوضع على ماهوعليه بل ازداد تفاقما أمام صعوبة  الحصول على سكن لائق  بالمدينة رغم محاولة الحكومات المتعاقبة خاصة بعد اجهاض برنامج حكومة عبد الله ابراهيم في مجال السكن من خلال إنشاء  صندوق للسكن ،أخذ البناء العشوائي يتسع ويمتد إلى داخل المدن وأصبح مجالا للإغتناء غيرالمشروع، حيث برزت لوبيات من أعوان السلطة،ومن مستشارين جماعيين ومن مضاربين عقاريين وسماسرة، يساعدون على البناء العشوائي بتسهيل عملية البناء وخرق قانون التعمير   مما تسبب في هدر المال العام من خلال البرامج المتعاقبة للسكن الإجتماعي على شكل عمارات من شقق  لا تستجيب للمتطلبات الإجتماعية والبيئية،فهي عبارة عن أقفاص مغلقة بل هي نوع من البناء العشوائي، لأنه يفتقر إلى الشروط والمواصفات العمرانية ، واستفادت من هذا البرنامج شركات  راكمت أموالا طائلة على حساب الجودة في البناء و الاتقان .
وقد تمت عملية تفكيك    بعض الأحياء من البراريك   والبناء العشوائي وسط  المدن وترحيل أهلها إلى هذه العمارات مع تأدية مبالغ مالية للحصول على شقة من هذا النوع و مساحتها 50 مترا مربعا على الأقل و 80 مترا مربعا على الأكثر  ، ويحدد ثمن الشقة في 250 ألف درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.
 ثانيا :- البناء العشوائي و الاستغلال السياسي؛  
كما هو الشأن بالنسبة لعدد من البرامج والمخططات التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة، لم تتحقق أهداف البرنامج الوطني“مدن بدون صفيح”،والقضاء على أحياء الصفيح و البنايات العشوائية التي تحاصر المدن و المراكز ، بل أن “البراريك”والدواوير العشوائية تكاثرت ،وبعضها  لا تزال قائمة إلى اليوم وسط المدن الكبرى ؛وفشلت أيضا  الحكومات المتعاقبة في الحد من تفريخ السكن العشوائي ،مما تسبب في تعطيل التنمية المستدامة في البلاد.
 
إن هذه  الظاهرة مردها الى الإرتشاء من جهة ،وغياب   تخطيط عمراني مندمج و  انعدام المخططات  المديرية للمدن و للمراكز والقرى من جهة ثانية، حتى أصبحت الأحياء العشوائية تشكل  كتلة سكانية عند الطلب  في الإستفتاءات و الإنتخابات الجماعية او البرلمانية للتحكم في النتائج من طرف النظام السياسي، وايضا تشكل كتلة تبيع الأصوات مما جعل عددا من رؤساء الجماعات الترابية يغضون الطرف على هذه الظاهرة ويسعون إلى توسيعها في إطارمخطط  الداخلية منذ الثمانينات  الرامي إلى ترييف المدن من أجل القضاء على النخبة المثقفة، والطبقة الواعية و جعلها تتراجع الى أقلية تتساقط في كل الانتخابات؛ أمام ذوي السوابق أو لوبيات الفساد.
 إن هذه المظاهرهي من أسباب فشل أي مخطط تنموي، وإرساء دولة الحق والقانون.