الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

أعمو يكشف الرهانات الجهوية على ضوء توجهات النموذج التنموي الجديد في سوس ماسة

أعمو يكشف الرهانات الجهوية على ضوء توجهات النموذج التنموي الجديد في سوس ماسة عبد اللطيف اعمو
لقد مرت سنة على انتداب المجلس الجهوي الحالي. وكان من المفروض أن تنطلق الدورة الحالية، بالتداول حول برنامج التنمية الجهوية، وفقا لأحكام الفصل 97 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، وتنفيذا لمقتضيات المادة 83 التي تأمر الجهة بوضع برنامج التنمية الجهوية خلال السنة الأولى من مدة انتداب المجلس، وأن تعمل على تتبعه وتحيينه وتقييمه، وفق منهج تشاركي.
ووفقا لمقتضيات المادة 5 من مرسوم رقم 2.16.299 بتحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية ، أصدر مجلس جهة سوس ماسة قرارا بخصوص إعطاء الانطلاقة الرسمية لإعداد برنامج التنمية الجهوية بتاريخ 01 غشت 2022 بهدف الشروع في اتخاذ كافة التدابير اللآزمة من أجل انطلاق عملية إعداد البرنامج الذي سيمتد لمدة 6 سنوات (2022 – 2027)
ومساهمة في بلورة هذا المشروع، أدلي برأيي في الموضوع.
تتأسس رهانات النموذج التنموي على دعامات ومرتكزات أساسية، من أهمها: التضامن والتعاون والتوازن. وهو ما يحيلنا على مبدإ التدبير الحر، على مستوى الجهات خاصة، وباقي الجماعات الترابية الأخرى، كمدخل رئيسي في البناء التنموي المرتقب، باعتباره يشكل خارطة طريق حقيقية في خدمة التنمية الشاملة والمستدامة.
ولقد عرفت جهتنا عدة تقسيمات إدارية، كان آخرها التقسيم الجهوي لسنة 2015، الذي حدد 12 جهة وطنيا، وشكل منعطفا تاريخيا في مسار اللآمركزية الترابية في بعدها الجهوي، بموجب القانون 14-111 المنظم للجهات، أصبحت الجهات تتمتع باستقلال إداري ومالي متقدم، بعد أن كانت في سنة 1997، قد ارتقت حينها إلى جماعات ترابية ذات سلطة تقريرية واختصاصات متنوعة، وبموارد مالية محدودة.
وسميت جهتنا بعد محطة 2015 جهة سوس ماسة، بعد أن أصبحت منطقة درعة تابعة إداريا لجهة درعة – تافيلالت، فيما أضيف إقليم طاطا لجهة سوس –ماسة.
وفي محاولة لتشخيص حركية جهتنا، يمكن الوقوف على مراحل ثلاثة، مع العلم أن المرحلة الثالثة ما زالت في مهدها، ولم تنطلق بعد فعليا. فيما عرفت المرحلتان الاولى والثانية مجهودا كبيرا على مستويات عدة.
المرحلة الاولى: سوس ماسة درعة منذ سنة 1997
هذه المرحلة التأسيسية تميزت ببذل مجهود تنموي، يتمحور في عملية اندماجية للأقاليم التي تجمعها روابط تاريخية وثقافية  واقتصادية ومجالية (مجال إدماج حوض درعة في حوض سوس – ماسة) .
هذه العملية الإدماجية ارتكزت على مبادئ التضامن والتكامل وتسريع هيكلة مناطق درعة لتلتحق بمنطقة أكادير، مع ما رافقها من جهد لخلق مجالات جديدة للتنمية، مع بداية التركيز على الرافعات الثلاثة (الفلاحة – السياحة – الصيد البحري) والشروع في تنمية القطاع الصناعي والمعدني وتنمية المناطق اللوجستيكية …
وهي المرحلة التي عرفت فيها جهتنا بداية تجربة جهة سوس–ماسة–درعة لمدة 18 سنة ما بين (1997-2015)، والتي شملت ولاية السيد محمد بوهدود (1997 – 2003) ثم ولاية السيد عزيز أخنوش رئيسا ما بين 2003 و2007، ثم الولاية الأولى للسيد ابراهيم حافيدي رئيسا، ما بين 2009- 2015، بلورت خلالها استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سنة 2004، وتم تحيينها مجددا خلال سنة 2010.
وهي مرحلة بذل فيها مجهود كبير، حيث خصص جزء كبير من مالية الجهة لضمان هذا التوازن الجهوي، الذي لم تتحقق بعد كل غاياته.
وقد مكنت هذه المرحلة التأسيسية من وضع بنية صلبة لإدماج منطقة درعة، ضمن النسيج الترابي الوطني، مما أهلها لاحقا لخيار الالتحاق بجهة درعة – تافيلالت في أحسن حال.
المرحلة الثانية: مرحلة سوس ماسة
إن من أهم محاور ورهانات هذه المرحلة لما بعد 2015 وأهدافها، الشروع في تأهيل مدينة أكادير كقطب اقتصادي جهوي فاعل وقوي على الصعيد الوطني، نظرا لمؤهلاته (السياحة – الفلاحة – الصناعة – المعادن …) ثم تحقيق اندماجه حول مكوناته التاريخية والثقافية والمجالية وبناء نواة منصة جهوية، تتقوى وتتعزز وتتجدد باستمرار.
هذه المرحلة الثانية عرفت انطلاق برنامج تنمية جهوية من خلال بذل جهد كبير لجعل منطقة أكادير محورية قادرة على إبراز المكونات القوية التي تتوخى تحقيق إقلاع اقتصادي ومجالي وحضاري،  حتى تستطيع الاضطلاع بدورها الوطني بشكل كامل.
ولقد سخرت الجهة في هذه المرحلة جزءا هاما من ماليتها لخلق وكالات للتنمية المحلية، وإحداث شركات للتنمية الجهوية، وبناء عدة آليات أخرى للتأطير والتوجيه والتنفيذ (تكنوبارك، مدينة الابتكار، مدينة الحرف والمهارات، …)
وما زال مشروع استكمال تأهيل مدينة أكادير كقطب مركزي في وسط المغرب، يواجه تحديات كبيرة ورهانات صعبة.، تبذل مجهودات كبيرة لتخطيها.
المرحلة الثالثة: مرحلة سوس العالمة
هذه المرحلة الثالثة، التي اخترنا أن نسميها محطة “سوس العالمة”، لإبراز البعد التاريخي والثقافي والحضاري، وتثمين ما تكتنزه المنطقة من قيم وخصائص متكاملة ومتناغمة يكون الرأسمال البشري عماد تنميتها ونهضتها، والتي توجد اليوم في بدايتها، وتتميز، ببروز رهانات الثقافة والتراث والمجال والإرث الحضاري ضمن المحركات الأساسية للتنمية الجهوية.
بحيث، يتضح أن جهة سوس ماسة تتوفر على مؤهلات اقتصادية واعدة، لكنها تعتمد كذلك في بناء صرحها التنموي على المؤهلات الثقافية والحضارية، لكونها جهة ذات عمق تاريخي وتراثي غني، وبحكم موقعها على شاطئ المحيط ولكونها رابطا بين جنوب المغرب وشماله.
ونتصور هذه المرحلة الرامية إلى تشخيص وتأكيد عمق جميع مؤهلات الجهة، مع التأكيد على ضرورة إقامة قطب جهوي حقيقي، يعتمد على قطب مينائي، وعلى الربط الأطلنتيكي وعلى الربط السككي بين الشمال والجنوب، ومع باقي مناطق المملكة، وعلى مطار دولي مفتوح لجميع الجهات، وعلى التجهيزات الصناعية والسياحية، بجانب التجهيزات الثقافية والرياضية،  حول محيط أكادير الكبير.
هذه القطبية التي من شأنها أن تعيد للجهة قوة أجنحتها ومحركاتها ومركزية تارودانت وتيزنيت وطاطا كمدن تاريخية عريقة مليئة بزخم التاريخ وعبق التراث، ومفعمة بغناها المجالي والمعماري والثقافي والأدبي المعروف في تاريخ المنطقة والمغرب.
هذه المدن، التي توصف بكونها مدنا فلكية وأجنحة جهوية، لا يمكن للجهة أن تقلع، من منظور اقتصادي ومجالي وثقافي، بدونها.
لقد أصبحت من الوظائف الأساسية لمخطط التنمية الجهوية رسم خارطة طريق نحو تحقيق هذا الاندماج بين أقطاب الجهة ومراكزها بشكل سريع.
ولقد حان الأوان ليكون المشروع في مرحلته الثالثة، إن لم نقل منذ الولاية الحالية، منكبا على تقوية الكيان الجهوي، من خلال عملية إدماجية بين الأقطاب التاريخية المكونة لها (تارودانت وتيزنيت وطاطا) والتي تمثل العمق التاريخي والترابي للجهة.
وهناك شعور اليوم بأن هذه الأجنحة تركت على حالها. وكل ولاية من ولايات المجلس الجهوي تحاول المساهمة في دعم المجهود المحلي في كل جماعة ترابية. إلا أنها تبقى مجهودات محدودة. فنسبة تحقيق هذه البرامج قد لا يتعدى 20%  من الإنجاز. مما يضفي عليها طابعا محدودا، وغير دائم ومستمر.
فمن الأهداف الأساسية على المستوى الجهوي تعزيز الجاذبية الجهوية، ووضع أسس قوية لاقتصاد جهوي متنوع ومنفتح على الخارج باعتماد الفعالية والتضامن.
لكن المجال الجهوي سيبقى محدود الجاذبية، إذا أخذنا بعين الاعتبار ضعف النسيج  المقاولاتي الجهوي بشكل عام.
ويتعين على جهة سوس ماسة أن ترتقي بمؤهلاتها كاملة لتصبح قطبا  اقتصاديا حقيقيا متكاملا، برفع الرهانات التنموية التالية:
I– رهانات الحكامة الترابية
في أفق ضمان نجاح الإصلاحات المؤسساتية التي اعتمدتها بلادنا، وبهدف المساهمة في وضع مشروع الجهوية المتقدمة في سكتها الصحيحة، ولغاية إدراج الخيارات الإستراتيجية الجديدة التي يتضمنها النموذج التنموي الجديد[1] في طـياته، يتعين وضع أولويات تحديد توجهات الدولة الرئيسية على المستوى الترابي، وخصوصا على المستوى الجهوي، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات مختلف المستويات الترابية، في إطار رؤية مستقبلية يتقاسمها مختلف الفاعلين الجهويين، ويكون الهدف منها:
تحقيق التكامل الترابي على مستوى الوحدات الترابية للجهة، تنظيم الالتقائية convergence على مستوى البرامج القطاعية، على المديين المتوسط والبعيد.
فالتوجهات العامة للسياسات العمومية تحتاج إلى منظومة جديدة للتعاون المتميز بمزيد من التوازن والالتقائية، وتنسجم مع مقتضيات الدستور، ومع القوانين التنظيمية المؤطرة للجهوية المتقدمة. ولن يتم ذلك إلا بتفعيل المبادئ الأساسية للبناء الجهوي، كما ينص عليها الدستور، من خلال التعاون والتكامل وإعطاء الأولوية للإختيارات الجهوية، كما هي منبثقة من خياراتها المحلية.
هذه الدينامية الجديدة التي ستلعب فيها الدولة والجهة دور البناء المشترك لمغرب فعال ومتضامن، شريطة أن يتم ضمان التوازنات الأساسية التالية، على مستويات عدة.
المستوى الأول:  تقييم السياسات العمومية للجهة
عرفت جهة سوس ماسة انطلاقة قوية منذ سنة 1997، فكانت ضمن الجهات الأولى التي أنجزت برنامج تنمويا منذ سنة 2004، ثم أعادت تقييمه في سنة 2010.
هذا البرنامج الذي طـغى عليه طابع الطموح والأمل، المصحوب بعزيمة قوية لدى كل الأطراف. إلا أن تنفيذه اعترضته إكراهات بنيوية عسيرة،  في ارتباط مع السياسات العمومية للدولة، ومع السياسات القطاعية، سواء المتعلقة منها بالفلاحة أو الصناعة أو الصيد البحري. مما  كان له أثر بليغ على تنفيذ الأهداف القريبة  والمتوسطة المدى.
ومن المعلوم  أن المسؤولية تقتضي اعتماد خطاب الحقيقة وتقييم السياسات العمومية باستمرار،  سواء كانت وطنية أو جهوية،  وتجنب أخطاء  الماضي،  حيث أظهرت تداعيات جائحة كوفيد 19،  وما ترتب عنها من خسائر جسيمة،  أن هناك اختلالا كبيرا في مسار التنمية الجهوية.
مما يستدعي التسريع بمسار تقييم وتحديد الأولويات، وإيلاء الأهمية لتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية،  وخصوصا التي يتضمنها النموذج التنموي الجديد خلال السنوات الخمس المقبلة. وهذا لن يتحقق إلا بتفعيل مبدإ التضامن والتعاون والتوازن.
لذلك، فإن الحديث عن وضع المخطط التنموي للجهة لا يمكن أن يستقيم بدون إنجاز تقييم لمسار  العشر سنوات الماضية، كضرورة لانطلاق كل مخطط جديد.
المستوى الثاني : التوازن الترابي
يتعين ضمان الانسجام الترابي وطنيا بين الجهات وداخل الجهة بمختلف بنياتها البشرية والجغرافية (الجبال، السهول، والسواحل، الواحات، …)، حيث يجب أن تحقق التوجهات الجديدة للسياسات العمومية في مجال إعداد التراب الانسجام والتكامل الترابي على المستوى الوطني، دون إغفال التوازنات المجالية داخل الجهة infra régional،
يجب تحديد مختلف التعديلات والتصويبات والمراجعات الإستراتيجية الترابية، حتى تتلاءم مع النموذج التنموي الجديد، مع اعتماد سياسات عمومية مسهلة ومحفزة لوضع تدابير عملية على مستوى التراب الجهوي، والتي تقترحها الجهة لضمان توازنها وانسجامها الداخلي cohésion interne وتماسكها الاجتماعي، ويكون محورها الأساسي القوة الإقتراحية للمجالات الترابية داخل الجهة،  بشكل يسمح ببروز حلول  مبدعة على المستوى المحلي،  في انسجام تام مع التوجهات العامة للسياسات العمومية على المستوى الوطني.
وهنا، وجب الأخذ بعين الاعتبار أهم آخر العناصر والمستجدات التي من شأنها أن تؤثر على القرار الجهوي وتحفزه، وتأتي في مقدمتها:
رغبة السلطات العليا للدولة، وتعبيرها الصريح على تنمية جهة سوس ماسة، والارتقاء بقطبها الجهوي كرابط لوجستيكي HUB وكمعبر نحو افريقيا[2]  تجسيدا وترجمة لسياسة الانفتاح على القارة السمراء وعلى واجهتها الأطلنتيكية،  بتنمية المؤهلات الطبيعية وتكوين الطاقات البشرية، والاستغلال الأمثل لميزة الموقع وسط المغرب، من خلال بناء قطب جهوي قوي.
الرغبة في تهيئة ميناء أكادير لجعله بحق ميناء وسط وشرق البلاد، ونافذته على الخارج،  لأن وظيفة أكادير تتعدى تموقعه كميناء رئيسي لجهة سوس ماسة، بل تنضاف إليه وظيفة النافذة الطبيعية لجهة درعة تافيلالت نحو الخارج، بل ولكل جهات المملكة، بالنظر لموقعه الأطلنتيكي في الخريطة القارية (هذا طبعا بجانب مينائي الدار البيضاء والداخلة) وبالنظر لموقعه الاستراتيجي كأحد أهم الحلقات المؤثرة في مجال الربط القاري الدولي للجزء الشرقي ولوسط البلاد.
كما أن إحداث محطة تحلية مياه البحر لأغراض فلاحية بالجهة، يجسد بحق الرغبة والإرادة السياسية، على أعلى مستوى، لتنمية الإنتاج الفلاحي، كما ونوعا، مع ضرورة التوجه نحو الإنتاج ذي القيمة المضافة العالية، والاعتماد على قطاع قوي للصناعة الفلاحية، والارتكاز على دعم  لوجستيكي فعال وذي مردودية في أفق ولوج السوق الإفريقية ( تطوير قدرات التخزين والتبريد وتحويل المنتجات –  تطوير النقل بمختلف أشكاله – استخدام الطاقات المتجددة – تطوير النقل السككي وخصوصا نقل البضائع fret، …) مع تقوية قدرات التمويل الصناعي الفعال… وغيرها من قدرات الإبداع والابتكار وإذكاء روح المبادرة على مستوى الجهة.
تأكيد الرغبة على تطوير القطاعات الصناعية الغير الزراعية ( السيارات –الطيران –  الطاقات المتجددة–بناء السفن – …)  والتي ترتكز وتعتمد على تأهيل قطاع التكوين المهني ( مدينة المهن-  أكرو تكنولوجيا –  …). وهو ما يقتضي لزاما التحسين المطرد للربط والاتصال connectivité مع باقي المنظومات الصناعية بالمغرب، وخلق شبكات مع الزبناء الوطنيين والدوليين، بجانب تأهيل قطاع التكوين المهني تأهيلا حقيقيا مسايرا لرهانات الحاضر والمستقبل.
وعموما، فعلى مستوى الحكامة الترابية، تتأكد حتمية إقامة تآزر وبناء روابط قوية تحرص على التوازن بين القطاعات والموارد على المستوى الترابي، من أجل إدارة متكاملة لمختلف البرامج، في أفق تحقيق نمو شامل ومستدام.
ففي الواقع، فإن الاهتمام بالعلاقات بين القطاعات يمكن من تحديد الأولويات، فضلاً عن تحديد وضبط القيود والفرص التي توفرها هذه الروابط والعلاقات. مما يساهم في نجاح الإدارة المتكاملة للموارد.
كما يتعين اعتماد نهج متكامل من وجهة نظر النطاق الجغرافي والمقاربة الترابية ومستوى الحكامة، في انسجام مع التوجهات العامة على المستوى الوطني.
فالمشاكل الترابية والاجتماعية لا تتوقف عند الحدود الإدارية أو الاستراتيجيات المتبعة للتعامل معها. وستكون هناك حاجة إلى أنظمة حكامة ديناميكية ومرنة، قادرة على التكيف مع مختلف المستويات الترابية المختلفة ومع الإشكاليات المطروحة.
II– فرص واعدة ورهانات أكيدة
فهذه التوجهات الاستراتيجية تفتح آفاقا جديدة وواعدة لجهة سوس ماسة،  لكنها تقتضي تنمية وظائف مركزية ولوجستيكية حديثة وفعالة،  باعتبارها حلقة هامة نحو إفريقيا برا وبحرا وجوا.
وفي مقدمتها معالجة أهم الرهانات المرتبطة بإعداد التراب الجهوي، وخصوصا ظاهرة تمركز الأنشطة الحضرية ورهانات محورية أكادير في وسط المغرب والتفاوتات في دينامية المجالات الترابية داخل الجهة.
الرهان الأول:
معالجة إشكاليات تمركز السكان والأنشطة
إن أكثر من ثلاث أرباع (¾) الساكنة الحضرية الجهوية (أي 75 % منها) تتمركز بشكل قوي في محور: أكادير – إنزكان . آيت ملول – أولاد تايمة – القليعة،  حيث يهيمن التكتل والتركيز والكثافة على توزيع الساكنة الجهوية . وعموما، تتمركز 67 % من الساكنة على 22 % من مساحة الجهة[3].
1 – إعادة هيكلة النسيج الحضري نحو مزيد من الاندماج والتكامل
وهو ما يفرض على مركز الجهة، كوحدة ترابية أساسية في البناء الترابي الجهوي،  ضمان إعادة هيكلة ضواحي وهوامش أكادير المتناثرة الأطراف والمتعددة الوظائف، نحو مزيد من الاندماج والتكامل الحضري لمختلف وحداتها، مع إيلاء الاهتمام الكافي بـ  “المدن الفلكية” (تارودانت وتيزنيت وطاطا)، وخصوصا فيما يخص تنشيط الأدوار والوظائف الحضارية والتراثية للمدن التاريخية العريقة بالجهة ،  في المرحلة التي سميناها مرحلة “سوس العالمة” مع ضرورة المعالجة الذكية لإشكالية النمو الحضري في سياق الإدماج والتنويع.
ويجب أن تكون الجاذبية، ومعها القدرة التنافسية الجهوية، شاملة، بإعطاء الأسبقية للاقتصاد المحلي؛ ولا يمكن استبعاد الفئات المهمشة من النمو المستدام؛ ولا يمكن بناء الجاذبية المجالية على حساب الفئات المحرومة اجتماعياً. مما يقتضي أن تواجه مدن الغد التحديات بطريقة معولمة ومتكاملة.
وهو ما يحتم على الفضاءات الحضرية للجهة أن تتبنى في تخطيطها وتنميتها نهجاً متكاملاً وشاملاً، يوحد الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والترابية للتنمية الحضرية.
2– استدامة الموارد المائية في قلب الرهانات الجهوية
ويتعين إيجاد حل مستدام لإشكالية التزويد بالماء الصالح للشرب، بحكم أن الجهة تعاني اليوم، وستعاني أكثر مستقبلا، من مشاكل حقيقية مع ندرة المياه، بسبب سوء ترشيد الاستعمالات الفلاحية و الصناعية و السياحية وفي مجال التعدين، وكذلك في الاستعمال المنزلي، بمستويات متفاوتة.
فمن أجل مواجهة تحديات الغد، يجب على المجالات الترابية الجهوية التغلب على الأهداف المتضاربة والمتناقضة، والتحرك نحو نماذج أكثر شمولية للتنمية الحضرية المستدامة، من خلال التوفيق بين النمو الاقتصادي والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية.[4]
الرهان الثاني:
رفع تحديات محورية أكادير في وسط المغرب
تحتل جهة سوس ماسة موقعا محوريا ومركزيا في وسط المغرب، لكونها تشكل صلة وصل بين شمال وجنوب البلاد. كما تعتبر أحد الأقطاب الاقتصادية الأكثر حيوية.
وتتميز الجهة بنمو مرتبط أساسا بالنشاط الفلاحي في امتداداته الصناعية والبيئية والبشرية، حيث ينتظر الجهة رهان التنويع والتجديد والعصرنة، مع الترشيد في استعمال الموارد، خصوصا منها المائية والطاقية، في أفق بناء جهة أكثر تكاملا وانسجاما مع النسيج الجهوي الوطني.
ويتم وصف الروابط بين الإشكاليات المائية والطاقية بكونها علاقات معقدة. مما تقتضي اعتماد مقاربة شمولية، في سياق يتميز بالحاجة المتزايدة للتنمية الاقتصادية، ولمزيد من الضغط على الموارد، واعتمادها من منظور التنمية المستدامة[5]  وإدماج تأثيرات تغير المناخ، من منطلق ترابط الموارد المختلفة (الماء – الطاقة –النقل،…).
ونسجل هنا بارتياح كبير ما ورد في خطاب السيد رئيس الجهة في الدورة الأخيرة للمجلس الجهوي، من محاولة خلق صندوق خاص بمعالجة إشكالية المياه بالجهة. ونتمنى أن يتحقق هذا المشروع في أقرب وقت ممكن.
الرهان الثالث:
الاهتمام بالمناطق الجبلية من أهم رهانات التنمية الجهوية
تتميز الجهة بتفاوتات داخلية في دينامية المجالات الترابية الغير المتزنة، والتي ترهن التنمية الجهوية وتهدد التوازن الجهوي ككل، إذا لم تتم معالجتها بشكل جدي.
ومن ضمن هذه التفاوتات،  موقع المناطق الجبلية ووزنها في البناء الجهوي، والتي تتميز بتنمية بشرية غير متناغمة، ودون المستوى المطلوب، مقارنة مع وضع المناطق الأخرى الساحلية منها والمنبسطة.
فحوالي 60٪ من المجال الجهوي هي مناطق جبلية يحدها الأطلس الكبير الغربي شمالا والاطلس الصغير جنوبا، وتحاصر هذه المرتفعات سهل سوس ( 4500 كلم ²) سهل شتوكة (1260كلم²) سهل تيزنيت (1200 كلم²)، ولكنها قليلة الكثافة، حيث يسكنها فقط 353 000  نسمة، أي ما يناهز 12.5 ٪ من الساكنة الجهوية (150 896 2 نسمة) .
وتعتبر المناطق الجبلية بجهة سوس ماسة مناطق حساسة تحتاج إلى رعاية خاصة وإلى التزامات قوية، فهي مناطق غنية بالموارد، لكنها هشة وهامشية، ويجب أن تكون موضوع سياسة تنموية جديدة لإعداد التراب تتوخى تحقيق الاندماج والتماسك الاجتماعي.
وتعاني المناطق الجبلية من عزلة لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية وبيئية قوية على التوازنات والدينامية الترابية بشكل عام: فهشاشة الاقتصاد، والعجز الحاد في المرافق والبنيات والخدمات العامة، إضافة إلى تدهور المنظومات البيئية، كلها عناصر تؤدي إلى هشاشة الظروف المعيشية وصعوبة الحياة لدى سكان الجبال.
ومع ذلك، يبدو أن السلاسل الجبلية المحاصرة لسهول الجهة (سوس الأعلى – سوس الأدنى – اشتوكة – تيزنيت)، والتي تعاني حاليا من ضعف تنميتها وتأهيلها، تحتوي على موارد نفيسة وهامة تساهم بشكل واسع في الرخاء والازدهار العام: المياه – الغابات – التراث اللآمادي المتمثل أساسا في التراث الطبيعي وأنماط السكن وتقنيات البناء –مختلف العادات والتقاليد المميزة للمنطقة– قيم التضامن والتآزر – … ) إذا تذكرنا أن جل النخب الاقتصادية والعلمية النشيطة داخل الوطن وخارجه، إضافة إلى أهم السلالات الحاكمة في المغرب أصلها من المناطق الجبلية والصحراوية،  وتمتاز بقيم إنسانية نادرة قد لا يمكن تعويض خسارتها.
فهناك حاجة إلى خلق دينامية جديدة في اقتصاد المناطق الجبلية بشكل عام، عبر استهداف القطاعات المنتجة للثروة و فرص الشغل وإلى اعتماد نهج محوره الإنسان لمعالجة المكونات السياسية والاجتماعية والبيئية للمواطنة، وإعطاء الأهمية القصوى لضمان حقوق متساوية لجميع السكان. مما يقتضي إعادة النظر في المقاربات التنموية و ملاءمتها مع خصوصية المجال الجبلي بالجهة.
كما تمتلك الجهة ( بعد تقسيم 2015) واحة تراثية، تمتد بشكل أساسي إلى حدود إقليم طاطا، على حافة الجزء الجنوبي من الأطلس الكبير. وتعيش مناطق الواحات هاته هشاشة كبيرة، بسبب التفاوت الكبير في الظروف المناخية، وتوالي سنوات الجفاف، إضافة إلى الصعوبات السوسيو – اقتصادية التي تعيشها هذه المناطق الهشة والهامشية بالتراب الجهوي بشكل عام.
الرهان الرابع:
الارتقاء بالرافعات الاقتصادية للجهة
عموما، على المستوى الاستراتيجي،  يتعين العمل على تنمية وتنويع الرافعات الجهوية الأساسية:
1- الرافعة الفلاحية:
يمثل النشاط الفلاحي الجهوي 18 % من القيمة المضافة الجهوية،  ومن المتوقع أن تزداد أهميته مستقبلا،  لكن هذا يحتم عقلنة استعمال الموارد المائية، أساسا في القطاع الفلاحي، وترشيدها بشكل جدي ومسؤول،  مع توخي الاستدامة.
وبالنظر إلى النمو السكاني الجهوي المتوقع، فإن ازدياد الطلب على مياه الشرب وفي الاستعمال الصناعي في حوض سوس ماسة مرتبط كذلك بنمو أكادير الكبير، وبالإمكانيات السياحية[6]  المرتبطة بها.  فيما تمثل الصناعات التحويلية 4٪ من الصناعة الوطنية، والتي تستحوذ عليها أنشطة التصبير والوحدات الصناعية التحويلية المصدرة للمنتوجات  الفلاحية ولموارد البحر وصيد الأسماك. وكل هذا مصحوبً بتغيير في أنماط استهلاك المياه وبروز احتياجات جديدة [7].
وعلى جهة سوس ماسة أن تدرك أن التكثيف والتوسع الزراعي المرتبط بالري بالتنقيط، والذي عززه مخطط المغرب الأخضر، تسبب في استنزاف متزايد ومتفاقم للموارد المائية، وفي تدهور للنظم البيئية، وخصوصا منها غابات الأركان، إضافة إلى الزيادة في استهلاك الطاقة.
والأكيد أن البعد الفلاحي في استعمال الموارد المائية يظل مهيمنا على النقاش العام حول إدارة الطلب الجهوي من هذه المادة الحيوية [8].
وهناك عدة عوامل تعطي انطباعًا واضحًا عن عدم التناسق، وحتى التناقض بين السياسات القطاعية على مستوى الجهة، والضعف في الإرادة السياسة، فيما يتعلق بتطبيق التدابير التنظيمية، وبالخصوص عدم فعالية وكفاءة شرطة المياه[9]، التي خصص لها القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء حيزا هاما في مجال مراقبة الملك العمومي المائي، وأناط بها مهام المراقبة. هذا بجانب عدم قدرة الإدارة المعنية على اتخاذ تدابير ضد من ينتهكون القانون علانية.
لذلك، هناك حاجة ملحة لاعتماد مقاربة شمولية في سياسة إدارة الموارد الطبيعية الجهوية، من منطلق أن الروابط بين الإشكاليات المائية والطاقية هي علاقات معقدة، تتفاعل في سياق يتميز بالحاجة المتزايدة للتنمية الاقتصادية، ولمزيد من الحاجة إلى موارد إضافية، وزيادة الضغط عليها، مع ضرورة مقاربة مختلف الموارد من منظور التنمية المستدامة وإدماج تأثيرات تغير المناخ، من منطلق ترابط الموارد المختلفة (الماء – الطاقة –النقل،…)[10].
وهنا  تظهر الصعوبة الفائقة لضمان استدامة الفلاحة الجهوية، اعتمادا على الموارد غير التقليدية (تحلية مياه البحر) التي لا يتوافق ولا ينسجم سعرها إلا مع مجموعة من المحاصيل، التي تكاد لا تمثل إلا أقل من 10٪ من المساحات المزروعة،  وبتكلفة طاقية عالية جدا.
لذلك يبدو من الضروري مراجعة هذه الخطط الاستراتيجية الجهوية، بشكل جدي. وتذهب جل المقاربات إلى ضرورة اعتماد إصلاح يعطي أهمية أكبر للفلاح الصغير مع تركيز السياسة الفلاحية على تنمية الاستغلاليات العائلية، التي قد يؤدي الاستمرار في تهميشها إلى فقدان المغرب لهذه الفلاحة التقليدية ولمعارفها ومداركها التقليدية، التي تدبر بشكل جيد الندرة والجفاف، خصوصاً في ظل الصدمة المناخية التي نعيشها اليوم[11]
2- الرافعة الصناعية:
تمثل الصناعة 16 % من النسيج الجهوي حاليا،  ومن المنتظر أن تزداد أهميتها لتصل إلى مستوى 25 % في أفق سنة 2046،  مع تنمية قطاع الصناعة الغذائية  والرفع من قيمتها المضافة، إضافة إلى تنويع فروع الصناعة (صناعة السيارات – الطائرات – …)  في ارتباط مع رهانات الانفتاح على القارة الإفريقية لوجستيكيا.
وفي الوقت الراهن، فإن حصيلة التجهيزات الأساسية لمواجهة متطلبات تحدي بناء قطب صناعي ولوجيستيكي، ما زالت لا تحمل مؤشرات تضمن تحقيق الأهداف المرسومة في أفق 2046. مما يتطلب الاجتهاد أكثر لوضع إطار شمولي متنوع ومتعدد للإقلاع الصناعي بمختلف أصنافه niches واختصاصاته، والاعتماد على الصناعات المنتجة للقيمة المضافة، والقادرة على توفير مناصب الشغل.
3- الرافعة السياحية:
في هذا المجال، يتعين التأكيد على ضرورة تحديث القطاع وعصرنته بالنظر إلى فقدان الجاذبية السياحية. مما يستدعي إغنائه بمقومات التراث الثقافي (المادي واللآمادي والطبيعي) وبتشجيع  الإبداع في مجال التنشيط (  المهرجانات –  المعارض –  الصناعة السينمائية – المسرح …)  مع تشجيع السياحة الايكولوجية، خصوصا في المناطق الجبلية وإدماج التراث اللآمادي والطبيعي في مفهوم التنمية الجهوية.
هذا، بجانب الاهتمام بالصناعة التقليدية وبالاقتصاد التضامني والاجتماعي، كرافد من روافد تجويد العرض السياحي الجهوي.
4- رافعة الصيد البحري:
ينتظر من قطاع الصيد البحري رهان الجمع والدمج بين سياسة قطاعية (تربية الأحياء المائية – الصيد في أعالي البحار – الصيد الساحلي – الصيد التقليدي …) مع سياسة طموحة للبنيات التحتية  والتجهيز ( موانئ –   أساطيل حديثة للصيد البحري –  بناء السفن – …)  مع اعتماد سياسة طموحة في مجال تأهيل الموارد البشرية وفي مجال الابداع والابتكار.
ويتعين استحضار سرعة التحولات والتغييرات التي تحصل في الأحواض السمكية نحو الجنوب.  وما يتطلب ذلك من توسيع روابط التعاون والتشارك مع الموانئ المجاورة للأقاليم الجنوبية في اتجاه موريتانيا والسينغال.  وهو ما يقتضي تملك القدرة والمهارة والتجربة  في علوم الصيد والبحار، وتملك تكنولوجياتها وتجنب السقوط في ترسيخ اقتصاد الريع، الذي أساء للحكامة الجيدة في القطاع على مدى عقود.
5- رافعة البحث العلمي
يعتبر تطوير البحث العلمي من المؤشرات الأساسية والهامة للتقدم والتنمية، لما له من علاقة مباشرة مع تحريك التنمية وتحفيزها، بمختلف جوانبها، الاقتصادية، والصناعية والفلاحية، والبيئية، … كما أنه يساهم في بلورة الحلول الناجعة للمشاكل التي تواجهها القطاعات الإنتاجية، في أفق تحسين جودة الإنتاج والخدمات المقدمة.
كما تعتبر الجامعة مركزا للإبداع العلمي وللبحث والتطوير وإنماء المعرفة وإثرائها ونشرها و توظيفها لحل مختلف المشكلات التي يواجهها المجتمع، في ظل تطورات تكنولوجية وعلمية عميقة ومتسارعة ومتشابكة، تتطلب الخبرة والمعرفة الدقيقة.
وهو ما يقتضي تعزيز آليات الشراكة والتعاون بين الجامعة والمجالس الجهوية والترابية، بهدف تثمين الخبرات والتجارب والكفاءات التي تزخر بها الجامعة، وتوجيه أعمال البحث العلمي نحو الإشكاليات التي تعيق التنمية الجهوية المستدامة وإبرام اتفاقيات وشراكات، خدمة للتنمية الجهوية وتقوية لجاذبية سوس ماسة.
كما يتعين تعزيز التنسيق مع كافة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين ومع المؤسسات الإنتاجية ومع المجتمع المدني داخل الجهة، وإقناع القطاع الخاص بجدوى الاستثمار في برامج البحث العلمي الموجه نحو التنمية، خصوصا في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والصناعة والطاقة واللوجستيك….إضافة إلى تقوية قدرات تشخيص الحاجيات الحقيقية وتحفيز قدرات الجامعة العلمية منها والتقنية، مع تحديد مسارات بحثية واضحة، من شأنها المساهمة في التنمية الجهوية.
ومن الأكيد أن الحرص على تنفيذ توصيات المناظرة الجهوية الثانية لتفعيل المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار[12]قد يساهم في تطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، في أفق إرساء نموذج جامعي جديد يرتكز على خلق أقطاب جامعية بمواصفات دولية توفر الإطار الملائم لتكوين الكفاءات وتنمية المهارات وتقوية القدرات الإبداعية.
وهو ما ينسجم مع التوجهات الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد، الداعية إلى انبعاث جيل جديد من الجامعات تشتغل بمعايير التميز والتجديد والجودة.
وجهة سوس – ماسة لها من المؤهلات ما يمكنها من أن تصبح قطبا جهويا منفتحا على إفريقيا جنوب الصحراء، وأكثر قابلية لجذب الاستثمارات الوطنية والدولية في القطاعات الواعدة ذات الصلة بالصناعة الفلاحية وبالاقتصاد الأزرق، واللوجستيك، وبتدبير الموارد والطاقات المتجددة… وغيرها
وهو ما يستدعي العمل على تنشيط العديد من المحاور في إطار دعم الدينامية الجهوية ومواكبة النسيج الاقتصادي الجهوي بعرض تكويني ذي جودة عالية يوفر الكفاءات ويطور قدرات البحث العلمي والابتكار، من خلال :
توسيع العرض الأكاديمي وملائمة التكوين الجامعي والبحث العلمي التطبيقي مع متطلبات التنمية بالجهة؛
استثمار نتائج البحث العلمي والتكنولوجي في تنمية المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي للجهة؛
توجيه أطروحات البحث نحو الإشكاليات الجهوية الملحة؛ ولتحليل ودراسة أثر السياسات العمومية على الجهة؛
إبرام تعاقد اجتماعي بين الجامعة والنخب السياسية والفاعلين الاقتصاديين بالجهة؛
استغلال الشبكات المتعددة  من التخصصات، ومن مراكز التكوين والبحث، لتعزيز انفتاح الجهة وتقوية علاقات الشراكة، ولاسيما مع المنظمات والجامعات الدولية،
استثمار قدرات التشبيك الجامعية بهدف جلب الاستثمارات من أجل التنمية الشاملة والمستدامة،
دعم البحث العلمي و الابتكار للتحفيز مواكبة المشاريع التنموية الخاصة بالمجالات القروية و الجبلية.
الرهان الخامس:
رهانات الاستثمار كمحرك للتنمية الجهوية
خلال السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من الوضعية الاقتصادية الصعبة المرتبطة بجائحة كوفيد – 19، فإن جهة سوس ماسة عرفت ارتفاعا بمعدل 68.5 % في قيمة الاستثمارات المالية سنة 2020، حيث بلغت 13.96 مليار درهم، مقابل 4.4 مليار درهم سنة  2019. [13]  وقد وصلت نسبة الإنجاز (معدل تنفيذ اعتمادات الاستثمار) ما بين 2017 و 2020 إلى 83.8 %. كما استطاعت الجهة أن تجلب أزيد من 13 مليار درهم من الاستثمارات برسم سنة 2021.
ومن المتوقع أن تعرف سنة 2022 مواصلة بذل الجهد لتحفيز الاستثمار العمومي، مع زيادة حجمه، حيث ستصل الميزانية المخصصة للاستثمار العمومي إلى حدود 245 مليار درهم، أي بزيادة تناهز 6.5  % مقارنة مع السنة المنصرمة[14].
وقد أنجزت مؤخرا دراسة، عرضت على أنظار أعضاء لجنة إعداد التراب بمجلس الجهة، حول “التصميم الجهوي لإعداد التراب في جهة سوس ماسة”[15] توقعت تحقيق ناتج إجمالي خام بقيمة 661 مليار درهم في أفق سنة 2046. كما توقعت الدراسة أن تصل تدفقات الاستثمارات السنوية إلى 200 مليار درهم، منها 25٪ كاستثمارات أجنبية مباشرة.
والأكيد أن تحقيق التنمية الإقتصادية مرتبط ارتباطا وثيقا بمدى فعالية الجهود المبذولة من طرف الدولة لإنعاش وتنشيط الإستثمار، مع بذل المزيد من الجهود لتحسين مناخ الاستثمار بهدف الرفع من وثيرة استقطاب الإستثمارات الخاصة، ونهج سياسات استثمارية فعالة.
ومن شأن تنزيل ميثاق الاستثمار الجديد تسريع العديد من الأوراش الإصلاحية الرامية لتسهيل الاستثمار والفعل المقاولاتي، وعلى رأسها تلك المتعلقة بتبسيط المساطر ورقمتنها، واللآتمركز الإداري، ووثائق التعمير والرخص ذات الصلة، والوعاء العقاري، وآجال الأداء.
وانسجاما مع روح وطموح النموذج التنموي الجديد، يطمح الميثاق الجديد إلى تعزيز أسس إنعاش اقتصادي مستدام وشمولي، مع تغيير التوجه الحالي، المتمثل في استحواذ الاستثمار العمومي على ثلثي (2/3) الاستثمار الاجمالي، واقتصار الاستثمار الخاص على نسبة الثلث (1/3) من إجمالي الاستثمارات، حيث يسعى إلى رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي في أفق  2035[16].
وينبغي هنا ألا تغيب عن الأذهان ضرورة  التأكيد على مركز الدولة وموقعها في توجيه الاستثمارات في اتجاه تحقيق الأهداف الاستراتيجية للتنمية الشمولية، بالخصوص، الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية، مع الحرص على ضمان التوازن بين المصالح. مما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وما يقتضي ذلك من اتخاذ الإجراءات الرامية إلى تحقيق التوازن بين أهمية تشجيع الاستثمار الخاص في ظل موقع القيادة والتوجيه للدولة في الاستثمار.
والجدير بالذكر أن مستوى الاستثمار بشكل عام مرتفع جدا في المغرب، حيث يناهز 30 % من الناتج الداخلي الخام، لكن مردوده ضعيف. مما يطرح بشكل قوي إشكاليات الحكامة الجيدة، مع ضرورة تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية المتضمنة في النموذج التنموي خلال السنوات الخمس المقبلة، واستحضار معطى التضامن، بجانب استحضار ” مبدأ المثالية الأخلاقية، سواء لدى الحاكمين أو المحكومين”[17].
الرهان السادس:
رهانات الاستدامة في قلب رهانات التنمية الجهوية
يؤكد الواقع أن هناك تحدي عالمي، يقتضي اليوم إيلاء الأهمية للرهانات الإيكولوجية، وأن عدم استحضار هذا المعطى سيكلفنا الكثير من الملائمة مستقبلا، وبكلفة عالية.
وعلينا استحضار هذا التحدي المصحوب بالتخوفات الدولية، واستنفار الرأي العام، جراء الكوارث البيئية المتسارعة، وقوة التحولات الناتجة عن الاحتباس الحراري، وما لها من انعكاسات على المسارات التنموية جهويا ووطنيا ودوليا.
فعلى جهة سوس- ماسة التي تراهن بالدرجة الأولى على الفلاحة وعلى موارد البحر، وعلى حسن تدبير الموارد المائية والطاقية في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، أن تكون يقظة ومراقبة لكل التطورات الطارئة في المحيطات والبحار، وأن تكون حريصة على ضمان استدامة مواردها الطبيعية.
فالأحياء المائية مهددة بشكل كبير، والتوازنات البيئية على مستوى المحيطات والبحار مهددة باستمرار، وأن ارتفاع حرارة مياه البحر ولو بدرجات قليلة قد يؤدي إلى تنقل الأسماك إلى وجهات أخرى أكثر ملائمة ورفقا بالبيئة وباستدامتها، إضافة إلى الضغوطات الكبيرة للأنشطة البشرية على هذه المنظومات البيئة، وعلى الموارد المائية، السطحية منها والجوفية، التي تتعرض أصلا لاستنزاف قوي ومقلق…
ورغم الإشادة بمبادرة جهة سوس ماسة بتعاون مع الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة ووكالة التعاون الدولي الألمانية  GIZ، إلى وضع مخطط ترابي لمحاربة الإحتباس الحراري[18] ، والرامي إلى التخفيف من إنبعاثاث الغازات ذات أثر الدفيئة و التكيف مع التغيرات المناخية محليا، إلا أنها ستبقى مبادرة محدودة، إذا لم يضاعف الجهد المبذول، المتوقف على استدامة وفعالية التدابير المتخذة.
وهنا، وجب الإلحاح على ضرورة استحضار مبادئ الاستدامة، والتقيد أكثر بتوجهات المنظمات الدولية في المجال البيئي، خصوصا وأن منطقتنا لها دور كبير في توفير عدد من المنتوجات الفلاحية ومنتوجات البحر، مع تواجد منتزه وطني بسوس ماسة، إضافة إلى الرهانات الكبرى التي تحيط بالحفاظ على المنظومة البيئية لشجرة الأركان، ودورها في تثمين القطاع التعاوني وتحسين مردودية القطاع الثالث، وموقعه الاستراتيجي الهام كقطاع في خدمة البحث والابتكار والتنمية المجالية[19]  ضمن أولويات النموذج التنموي الجديد.
ولا بد من الإشارة هنا كذلك إلى:
عدم إدراج المناطق المحمية للمحيط الحيوي للأركان، وفق التنطيق الذي اعتمدته مصالح المياه والغابات والمعتمدة من طرف اليونسكو، التي اعترفت بمجال الأركان كمحمية للمحيط الحيوي للأركان منذ 1998، وأصبح المنتظم الدولي يخلد اليوم العالمي للأركان كل 10 ماي من كل سنة ابتداء من 2021.
عدم إبراز المناطق المحمية، والتي تدخل في إطار قانون المناطق المحمية (22/07)، كالمنتزه الوطني لسوس ماسة، في الخرائط كمناطق محمية تمنع فيها الاستثمارات العقارية لإحداث مشاريع سياحية مضرة بالبيئة، وإحاطتها برعاية خاصة.
غياب إبراز دور المناطق الرطبة بالجهة، والمصنفة في المعاهدة الدولية للحفاظ والاستخدام المستدام للمناطق الرطبة “رامسار RAMSAR” وفق الإستراتيجية الوطنية للمناطق الرطبة 2015 – 2024[20] ، والتي لها أهمية قصوى في الحفاظ على التنوع البيولوجي ومكافحة التغيرات المناخية (حالة مصبي واد سوس و واد ماسة).
عدم إعداد المخطط الجهوي لتدبير الساحل، كما تنص عليه المادة 6 من القانون 12/81 المتعلق بالساحل.
عدم إعداد المخطط الجهوي للمقالع، كما تنص عليه المادة 4 من القانون 13/27 المتعلق بالمقالع، وتنفيذ ما ورد في توصيات المجلس الإقتصادي والاجتماعي والبيئي في الموضوع [21].
عدم إعداد المخطط الجهوي للرعي والترحال وفق لمقتضيات المادة 19 من القانون 13/113 المتعلق بالرعي والترحال، لما لهذا المخطط من أهمية للحفاظ على مجال الأركان وحماية التنوع البيولوجي بالجهة.
كل هذه الرهانات البيئية تقتضي مبادرة المجلس الجهوي لجهة سوس ماسة لضمان الالتقائية الفعلية للسياسات القطاعية مع السياسة الترابية للجهة، وانسجامها مع مقتضيات الاستدامة. مما قد يساهم بشكل كبير في نجاح الإدارة المتكاملة للموارد على مستوى الجهة.
ولا بد من الاشارة هنا بخصوص الرهانات البيئية للتهيئة الحضرية والقروية بجهتنا،  والتي تعاني من أزمة مركبة ذات تشعبات اقتصادية واجتماعية، بجانب أزمات مرتبطة بمجال التجهيزات، وبالمجال البيئي، حيث تعاني مجالاتنا الترابية من مشاكل تراكم النفايات وتلوث الهواء والتلوث السمعي وضعف المساحات المخصصة للمناطق الخضراء وغياب التناسق الجمالي بشكل عام في نسيجنا العمراني.
وهذا ما يحيلنا على أهمية التحسيس بالانعكاسات الخطيرة للتحولات المناخية، وعلاقتها الوطيدة بالسكن عموما، والإيكولوجي خصوصا، و عن أهمية السكن البيئي في تخطيط المدن، والذي ورد ضمن توصيات المؤتمر الدولي حول المناخ “كوب 22” كما تضمنته توصيات تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول “الانتقال نحو المدن المستدامة” [22] .
وهنا وجب إدراج عناصر ترشيد استعمال الطاقة والرفع من جودة البناء المساهم في الحد من الانبعاثات الغازية والاحتباس الحراري، مع الحفاظ على المساحات الخضراء الموجودة دون تحويلها لمدن إسمنتية، إضافة إلى ضرورة اعتماد البعد الإيكولوجي في تصاميم التهيئة، والتحفيز على البحث العلمي في مجال الاستفادة من التقدم التكنولوجي في المجال البيئي. وإدماج خصائص البعد الإيكولوجي في كل المجالات المرتبطة بالعدالة المناخية.
مراجع وإحالات:
[1] – النموذج التنموي الجديد، تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع ، التقرير العام، اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، أبريل 2021.
[2] – الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 44 لانطلاق المسيرة الخضراء، 6 نونبر 2019.
[3] – الحوار المجالي لإنجاز توجهات السياسة العامة لإعداد التراب الوطني، الندوة المجالية، 2022.
[4] – Etude sur les orientations de la politique publique d’aménagement du territoire, Dialogue Territorial, Souss Massa, Mars 2022.
[5] – l’approche nexus “agriculture-eau énergie-écosystèmes” dans la gestion de l’eau au niveau d’un bassin versant : cas du bassin hydrographique souss massa, IRES.
[6] – تمثل جهة سوس ماسة 30 ٪ من القدرات الإيوائية السياحية على الصعيد الوطني. وتعتبر مدينة أكادير ثاني مدينة سياحية بعد مراكش.
[7] – تشير توقعات الحاجيات الإجمالية اليومية في أكادير الكبير من الماء في حدود حوالي 142لتر / للفرد بحلول عام 2030، أي بزيادة قدرها 14 لترًا للفردً في اليوم.
[8] – تشير الدراسات إلى أن الأحجام المستخدمة للتزود بالماء الصالح للشرب لا تتعدى 7٪ من مجموع المياه المتاحة، وأن التقليص من الطلب على مياه الشرب بنسبة 50٪ قد لا يسمح بتوفير سوى 3.5٪ من كمية المياه، فيما أن تقليص الأحجام المستخدمة في الفلاحة بنسبة 10٪ فقط سيسمح بتوفير ثلاث أضعاف هذه الكمية.
[9] – يشار هنا إلى أن أهم المبادئ التي فرضت خلق جهاز شرطة المياه ترتبط، أساسا، بضرورات تأمين الحق في الولوج إلى الماء والعيش في بيئة سليمة بالنسبة للجميع على قدم المساواة، وكذا تدبير الموارد المائية طبقا لممارسات الحكامة الجيدة التي تشمل المشاركة والتشاور والتدبير المندمج واللآمركزي وترسيخ التضامن المجالي وحماية الوسط الطبيعي والسعي نحو تكريس الاستغلال المستدام للموارد المائية.
[10] – مقاربة “نيكسوس” nexus في منظومة “الفلاحة – الماء – الطاقة ”  بخصوص تدبير الموارد المائية على مستوى مستجمعات المياه بالحوض المائي لسوس ماسة،  المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية ، 2020.
[11] – مقتطفات من الندوة الصحفية للسيد أحمد لحليمي العلمي، المندوب السامي للتخطيط ، بمناسبة تقديم التوقعات الاقتصادية لسنتي 2022 و 2023 (الخميس 14 يوليوز 2022).
[12] – المناظرة الجهوية الثانية لتفعيل المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار (PACTE ESRI 2030) أكادير، الجمعة 18 مارس 2022:
[13] –  حوار مع المدير العام للمركز الجهوي للاستثمار حول الاستثمار في جهة سوس ماسة، وكالة المغرب العربي للأنباء، 27  أبريل 2021
[14]  – مذكرة حول التوزيع الجهوي للإستثمار – مشروع قانون المالية لسنة 2022، وزارة الاقتصاد والمالية.
[15]  – تقديم الدراسة المتعلقة بإعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب بجهة سوس ماسة، يونيو 2021
[16] – بلاغ الديوان الملكي بمناسبة تراؤس جلالة الملك ببوزنيقة لجلسة عمل خصصت للميثاق الجديد للاستثمار (فبراير 2022)
[17] – تصريح للمندوب السامي للتخطيط خلال الندوة الصحفية المنظمة في 14 يوليوز 2022 بمناسبة تقديم التوقعات الاقتصادية لسنتي 2022 و 2023
[18] Plan Territorial de Lutte Contre le Réchauffement Climatique (PTRC) Souss-Massa – Octobre 2018.
[19] – محمد ظريف، ورقة بحثية لمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، تحت عنوان : “القطاع الثالث في خدمة البحث والابتكار والتنمية المجالية”
[20] – Stratégie Nationale des Zones Humides 2015-2024, Haut-commissariat aux Eaux et Forêts et à la lutte contre la désertification, décembre 2015.
[21] – رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في مشروع القانون رقم 13-27 المتعلق باستغلال المقالع، إحالة رقم 12/2014.
[22] – تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إنجاح الانتقال نحو المدن المستدامة، إحالة ذاتية رقم 32/2017.
 
عبد اللطيف أعمو/عضو المجلس الجهوي لسوس ماسة