عندما صرح الشيخ جمال الزرهوني، مبدع السمفونية الشعبية في المهرجان الثاني للوتار بسطات 2012، بأن الاحتفاء بآلة لوتار من شأنها أن تشجع المتتبعين على المزيد من البحث في التراث المغربي الأصيل، فكان يعي بحسه الفني أن آلة لوتار وحدها قادرة على خلق اللمة الحميمية التي أصبحت مفقودة هذه الأيام وبعث الدفء في آلة تجمع بنقراتها الحادة والصافية ما تفرق في غيرها من تناقضات الحياة من فرح وحزن ودنيا ودين.
مصطفى لبكر
إنها الدوافع التي كانت حاضرة عند تأسيس مهرجان لوتار من طرف جمعية المغرب العميق لحماية التراث. وقد عبر عن ذلك عبد الله الشخص، رئيس الجمعية ومدير المهرجان، عندما أشار إلى أن المهم ليس هو الجانب المالي في تنظيم المهرجان، ولكن المهم هو مشاركة الفعاليات المختلفة وإنشاء التراكم المنشود من أجل إبراز التراث المغربي والمحافظة عليه وتحسيس الشباب به كدعامة أساسية من دعائم الهوية الثقافية المغربية، وكانت حصيلة المهرجان منذ نسخته الأولى غنية من حيث التراكم الكمي والنوعي في الآن نفسه، ويتجلى ذلك في مزاوجته بين الفرجة والتكريم والبحث العلمي.
وهكذا أخرج المهرجان من دولاب الذاكرة المنسية بعض الأشياخ للتعريف بهم والاعتراف بأدائهم وتكريمهم أمثال الشيخ محمد ولد قدور والمرحوم محمد رويشة والشيخ عويسة والشيخ اوهاشم بوعزمة والثنائي قشبال وزروال...إلخ.
كما أبرزت الندوات التي كانت تصاحب المهرجان الامتداد الجغرافي لآلة لوتار التي أثبتت حضورها في السهول والجبال والصحاري وبلغات التعدد المغربي: العربي الأمازيغي والحساني، حيث وعلى إيقاعات الوطن أعطت رنات لوتار القوية الأبعاد التأثيرية المناسبة لكل المواضيع الاجتماعية والإنسانية المختلفة.
ولم تكن جمعية المغرب العميق لإحياء التراث التي سجلت المهرجان بسجل حقوق المؤلف وملكية المصنفات الفنية تستفرد بالمبادرة منذ الدورة الأولى للمهرجان المنعقدة في ابن احمد سنة 2010، بل كانت تعتمد الشراكة مع باقي المتدخلين في الشأن الثقافي من أجل خلق امتداد الاهتمام وضمان استمرارية الممارسة المنظمة لآلة لوتار وخلق أجيال جديدة من الممارسين والفنانين المبدعين في هذا النوع من الموسيقى العريقة، وكان بالتالي إشعاع المهرجان ينمو دورة بعد دورة ويعرف الإقبال، حيث تجاوز عدد المقبلين خلال الدورة الأخيرة (2013) أكثر من 45 ألف، وهو ما تشهد به خديجة العريم المديرة الجهوية للثقافة بسطات، حيث صرحت بمناسبة الدورة الثانية «جمعية المغرب العميق ربحت الرهان، وهو ما يشجع الوزارة على إعادة تجربة الشراكة مع الجمعية». وتقول أيضا بمناسبة المهرجان الثالث «هذه الدورة تشكل قيمة مضافة على عدة مستويات في اكتشاف فرق وفنانين يعزفون على آلة لوتار»، مضيفة أن «الاهتمام بهذه الآلة أصبح متزايدا وتشهد على ذلك كثرة الطلبات التي ترد من الفرق الراغبة في المشاركة، مما سيفرض مستقبلا التفكير في اللجوء إلى الاقصائيات.»
لكن المثير في الأمر بالنسبة لهذه السنة أن الجمعية المنظمة بقدر ما كانت تعتبر مثل هذه الشهادات محفزا لها لتطوير المهرجان، خاصة وأنها قد أعدت برنامج الدورة الرابعة 2014، تفاجأ بالموقف السلبي للجهة الوصية جهويا ووطنيا على الشان الثقافي، إذ تقول مصادر مطلعة إنه خلال يوم دراسي نظم بالمصالح المركزية لوزارة الثقافة حول المهرجانات تم الادعاء بأن الدورة الاخيرة من المهرجان الوطني للوتار المنظم بمدينة سطات ما بين 5 و7 يوليوز 2013 كانت الأسوء من حيث التنظيم والأنجح من حيث الاقبال والإشعاع، إشعاع لم تستفد منه وزارة الثقافة، لذا وجب مراجعة أسلوب التعامل مع الجمعية المنظمة لمهرجان لوتار. وبالتالي إلغاء الشراكة مع الجمعية في الدورات القادمة والاكتفاء بدعم (...) بدعوى أن الوزارة الوصية راجعت تعاملها مع بعض المهرجانات الوطنية بعينها فقط!! وهو ما جعل هذه الانعطافة الجديدة لمديرية وزارة الثقافة بموقفها المثير من المهرجان تعيد إلى الأذهان قصة مماثلة عرفها مهرجان عبيدات الرمى بخريبكة، حيث تم التناور من أجل إقصاء الجمعية التي كانت تنظم مهرجان عبيدات الرمى (جمعية المهرجان الوطني لعبيدات الرمى)، وهذا توجه يعتبره بعض متتبعي الشأن الثقافي والفني يتناقض مع الخطاب الرسمي الذي ظلت تردده وزارة الثقافة حول مهرجان لوتار، حيث كانت تصفه بأنه ينسجم مع الاستراتيجية العامة للوزارة التي تسعى من خلالها إلى التعريف بالخصوصية التراثية المغربية وتنظيم شراكات مع جمعيات المجتمع المدني التي تنشط في هذا المجال!!
رغم هذا المعطى الغريب، فالجمعية المنظمة حاملة المشروع -كما يؤكد رئيسها عبد الله الشخص- ستمضي في عصاميتها ومضاعفة جهودها من أجل تطوير عملها، وتوسيع قاعدة الاهتمام بهذا التراث وفتح باب المساهمة لمزيد من الشركاء والداعمين على أكثر من مستوى لإيفاء تراثنا الوطني بكل مكوناته حقه في الاحتفاء والتثمين والتكريم والمحافظة عليه ونشره والتعريف به على أوسع نطاق وطنيا ودوليا، وبذلك نكون جميعا قد حظينا بشرف وفخر خدمة وطننا وساهمنا جميعا في تنشيط حياة شعبنا ثقافيا وفنيا.
وكما بدأنا بالشيخ جمال الزرهوني، رئيس جمعية شيوخ العيطة، سنختم بتعليقه أيضا، حيث أعرب لـ«الوطن الآن» عن استنكاره لنية المديرية الجهوية ولوزارة الثقافة بسطات تقويض مهرجان الوتار الذي يعتبره ملكا للفنانين الشعبيين وفناني الهامش الذين انخرطوا فيه منذ البداية مع جمعية المغرب العميق لحماية التراث، وإن المطلوب، يضيف الزرهوني، من الوزارة المزيد من الدعم وليس وضع (العصا في الرويضة).