الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

بوطوالة: فك الارتباط بفرنسا أمر بالغ التعقيد والمغرب يسعى إلى توظيف التناقضات بين الدول الأوروبية لمصلحته

بوطوالة: فك الارتباط بفرنسا أمر بالغ التعقيد والمغرب يسعى إلى توظيف التناقضات بين الدول الأوروبية لمصلحته د.علي بوطوالة، الكاتب الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي
أكد د.علي بوطوالة، الكاتب الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي في حوار مع "أنفاس بريس" أن قوة روابط التبعية الشاملة التي تجمع المغرب بفرنسا منذ الاستقلال الشكلي تجعل من المستحيل أن تصل هذه العلاقات إلى قطيعة نهائية، وبالتالي فهي محكومة بالعودة ربما إلى المعاتبة والمصالحة بعد ذلك.
كما يتطرق إلى رهان التحرر الوطني وتحقيق التنمية المستقلة وبناء اقتصاد مستقل وسيادة اقتصادية حقيقية على غرار الدول الصاعدة مثل تركيا التي أصبحت تتعامل مع الدول الأوروبية وأيضا مع روسيا من موقع الندية،
 
 

يسود توثر صامت في العلاقات المغربية – الفرنسية، فكيف تنظر للموضوع من زاويتك ؟ 
في الواقع، ما يجري في العلاقات بين المغرب وفرنسا في السنوات الأخيرة يجسد أزمة حقيقية، وأعتقد من زاويتي أن المغرب ألف أن يتبع سياسة الغضبات والممانعة في بعض الأحيان على السياسة الفرنسية وعلى مواقف فرنسا إزاء جملة من القضايا ومنها قضية الصحراء، ولكن قوة روابط التبعية الشاملة التي تجمع المغرب بفرنسا منذ الاستقلال الشكلي تجعل من المستحيل أن تصل هذه العلاقات إلى قطيعة نهائية أو إلى تحول كبير واستراتيجي أولا لأن مصالح فرنسا في المغرب كبيرة جدا، وثانيا للارتباط القوي للطبقة الحاكمة والنخب المغربية بفرنسا، ولا ننسى أن فرنسا ظلت طيلة العقود الماضية الشريك الاقتصادي الأول للمغرب سواء من حيث الاستثمارات أو من حيث تواجد شركاتها الكبرى، فمن بين 40 شركة كبرى مدرجة في بورصة باريس توجد 32 شركة لها مصالح في المغرب ابتداء من المواد الغذائية مثل الزيت والحليب الى النقل السككي والعقار، والتأمين والسياحة، صناعة السيارات، صناعة الأدوية، الاتصالات.. ومن المستبعد نهائيا أن تصل هذه العلاقات إلى القطيعة أو ما شابه ذلك، وبالتالي فهي محكومة بالعودة ربما الى المعاتبة والمصالحة وهذا ما يبدو من التصريح الأخير للرئيس الفرنسي الذي أعلن نيته في زيارة المغرب في أكتوبر 2022.. صحيح أن فرنسا جد متذمرة من تراجع مكانتها في إفريقيا وأيضا في شمال إفريقيا، وبالمغرب بالخصوص حيث تراجعت مكانتها من الشريك الاقتصادي الأول الى الشريك الثاني بعد اسبانيا، وتذمرت أكثر بعد اتفاقات المغرب الأخيرة مع اسرائيل والتي تهم الأمن الاستراتيجي والمجال العسكري والذي كانت تحتكره فرنسا في المغرب، وأصبحت متخوفة من المنافسة الصينية بعد قرار المغرب فتح مصنع لإنشاء لقاح "سينوفارم" وبعد تلقيه لعرض مغري فيما يخص النقل السككي لبناء خط سككي فائق السرعة يربط الدار البيضاء بأكادير مرورا بمراكش، وفرنسا تحاول حاليا الضغط من أجل نيل هذه الصفقة الكبرى لفائدة شركتها " ألستروم " المعروفة بسيطرتها على النقل السككي المغربي وعلى الخصوص تحكمها في شركة "ترامواي".
 
وماذا عن تداعيات الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ألا تبدي فرنسا مخاوفها من تزايد النفوذ الأمريكي في المنطقة على حساب مصالحها؟ 
تصريح الرئيس الأمريكي السابق ترامب بشأن مغربية الصحراء ضايق فعلا فرنسا، ولكنه لم يذهب بعيدا، فالإدارة الأمريكية الجديدة لم تلغيه حقيقة كما أنها لم تفعله، فإذا الاعتراف بقي في وضعية الجمود، فوعود بايدن بفتح قنصلية للولايات المتحدة الأمريكية بالداخلة لم تتحقق، وهذا يبين في آخر المطاف سياسة الدول الكبرى والتي ليست لها صداقات ولا علاقات دائمة، ولكن لها مصالح تدافع عنه، والآن هناك اشتداد للمنافسة على الصعيد الدولي وصلت الى هذا الحرب بين روسيا والغرب على أرض أوكرانيا.
بالنسبة للمغرب، وكما قلت سابقا هناك مؤشرات كثيرة تؤكد قوة روابط التبعية، ويكفي أن نشير مثلا أن فرنسا لا يمكن أن تعلن عن عدد المغاربة الحاصلين على الجنسية الفرنسية بما فيهم مسؤولين كبار في الدولة، ولو تم الاعلان عن هذا الرقم لشكل فضيحة كبرى بالنسبة للمغرب، ومع الأسف فإن هذه الظاهرة شملت عددا كبيرا من أبناء الطبقة المتوسطة المغربية وأيضا أبناء الطبقة الكادحة الذين يضطرون للهجرة، وفرنسا تمارس من خلال الفرنكفونية ومن خلال سيطرتها الثقافية واللغوية على المغرب عملية إفراغ المغرب من نخبه العلمية والمفكرة، وهذا ما نراه في جميع المجالات العلمية ( الأطباء، المهندسين، الخبراء..).
 
في الوقت الذي تحظى به فرنسا بحظوة اقتصادية في المغرب، نجد العكس تماما على مستوى العلاقات الدبلوماسية، فعلى سبيل المثال عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة في تقلص، فضلا عن غياب وضوح كاف في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، فهل تمارس فرنسا الابتزاز ضد المغرب من أجل جني المزيد من المكاسب؟ 
صحيح.. فرنسا تمارس ضغوطا قوية على الدولة المغربية وعلى الحكومة المغربية، وتمارس الابتزاز في عدد من المجالات، ويكفي أن نذكر كمؤشر تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، وهذا يدخل في إطار الضغط والابتزاز، كما يكشف ازدواجية السياسة الفرنسية، ونفاق الدول الاستعمارية الكبرى بصفة عامة وخاصة فرنسا، حيث من المعروف أن الاستعمار الفرنسي يكاد يكون أخبث استعمار بتركيزه على الاستعمار الثقافي ونحن نعرف كيف حاولت أن تجعل الجزائر فرنسية، إذ يكاد يكون استعمارا استيطانيا عكس الاستعمار البريطاني الذي كان يركز الجانب الاقتصادي والمصالح المالية والتجارية، وهناك حنين الآن من طرف فرنسا لتاريخها الاستعماري، وهي تراهن على الجزائر حاليا للحد من النفوذ المغربي في غرب إفريقيا، وتحاول في نفس الوقت أن تبعد الجزائر عن النفوذ الروسي والنفوذ الصيني، علما أن الدول التي تهدد حقيقة الهيمنة الفرنسية على إفريقيا هي تركيا والصين وروسيا..
 
هناك من يرى أن فرنسا تلعب على الحبلين في علاقتها مع المغرب والجزائر، فكيف تنظر الى هذه الازدواجية ؟ 
مصالح فرنسا تتقاطع مع الجزائر لأنها تستغل وتوظف الجزائر في إعاقة مشروع الوحدة المغاربية، لأنه كلما طال تمزق المنطقة المغاربية كلما كان ذلك في صالح اسبانيا وفرنسا وأوروبا بصفة عامة، ومع الأسف فالنخبة الحاكمة في الجزائر لا تعي هذه الخطورة، وفرنسا تستفيد من تمزق العلاقات بين البلدان المغاربية، لأن هذا يساعدها على تأبيد سيطرتها وهيمنتها على موريتانيا والجزائر وتونس، وهي تحاول منذ 2011 السيطرة على ليبيا عبر اللجوء الى سياسة ترهيبية وعقابية، وكما كشف وزير الخارجية الفرنسي السابق لودريان فإن قرار تصفية الرئيس الليبي معمر القذافي كان بسبب سعيه لتعويض العملة الفرنسية بإفريقيا بعملة إفريقية جديدة والذي كان سيؤثر بشكل كبير على المصالح الاقتصادية الفرنسية في الدول الإفريقية، وكان من الأسباب التي دفعت فرنسا الى التدخل في المنطقة إثر ما سمي آنذاك ب " ثورة الربيع العربي " ولعبت دورا كبيرا في تدخل الحلف الأطلسي في ليبيا وإسقاط نظام معمر القذافي.
 
المغرب تربطه شراكات اقتصادية متنوعة مع عدد من البلدان، فلماذا لا يدير ظهره لفرنسا من أجل الضغط عليها من أجل الخروج بموقف واضح بشأن قضية الصحراء المغربية على غرار اسبانيا وألمانيا؟
المغرب يحاول حاليا وكما كان في عهد الحسن الأول توظيف التناقضات بين الدول الأوروبية، وكما لاحظنا ذلك في علاقته مع اسبانيا وألمانيا وانجلترا وهولندا، فإنه استطاع أن يحصل على تقدم ومكاسب تصب في إطار تحسين علاقته بهذه الدول، وهو أيضا يوظف التناقض الحاصل بين أوروبا وخاصة فرنسا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية خاصة في المجال الجيو أمني والجيواستراتيجي، ولكن وكما قلت فنظرا لقوة الروابط الاقتصادية والتجارية والثقافية بين المغرب وفرنسا، بل الأكثر من ذلك فوجود الآلاف من العائلات المغربية إن ألم أقل أكثر من ذلك يتوفرون على الجنسية المزدوجة، يجعل فك الارتباط مع فرنسا أمرا بالغ التعقيد، ونحن كحركة التحرر المغربية لا ننسى أن فرنسا متورطة في اغتيال الشهيد المهدي بنبركة ومتورطة في التآمر على جيش التحرير المغربي، ومتورطة في المآسي الناجمة عن تمزيق الوحدة الترابية المغربية واقتطاع أجزاء كبرى من المغرب وإلحاقها بالجزائر، كما أنها تآمرت ضد الحركة التقدمية المغربية بدعمها للنظام المغربي، وهذا ما يفسر رفع شعار محاربة الاستعمار الجديد من طرف حركة التحرر المغربية والمقصود منه استمرار السيطرة الفرنسية من خلال الثقافة واللغة والاقتصاد والأمن، فلو أن المغرب اختار استراتيجية التحرر الوطني والتنمية المستقلة واستبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية في تعليمه وبناء اقتصاد مستقل وتحقيق سيادة اقتصادية على غرار الدول الصاعدة لكان الآن في موقع تركيا التي أصبحت تتعامل مع الدول الأوروبية وأيضا مع روسيا من موقع الندية، لأنها أصبحت اليوم قوة اقتصادية صاعدة وقوة إقليمية.. المغرب مع الأسف أضاع سنة عقود من تجديد روابط التبعية مع المراكز الإمبريالية وعلى الخصوص مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا، مما جعله دائما في موقع الخاضع والتابع وغير القادر على التحرر من هذه السيطرة، ولن يتأتى الخروج من هذا الوضع دون ارادة سياسية ودون دمقرطة الحياة السياسية المغربية، علما أن هناك ارتباط وثيق بين التحرير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.