الخميس 28 مارس 2024
سياسة

يجيب عنه محللون: لماذا لا تقطع النخب المغربية حبل السرة مع فرنسا ردا على مواقفها الملتبسة؟

يجيب عنه محللون: لماذا لا تقطع النخب المغربية حبل السرة مع فرنسا ردا على مواقفها الملتبسة؟ خالد يموت (يمينا) و خالد بنعلي (يسارا)
تشهد العلاقات المغربية-الفرنسية توترا صامتا في الآونة الأخيرة، في ظل ارتباط النخب المغربية بها، توتر ظهرت تداعياته بعد قرار باريس تشديد منح التأشيرات لعدد من النخب المغربية من أجل دخول ترابها، بدعوى رفض المغرب إصدار التصاريح القنصلية لاستعادة المهاجرين غير النظاميين من مواطنيها، وهي المزاعم التي فندها المغرب واعتبر مبررات باريس واهية.

الأزمة بين الرباط وباريس تجلت أيضا في تقلص الزيارات الديبلوماسية بين البلدين منذ السنة الماضية (2021)، فضلا عن موقف فرنسا الملتبس وغير الواضح من ملف الصحراء المغربية.
في ظل هذا الجفاء ينهض سؤال حارق: هل حان الوقت لتقطع النخب المغربية مع فرنسا؟ وبالتالي قطع تبعية المغرب الاقتصادية والتجارية والثقافية لها؟.

في هذا السياق، أكد خالد بنعلي، المحلل السياسي، والخبير الاقتصادي في اتصال مع "أنفاس بريس"، على أن علاقات المغرب مع مجموعة من الدول على الصعيد العالمي كانت في السابق تعتمد على الشراكات الاقتصادية، وإبرام اتفاقيات بموجبها يتم تحديد مجموعة من مجالات الاشتغال، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة تبين بأن الفرقاء الاستراتيجيين للمغرب، ومجموعة من الدول صاروا يكيلون بمكيالين، مشيرا إلى أن مجموعة من الدول حين يتعلق الأمر بالامتيازات الاقتصادية والتجارية تسارع إلى إبرام الاتفاقيات المشتركة، وحينما يتعلق الأمر بالموقف من القضية الوطنية، يلاحظ نوع من التدبدب، والتباين والضبابية في المواقف.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن تلك الضبابية في المواقف تبنتها سابقا كل من ألمانيا، وإسبانيا إلى أنه تم تدارك الأمر، وتم نسج علاقات جديدة مع المغرب، سيما وأن العاهل المغربي أكد في الخطاب الملكي الأخير على أن الموقف من القضية الوطنية معادلة مؤسسة لنظرة المغرب صوب الخارج، وتحديد الأصدقاء من الخصوم.

وزاد المتحدث ذاته قائلا إن هذا المشكل مطروح اليوم مع العلاقات الفرنسية، مشيرا إلى الارتباط التجاري والثقافي والاقتصادي، والمجتمعي بين البلدين، وأي قرار لقطع تلك العلاقات، أو التصعيد تجاه باريس، خصوصا من طرف النخب المغربية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تلك الارتباطات المتجذرة خصوصا في صفوف الجالية المغربية، وبالتالي يجب أن يندرج في إطار عقلاني، لحمل الدولة الفرنسية على الرجوع إلى منطق المغرب في تحديد العلاقات والذي صار يعتمد أساسا على تبوث المواقف في القضية الوطنية أولا.

خالد بنعلي أشار أيضا إلى أن ما يمكن أن يطرح اليوم هو أن فرنسا تحاول اليوم البحث عن تنويع الأسواق التجارية، واللجوء إلى مجموعة من الدول الإفريقية، وربط العلاقات بالجزائر، مما يعني أن فرنسا تعيش أزمة داخلية، وتحاول من خلال هذه القضايا الدولية تسويقها إعلاميا لرفع الضغط على الواقع والإشكالات، من قبيل ارتفاع أسعار المحروقات وانعكاساتها على المدى القصير والمتوسط.

وشدد على أن الحديث عن القطيعة، يجب أن يعتمد الحكمة في مجموعة من الأمور الثقافية والاجتماعية والأسرية، بين البلدين وبالخصوص الجالية المغربية بفرنسا وما يستفيد منه المغرب من تحويلات مادية ظهرت جليا خلال أزمة كوفيد 19، هذا إلى جانب العلاقات الاقتصادية والتجارية.

من جانبه، أكد المحلل السياسي، خالد يايموت، على أن نظام العلاقات الدولية في حال حدوث بعض الأزمات الدولية الثنائية، لا يعتمد كقاعدة نظام القطيعة، وإنما يعتمد على تحولات المحاور، أو إعادة بناء الشراكات.

ولاحظ في تصريح لجريدة "أنفاس بريس"، أن المغرب تأخر بشكل كبير جدا في إعادة بناء علاقات جديدة مع فرنسا، إلا أنه ابتداء من سنة 2017، وهي تقريبا السنة التي وصل فيها مانويل ماكرون إلى السلطة، واستعاد المغرب مكانته في الاتحاد الإفريقي، كانت هناك محاولات لإعادة هيكلة العلاقات المغربية-الفرنسية، ليس على مستوى تصور السياسة المغربية فقط، بل على مستوى الممارسة العملية للسياسات الخارجية في المغرب."

وزاد المحلل السياسي قائلا: "أن التصور المغربي الذي تم إنضاجه قبل سنة 2017، وبدأ العمل به في تلك السنة، هو الذي أدى عمليا إلى هذا النوع من خلخلة العلاقات القائمة بين البلدين، حيث يمكن اعتبار 2017 البداية الفعلية لإعادة بناء علاقات جديدة تأسست على نوع من التوازن، وفي بعض الأحيان كان هناك نوع من التجاوز في العلاقات القائمة بين البلدين".

وأشار المتحدث ذاته إلى أن المغرب كان عمليا، ومن الناحية التصورية يعمل على خلق نوع من التوازن في العلاقات بينه، وبين فرنسا، وفي إطار البحث عن هذا التوازن، قلل إلى حد ما من الهيمنة الفرنسية، ومحا صورة كون المغرب الدولة الخادمة لفرنسا ليس على مستوى شمال إفريقيا، بل على المستوى الإفريقي".

وفي السياق ذاته، أبرز خالد يايموت أن المغرب دخل في سياسة إعادة بناء علاقات جديدة تجعل من فرنسا واحدة من الشركاء الرئيسيين، للمغرب دوليا، بحيث أن الخطوات المغربية بعد استعادة مكانته في الاتحاد الإفريقي، كانت نقطة البداية لإعادة ترتيب المغرب لعلاقته التوازنية مع فرنسا، بل انتقل بشكل سريع جدا منذ منتصف سنة 2018 لتجاوز فرنسا على مستوى الساحل، وعلى مستوى غرب إفريقيا في مجالات مهمة، مما أدى كذلك إلى إعادة ترتيب طبيعة العلاقات القائمة بينه، وبين فرنسا في الساحل حيث تحول من دولة خادمة لفرنسا، إلى دولة لها سياسة مستقلة، ومنفصلة، ولها مصالح استراتيجية عليا منفصلة على فرنسا، بل وتتناقض في كثير من الأحيان مع المصالح العليا الاستراتيجية، مما أدى إلى حدوث بعض الصدامات بين البلدين".

وأفاد في هذا الخصوص بأن المغرب لحد الآن سرع وثيرة إعادة بناء علاقات جديدة مع فرنسا، حيث وقع المغرب العلاقة الثلاثية بينه وبين إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، حيث مثلت هذه الخطوة نقطة ثانية في منعرج انفصال المصالح الاستراتيجية للمغرب عن فرنسا، وأصبح للمغرب شركاء دوليين لهم وزن، يعادل وزن فرنسا، ويتجاوزها في سوق العلاقات الدولية وفي دواليب الأمم المتحدة.

وخلص إلى أن هذا "المسار التوازني، والتجاوزي هو ما طبع العلاقات الجديدة التي بناها المغرب دون أن يتبنى نظام القطيعة المباشر، وهي طريقة تعادل المنهج الفرنسي الذي يؤدي تهشيم المصالح الاستراتيجية المغربية-الفرنسية وتفكيكها، وإضعافها، وبالموازاة ذلك،فالمغرب تبنى استراتيجية الانفصال وبناء مصالحه بعيدا عن فرنسا التي كانت تاريخيا ليبقى المغرب تابعا لها، ولكي لا يصبح دولة مستقلة في قراراته الاستراتيجية، والسيادية، وهو ما نلاحظ مؤشراته في تراجع الاستثمارات الاقتصادية الفرنسية لصالح شركات أخرى، وصارت إسبانيا الآن تحتل المرتبة الثانية كشريك اقتصادي، وتجاري للمغرب بعد توسيع المغرب لدائرة تحالفاته التي تعتبرها  فرنسا تهديدا لمصالحها الاستراتيجة الدولية خصوصا الشراكات التي دخل فيها مع المغرب مع كل من روسيا، والصين، وكذلك تركيا،والهند، وقد كتبت منذ 2015 على ضرورة دخول المغرب في شراكات مع هذه الدول، وأدعو مجددا لتوسيع علاقاتاته وتحالفاته على المستوى الإفريقي، والأمريكي والدولي".