السبت 27 إبريل 2024
مجتمع

"أنفاس بريس" تعيد تركيب وقائع الحكم على مدوّنة بتهمة “الإساءة للإسلام”

"أنفاس بريس" تعيد تركيب وقائع الحكم على مدوّنة بتهمة “الإساءة للإسلام”
أصدرت المحكمة الابتدائية بواد زم، حكمًا بالحبس النافذ لمدة سنتين في حق مدوّنة شابة، على خلفية تدويناتها بصفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بعد متابعتها من طرف النيابة العامة بتهمة الإساءة للدين الإسلامي. 
وخلّف الحكم ردود أفعال قوية اعتبرته انتكاسة حقوقية، وقد أعاد إلى الواجهة من جديد النقاش حول حرية المعتقد وحقوق الأقليات في بلدان المنطقة. كما جدّد المطالبة بضرورة مراجعة مقتضيات الفصل 267-5 من القانون الجنائي لملاءمته مع الدستور ومع المعايير الدولية. 

ملخص القضية 
تعود فصول القضية إلى نهاية شهر يوليوز 2022، حينما توصّلت الشرطة القضائية بمدينة واد زم بإرسالية من طرف مصلحة مكافحة الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة، جاء فيها بأنّ ثمة حسابيْن إلكترونييْن تنشر عليهما تدوينات “مسيئة لثوابت الأمة ومقدساتها”، وقد أسفرت التحريات التي تم القيام بها عن التوصل إلى هوية صاحبة الحسابين المذكورين، حيث تمّ الاستماع اليها في محضر قانوني، أكدت من خلاله أنها صاحبة الحسابين، وأن التدوينات المنشورة فيهما تعود اليها، وأنها تمارس من خلالها حقها الدستوري في حرية التعبير، موضحةً بأنها ليست مسلمة، ولا تؤمن بأيّ دين سماوي، وتتبنّى الفكر العلماني.
وعند استنطاقها من طرف النيابة العامة، جددت تأكيدها بأن جميع التدوينات المنشورة بحسابيها الإلكترونيين يخصّانها، وأنها تمارس حقها في التعبير المكفول دستوريا.
وبناء على ذلك قررت النيابة العامة متابعتها في حالة اعتقال وإحالتها للمحاكمة. 

موقف المحكمة 
أحضرت المتهمة في حالة اعتقال. وبعد التأكّد من هويتها واستفسارها عن المنسوب إليها، أفادت بأنها لا تعتنق أيّ دين، وبأنّها لم تسبّ الدين الإسلامي، وإنما ّما مارست فقط حقّها في التعبير المكفول دستوريّا. وقد أكّد دفاعها في متن مرافعته بأنّ "فصل المتابعة قاسٍ مقارنةً مع ما يكفله الدّستور من حرية التعبير"، وبأن نقاش الملفّ هو "نقاش للحريات"، ملتمسًا البراءة لفائدة الشك واحتياطيًا تمتيع المتهمة بظروف التخفيف، خاصّة وأنها أكدت أنها لم تقصد الإساءة للدين الإسلامي، وبأنها مستعدّة للاعتذار. 
وبعد الانتهاء من أطوار المرافعات قضتْ المحكمة بإدانة المتهمة من أجل المنسوب اليها، والحكم عليها بسنتين حبسا نافذا مع غرامة مالية نافذة قدرها 50 ألف درهم، وقد اعتمدت المحكمة على العلل التالية: 
• المتهمة ولئن دفعت بأنّ السبب وراء تدويناتنها هو ممارستها لحريتها في التعبير والرأي المكفول دستوريا. غير أن الدفع مردود عليها لأن الدستور وإن نص في فصله 25 على أن حرية الفكر والتعبير مكفولة بكل أشكالها، إلا أن هذه الحرية يجب أن تمارس في احترام تامّ لحرية الغير ومعتقداتهم الدينية، وبشكل غير مخالف لباقي مقتضيات الدستور وخاصة ما ورد في ديباجته التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ منه والتي اعتبرتْ أن الهوية المغربية تتميز بتبوّء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، والفصل الأول الذي يعتبر أن الدين الإسلامي يعتبر من الثوابت التي تستند عليها الأمة. 
• الدستور المغربي في الباب المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية في الفصل 19 منه أكد على أنه ولئن كان الرجل والمرأة على قدم المساواة يتمتّعان بالحقوق والحريات المدنية والسياسية الواردة في الباب المذكور وفي الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، فإن ذلك يجب أن يتمّ في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها؛ 
• قيام المتهمة بنشر التدوينات المسيئة للدين الإسلامي في حسابها المفتوح للعموم يجعل ما نُسب اليها ثابتًا في حقها؛ 
• للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقدير العقوبة المحكوم بها وتفريدها في نطاق الحدين الأدنى والأقصى مراعيةً خطورة الجريمة وشخصية المجرم. 

جدل حرية التعبير والرأي 
خلف حكم محكمة واد زم جدلا واسعا داخل المغرب، خاصة وأنه قضى بالعقوبة القصوى المقررة لجنحة الإساءة للدين الإسلامي والتي تتراوح بين 6 أشهر وسنتين، من دون تمتيع المتهمة بظروف التخفيف أو مراعاة انعدام سوابقها ومن دون الالتفات إلى ما صرّح به دفاعها من حسن نيّتها وكونها مارست حريتها في التعبير من غير أن تتعمّد الإساءة إلى دين معيّن، ومن دون اكتراث بما أثير داخل المحكمة من مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي تكرّس حرية التعبير والفكر والمعتقد والتي تسمو على التشريع الداخلي بقوة الدستور. 

وفي هذا السياق، أكّد عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لموقع "المذكرة القانونية" وجود خرق حقوقي في مستويين، أولهما يتعلق بحرية التعبير والنشر إذ أن المتهمة توبعت من أجل مجرد تدوينة، مما يفرض ضرورة توسيع قانون الصحافة ليشمل المدوّنين أيضا، باعتباره قانونا خاليًا من العقوبات السالبة للحرية. أما ثاني جوانب "الخرق الحقوقي" فترتبط بـ”حرية المعتقد والضمير لأن المتهمة توبعت من أجل أفكار تمسّ حريّتها في المعتقد وهو “نقاش يعيدنا إلى الفترة التي سبقت دستور 2011، وكان فيها حديث عن التنصيص على حرية المعتقد؛ لكن مع الأسف خرج الدستور بصيغة أن الإسلام دين الدولة، وتم إغلاق قوس حرية المعتقد”. 

من جهته، اعتبر رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان عادل تشيكيطو، أن الحكم القضائي مبني على أسس قانونية يتضمنها القانون الجنائي، “لكن حقوقيا نعتبر أن الاستناد إلى نصوص القانون الجنائي في قضايا مرتبطة بحرية التعبير من السلوكيات التي طبعت الأحكام مؤخرًا، خاصّة المتعلقة بالرأي”. وأضاف: “لقد طالبنا بالاستناد إلى قانون الصحافة والنشر، في مثل هذه القضايا، علمًا بأن مادته 27 قد حدّدت من بين وسائل العلنية ‘الصياح’، ما يبيّن أنه يسري على كل المغاربة، مع العلم أن من مبادئ المحاكمة العادلة أنه إذا وجد القاضي نَصَّين يلجأ إلى القانون الأخفّ والأصلح بالنسبة للمتابع”. 

في نفس السياق، اعتبر منتدى الحداثة والديمقراطية أن هذا الحكم يعبر عن الاستمرارية في إعمال المقاربة الزجرية والجنائية في القضايا المتعلقة بالحق في الرأي والتعبير والتديّن مجدّدا مطالبته بتغيير الفصل 267-5 من القانون الجنائي لما فيه من تناقض مع المنظومة الحقوقية الدولية ولما يتضمن من تناقض مع مبادئ الدستور المغربي ولما يتّصف به هذا النص من غرابة وضبابية تلزمنا بوضع علامة استفهام بجانبه. 

وتجدر الإشارة الى أن المجلس الوطني لحقوق الانسان دعا في تقريره السنوي لسنة 2021 إلى تعديل جميع مقتضيات القانون الجنائي المتصلة بموضوع حرية التعبير، بما يتوافق مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والحرص على أن يكون أيّ قيد مفروض على هذه الحرية محدّدًا بنص قانوني صريح ومتاح وأن تكون هذه القيود ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة؛ كما دعا في السياق ذاته السلطات القضائية إلى التشبّث بمبدأيْ الضرورة والتناسب بما لا يمسّ الحقّ في حرية التعبير والصحافة والرأي وجعلها في منأى عن كل عقوبة سالبة للحرية.