السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

العياشي الفرفار: زيارة ماكرون للجزائر.. من أجل تجاوز الذاكرة التي تنزف دما

العياشي الفرفار: زيارة ماكرون للجزائر.. من أجل تجاوز الذاكرة التي تنزف دما العياشي الفرفار
زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر، والتي تستغرق ثلاثة أيام شكلت حدثا سياسيا حظي بالكثير من النقاش. قيمة الحدث لا تعود الى الحدث ذاته، ولا إلى طبيعة الرهانات المرتبطة. لكن قيمة الزيارة مرتبطة بالنتائج المتوقعة منها، وبالسياق الزمني والظروف الدولية والإقليمية المحيطة بها .
الزيارة تأتي في فترة شديدة الحساسية، وشديدة التوتر بين المغرب والجزائر، لاسيما بعد خطاب ذكرى 20 غشت، والذي تضمن موقفا ملكيا حاسما حول قضية الصحراء كقضية وطنية وأنها - الصحراء -تشكل المنظار التي تنظر منه المملكة في علاقاتها مع الخارج.
دون الحديث عن جدول الأعمال الخاص بها والمحدد في:
إحياء الذاكرة الجزائرية
الحرب في أوكرانيا والغاز الجزائري
التأشيرات والأمن في الساحل،
الشباب الجزائري والمستقبل والهجرة
هذه هي أهم الملفات المتوقع مناقشتها خلال هذه الزيارة، غير أن ملاحظة مهمة استوقفتني ان الوفد الرسمي المرافق لماكرون والذي يتكون من 90 مرافقا من بينهم 7 وزراء، وبرلمانيين، صحفيين ورجال أعمال هو وجود المؤرخ الفرنسي من أصول جزائرية بنجامين ستورا والمتخصص في إعادة التفكير في التاريخ الجزائري المعاصر.
بنجامين ستورا المكلف من الرئاسة الفرنسية خلال شهر يوليوز 2020، بمهمة إعداد تقرير بشأن قضايا الذاكرة المتعلقة بالاستعمار وحرب الجزائر. وجاء في خطاب التكليف الذي حرره ستورا في الصفحة الثانية انه تحدوه الرغبة إلى الالتزام بنهج جديد لمصالحة الشعبين الفرنسي والجزائري. فلطالما كانت مسألة الاستعمار وحرب الجزائر عائقا أمام بناء مصير مشترك بين فرنسا والجزائر في البحر الأبيض المتوسط، لذا فإن التحدي هو بناء تحقيق مصالحة عميقة بين الشعبين الفرنسي والجزائري .
في تقريره المكون من 150 صحيفة أوصى ستورا بتشكيل لجنة "الذاكرة والحقيقة"، من أجل بناء وعي معرفي بتاريخ ضفتي المتوسط بما يسهل التحرر من الالام الذاكرة المجروحة مؤكدا أن بناء المستقبل يقتضي التصالح مع الماضي ، حيث أشار أن أطفال اليوم ونساء اليوم ورجال اليوم لا يتحملون أي مسؤولية في صراعات الأمس ولا يجوز أن يتحملوا عبء الماضي الثقيل .
وتضمن التقرير المعطيات التالية:
توثيق شهادات الناجين من حرب الاستقلال الجزائرية
اعادة بعض التحف الجزائرية بما فيها سيف الامير عبد القادر
نشر دليل عن مفقودي الحرب
الاهتمام بمقابر الفرنسيين واليهود
اعطاء مساحة أكبر لدراسة التاريخ الفرنسي بالجزائر وإعادة نقل قبر الناشطة جيزين حلمي إلى الجزائر
إحياء بعض المناسبات والأحداث
انشاء ارشيف مشترك
تقديم منح للطلبة الجزائريين من أجل دراسة التاريخ وإحياء الذاكرة
دعوة الجامعات الفرنسية إلى دراسة موضوعية للتاريخ الجزائري ..
مشاهدة التاريخ وقراءته كليا لتجنب ذاكرة أحادية
إحياء الذاكرة بفضل قوة الصور.
الاستمرار في احتفالات إحياء الذكرى، مثل يوم 19 مارس.
تجميع أقوال الشهود الذين تضرروا بشدة من الحرب، لكشف المزيد من الحقائق، وتحقيق مصالحة الذاكرات..
إقامة يوم وطني لتكريم الذين ماتوا من أجل فرنسا خلال حرب الجزائر والمعارك في المغرب وتونس
تحديد أماكن دفن المحكوم عليهم بالإعدام والذين تم إعدامهم أثناء الحرب.
استعادة جثامين الجزائريين الذين ماتوا في فرنسا خلال الحرب،
الاستمرار في العمل المشترك بشأن مواقع التجارب النووية في الجزائر وتداعياتها وكذا الألغام المزروعة على الحدود
استكمال أعمال اللجنة المشتركة للخبراء العلميين الجزائريين والفرنسيين المكلفة بدراسة رفات المحاربين الجزائريين من القرن التاسع عشر المحفوظة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي.
النظر مع السلطات الجزائرية في إمكانية تسهيل تنقل الحركيين وأبنائهم بين فرنسا والجزائر
هذه اهم خلاصات التقرير الذي قدمه ستورا سنة 2021، إضافة الى هذا التقرير نجد لستورا مجموعة من المؤلفات منها: "الغرغرينا والنسيان" و "ذاكرة حرب الجزائر"، و"المجنّدون في حرب الجزائر"، و"الجزائر، الحرب الخفية" و" تاريخ اليهود بالجزائر" .
حضور بنجامين ستورا خلال زيارة ماكرون للجزائر، باعتباره أحد مستشاري الرئيس الفرنسي. وأحد الخبراء في اعادة كتابة التاريخ الجزائري المعاصر، يطرح جملة من الاسئلة المعقدة لاسيما تلك المتعلقة باعتذار الدولة الفرنسية عن جرائمها، وعن وضعية اليهود ، وتاريخهم بالجزائر، و تغيير رؤية الجزائريين لفرنسا و تغيير المناهج الدراسية و العلاقة بين شعوب ضفتي المتوسط و العلاقة مع الآخر .
يعتبر ستورا أن العلاقات بين البلدين فرنسا والجزائر، بعد مضي ستين سنة على استقلال الجزائر صعبة ومعقدة ومضطرب؛ والسبب هو التاريخ والذكريات الأليمة، في ذات السياق يقول ان عمق الأزمة بين فرنسا والجزائر يكمن في ماضي غير قابل للنسيان، وهو ما عبر عنه المؤرخ بيير نورا حين صرح: وكيف يمكن إذا "للتاريخ أن يوحد" "إن كانت الذاكرة تفرق".
بنجامين ستورا في تقريره يدرك حجم التعقيد، و حجم التحدي من اجل تجاوز هذه الازمة المركبة حيث التاريخ و الذاكرة المجروحة تقف حاجزا أمام الصلح، لاسيما ان 7 ملايين جزائري يقيمون الان بفرنسا ،اظافة الى عائلات الجنود الفرنسيين و مليون فرنسي من "اصحاب الاقدام السوداء" كلهم معنييون بسؤال التاريخ و الذاكرة .
بناء عليه، يعتبر بنجامين ستورا ان الاعتذار ليس حلا على الأقل في الوقت الراهن، و ان إصرار النظام الجزائري على تقديم اعتذار هو عقبة في طريق الحل، لان تجاوز الازمة القائمة يقتضي عمقا و شجاعة من أجل الاعتراف بدل البحث عن الحلول السهلة .
ستورا يعتبر ان الاعتذار بلا قيمة اذا لم يملك الشعب الجزائري شجاعة مواجهة تاريخه، معرفة تاريخه، معرفة الآخر وبالتالي الاعتراف به . حسب ستورا معرفة الآخر أهم من الاعتذار له، والإصرار على الاعتذار هو البحث عن الربح السريع لتدبير أزمة مؤقتة، وهو ربح أيديولوجي وليس ربحا استراتيجيا. بالإصرار على الاعتذار هو ربح مؤقت و لحظي من أجل تدبير أزمة، وليس من أجل حل الأزمة، من خلال توظيفها لأهداف مرحلية تخدم النظام و لا تخدم الشعب ومستقبل الشعب، البحث عن الاعتذار هو البحث عن انجاز سهل، وتقديمه كإنجاز بطولي وتسويقه كانتصار تاريخي وهمي يعيد للجزائريين كبريائهم.
حسب ستورا، فالاعتذار ليس فعلا سحريا لإنهاء الأزمة العميقة من اجل بناء اعتراف متبادل، وبالتالي كتابة تاريخ يعكس الحقيقة ولا يزورها. يعطي ستورا امثلة على الاعتذار ليس حلا من خلال اعتذار اليابان على غزوها لدول آسيا، ومع ذلك أقامت متحفا حول ضريح ياسوكوني في اليابان، لتكريم "شهداء" الجيش الياباني الذين سقطوا في الحروب، والذين يعتبرهم المجتمع الدولي مجرمي حرب. وأصبح هذا الموقع التذكاري مرجعاً مركزياً، شبه ديني، لتمجيد الكبرياء الوطني، مما أثار ردود فعل غاضبة من العديد من اليابانيين والرأي العام في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا والصين وكوريا.
فستورا يعتبر ان الاعتذار هو نتيجة وليس شرطا لتجاوز الأزمة، لأن المطلوب الآن هو شجاعة الاعتراف بالماضي، والتاريخ، بالآخر من أجل إقامة حوار واعتراف بين ضفتي المتوسط، غير ذلك سيكون الاعتذار مثل لعبة الساحر الذي يبهر العيون، ولا يغير من الواقع شيئا.