الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

محمد المختار السوسي: المؤرخ الذي أنصف تاريخ البادية المغربية ، وآمن بالتعليم كوسيلة فضلى للخروج من حالة التخلف

محمد المختار السوسي: المؤرخ الذي أنصف تاريخ البادية المغربية ، وآمن بالتعليم كوسيلة فضلى للخروج من حالة التخلف المؤرخ والأديب والفقيه المرحوم محمد المختار السوسي
خصص الزميل الإعلامي عبدالإله التهاني حلقة جديدة من برنامجه الاذاعي "مدارات"، لاستعراض ملامح من شخصية المؤرخ والأديب والفقيه المرحوم محمد المختار السوسي. "أنفاس بريس"، تقدم قراءة في أهم مضامينها.
 
يتم مبكر ورحلات متكررة من أجل العلم : 
 
جاء في الورقة التعريفية بهذه الحلقة أن هذا العالم والمؤرخ ، قد أغنى الخزانة المغربية برصيد هائل من المؤلفات ، في مجال التدوين التاريخي، كما في اللغة والفقه والشعر  وأدب الرحلة ، والسير وتراجم الأعلام، متميزا بريادته في كتابة التاريخ المحلي، من خلال تدوينه وتوثيقه لتاريخ منطقة سوس وتراثها العلمي، وعاداتها وأعرافها وتقاليدها وأمثالها، وبقية أنماط التعبيرات الشعبية الشفوية بهذه المنطقة.
 
وفي مستهل حديثه الاذاعي ، أشار معد ومقدم البرنامج ، إلى تجربة اليتم المبكرة التي عاشها محمد المختار السوسي،  وهو في سن العاشرة من عمره ، وما تلاها من تنقله بين مدارس سوس العتيقة، بعد تعلمه المبادىء الأولى  للقراءة والكتابة في  زاوية الاسرة ، لتبدأ رحلته الاولى خارج سوس ، حيث سيكون وصوله إلى مراكش سنة1918 ، وهو ابن الثامنة عشرة، ذا أثر كبير على مواصلة تكوينه وتنمية مداركه ، بفضل دروس الشيخ أبي شعيب الدكالي في جامع ابن يوسف بمراكش ، قبل أن تتوق نفسه إلى فاس سنة 1924 ، ليلتحق بجامع القرويين التي درس بها مدة أربع سنوات، هي التي شكلت الحلقة الذهبية في مسار تكوينه العلمي، واستكمال وعيه السياسي ونضجه الفكري. 
وأبرز الاعلامي عبدالإله التهاني أن دروس الشيخ محمد بلعربي العلوي، قد انتقلت بوعي المختار السوسي ومداركه ، من حال إلى حال، مشيرا إلى أنه إذا  كانت مراكش قد شهدت ميلاد أولى كتاباته الشعرية، فإن مرحلة فاس ، قد وفرت له الاطار الأوسع لتفتح وعيه السياسي،  وانخراطه  في العمل من أجل استقلال المغرب . كما جعلت منه فاعلا أساسيا في جبهة النشاط الثقافي،  المرتبط بعمل الحركة الوطنية، من خلال ترؤسه لجمعية "الحماسة " ، بيد أن مكوثه بفاس لم يدم  أكثر من أربع سنوات، اضطر بعدها بسبب تحرشات الإدارة الاستعمارية ،
إلى الرحيل عن المدينة، التي أشبع فيها نهمه العلمي، وارتوى بما مكنته من تعمق في العلوم الدينية واللغوية،والثقافة الأدبية والسياسية ، لتكون وجهته هذه المرة هي مدينة الرباط.
وأوضح الزميل التهاني ، أن المختار السوسي ، نعت هذه الفترة من حياته  بالجنة، حين تحدث في الجزء الثاني من كتابه "الإلغيات"، عن دروس  الشيخ سيدي المدني بن الحسني،  واصفا إياها بأنها " متع من متع الفكر" . كما تحدث عن دروس الشيخ أبي شعيب الدكالي   وأثرها في نفسه ، كما أشار إلى غيرهما من العلماء، وكذا إلى مطالعاته في الكتب التي كان يقبل عليها في الخزانة العامة بالرباط، إضافة إلى الكتب والمجلات التي كانت تصل وقتها،  من مصر والمشرق العربي .
 
مؤرخ سوس وجامع تراثها : 
 
وأشار معد ومقدم البرنامج إلى أن مراكش كانت بالنسبة للمختار السوسي ، هي مرتع شبابه المبكر، ووجهته الأولى التي احتضنته، بعد مغادرته لمدارس منطقته سوس ، لذلك سيعود إليها مجددا، بعد مرحلة الدراسة والإقامة في فاس والرباط ، لكن سلطات الحماية الفرنسية، سرعان ما انتبهت إلى أدواره الوطنية ،  وتزايد نشاطه التعليمي والتربوي، وتأثير ذلك على تنمية الوعي الوطني للناشئة المراكشية، فقامت بنفيه باتجاه قريته "إيليغ" في سوس، حيث دام هذا النفي مدة طويلة، قاربت عشر سنوات. ولعلها كانت نقمة في طيها نعمة، فخلال فترة النفي هذه، تمكن محمد المختار السوسي من الاهتمام بالمشروع الاكبر في حياته، وهو البحث والتنقيب في تاريخ سوس ، وحركتها العلمية وتراثها، وموروثها ومنظومتها الثقافية، من عادات وأعراف وتقاليد.
وعن هذه الفترة استسهد الزميل عبد الإله التهاني بما ذكره  المرحوم محمد المختار السوسي في كتابه (خلال جزولة) ، حيث كتب يقول : 
" كنت في ذلك المنفى الأول محصورا خمس سنوات متوالية، فلم أزل بين المداد والقرطاس طوال تلك السنوات، حتى سودت ما سودت، مما يراه القارئ اليوم تباعا في كتبي "من أفواه الرجال"  و"الترياق المداوي"  و"المعسول" و"سوس العالمة"،  وفي "إيليغ قديما وحديثا"، وفي "مترعات الكؤوس". وغيرها مما ملأت به فراغ تلك السنوات ، التي خيمت علي فيها الوحدة.... ، ولما منَّ الله بأن تنفرج علي الأزمة، سرحت أولا في سوس، فأمكن لي أن أتقرى بعض نواحيه ، فصرت أعمل خطواتي على البغال غالبا، فأقيد ما سنح لي بلا تكلف ، فتكررت الرحلات حتى كانت أربعا" .
 
■  حين وضع المختار السوسي مسافة بين السياسة وخدمة العلم : 
 
 وتوقف الزميل عبد الإله التهاني عند ظاهرة طبعت سيرة العلامة والمؤرخ محمد المختار السوسي، وهي ميله إلى تفضيل العمل في واجهة العلم، وعدم تحمسه لمواقع الزعامة في الحقل السياسي، رغم التزامه الوطني المبكر ،  ودوره الأساسي في العمل من أجل استقلال المغرب. واستشهد في هذا الصدد بما دونه المختار السوسي نفسه، حين قال : 
"إنني درست نفسي حق الدراسة، من سنة 1927 ، فأيقنت أني لا أصلح في الميادين الصاخبة ، ولا تحت الأعاصير الزافرة ، إلا في بيئة علمية وحدها. وأما في بيئة أخرى، فقد حرمت من الصفات التي تتطلبها، فليس لي همة التفوق بالزعامة على أحد".
 
وفي ذات السياق،استحضر معد ومقدم البرنامج ،ماذكره الأستاذان الباحثان خالد طحطح ومحمد بكور،  في كتابهما المشترك "مؤرخون مغاربة في الفترة المعاصرة : النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين" ، والصادر سنة 2016، حيث اعتبرا أن"المختار السوسي كان ذا بعد نظر وعمق ، في فهم خصائص النفس البشرية، فتنصل من الزعامة ومظاهرها ، التي لم يخلق لها كما يقول، وسلمها لمن خلقوا لها ، وأنه مهما يكن من أمر ابتعاده عن المجال السياسي ، فإنه كان وطنيا أصيلا، حصر أعماله كلها في نشر العلم، واعتقد أن التعليم هو الوسيلة الفضلى لإصلاح المجتمع، وهو المدخل الأكثر قدرة على إخراجه من حالة التخلفة. "  
 
مؤرخ البادية وجامع تراثها العلمي وتعبيراتها الشعبية: 
 
 وفي موضع آخر من حديثه ، 
أكد الإعلامي عبد الإله التهاني بأن العلامة المرحوم المختار السوسي، يعتبر  من أبرز المؤرخين المغاربة المعاصرين ، الذين ردوا الاعتبار لتاريخ البادية المغربية ، من خلال المساهمة في توثيق جوانب مهمة من تاريخها العلمي والثقافي وموروثها الحضاري ، مستحضرا في هذا الصدد ما ذكره  الأستاذان الباحثان خالد طحطح ومحمد باكور في كتابهما المشار إليه ،
 من أن " الكتابات التاريخية المغربية، اهتمت بالتاريخ الحضري، وأغفلت تاريخ البوادي المغربية، وأن المختار السوسي انتبه إلى الإجحاف الذي تعرضت له البوادي، وحاول أن ينصفها بتسجيل تاريخها وتدونيه ، ونقله إلى الأجيال اللاحقة، مبرزا ما ذهب إليه نفس المؤلفان المذكوران ، من كون المختار السوسي وأعماله ، يجسدان بشكل واضح هذه الإزدواجية المغربية الصامتة ، المهملة من قبل الباحثين المغاربة، والمتمثلة في البادية والمدينة، وطبيعة العلاقة بينهما، ودور كل منهما في التاريخ الوطني، حيث اعتبر الأستاذان الباحثان في نفس الكتاب  " أن البوادي المغربية 
عبر التاريخ، كانت تنافس المدن باحتضان الثقافة وتمثيلها ، عن طريق المؤسسات التعليمية الكثيرة ، التي ظلت تخرج أفواجا متلاحقة من العلماء والرموز الثقافية،أمثال اليوسي والأحمدي والمختار السوسي وغيرهم " ،
قبل أن يتراجع دور هذه البادية ، وفق ما سبق وأورده  الأستاذ الباحث علي صدقي أزيكو،والذي 
يرى "بأن التراجع في دور البادية المغربية قد حصل،  بعد التدخل الأجنبي الذي قلب التوازن الداخلي ،  لصالح المراسي الأطلسية والعواصم الإدارية." 
 
وتأسيسا على ذلك،أشار عبدالاله التهاني إلى الخلاصة الوجيهة التي سجلها الاستاذان خالد طحطح ومحمد بكور، في مؤلفهما المذكور، وهي أن "محمد المختار السوسي، انتبه إلى المسافة الفاصلة بين العقليتين الحضرية والبدوية، وأدرك بفضل وعيه التاريخي، سرعة التحول الذي يقتحم بنيات المجتمع وذهنياته، وأن هذه البادية الغارقة في أفكارها القديمة ، سرعان ما سيطالها التغيير ، ليصبح واقعها الحالي في خبر التاريخ، وأنه من هذا المنطلق ، اخترق نفس إثنوغرافي واضح مختلف كتاباته ، فأرخ للعادات والأطعمة والألبسة والاشربة وغيرها." 
.
المختار السوسي باعث تاريخ سوس وتراثها : 
 
وبخصوص اهتمام العلامة المرحوم المختار السوسي بالتاريخ العلمي لبلاد سوس، أشار الزميل التهاني ، إلى ما أورده  الباحثان في الدراسات التاريخية خالد طحطح محمد باكور، من أن "المختار السوسي،  أولى في جميع كتبه ، عناية خاصة للعلم والعلماء والمؤسسات العلمية والتعليمية ، فكتب عن أنواع العلوم والمدارس السوسية المختلفة، وعن الزوايا وخزائن الكتب العامة والخاصة. كما ترجم للعلماء والفقهاء والأدباء وشيوخ الزوايا" ، مسجلين أن " حالة المختار السوسي تظل حالة فريدة،حيث
شرحاها بقولهما : 
" إننا  لا نعرف مؤرخا آخر في تاريخ المغرب، استقى معظم معلوماته من الرواية الشفوية، وسجلها بتفاصيلها الهامشية، فقد كان شديد الحرص على مجالسة كبار السن، وتدوين حكاياتهم مهما بدت بسيطة وساذجة .. وأنه كان يرى بأن هؤلاء يمثلون جيلا على وشك الإنقراض،  بذهنياته وتصوراته وقيمه ، الضاربة جذورها في التاريخ العميق، وبالتالي كان الهم الأول لديه، هو إنقاذ هذا التراث العريق من الضياع ، في انتظار من سينظمه ويعيد قراءته لكتابة التاريخ الفعلي للبلاد." 
 
رصيد زاخر ومتنوع من المؤلفات والمدونات :  
 
 وفي سياق استعراض كل المجالات التي طرقها المختار السوسي، توقف معد ومقدم البرنامج الاذاعي "مدارات" ، 
عند اهتمامه بكتابة السيروتراجم الأعلام، وخاصة منهم المنتسبين لمنطقة سوس، مشددا على أنه كان رياديا في هذا الباب، وأنه المؤرخ الحقيقي لهذه المنطقة من بلاد المغرب، والموثق الاول لسيرة العلماء والصلحاء فيها، وله الفضل في إخراج العديد من المخطوطات والمدونات عن تراث سوس.
 
 واستعرض الزميل التهاني عناوين من تآليف المختار السوسي في أدب السير والتراجم ، ومنها : رجالات العلم العربي في سوس /   إتحاف النبيه ببعض مآثر سيدي أحمد  الفقيه /  مشيخة الالغيين من الحضريين / علماء تافيلالت / الترياق المداوي في أخبار  الشيخ سيدي علي الدرقاوي /  روضة الافنان في تراجم الاعيان ، وغيرها من المؤلفات .
 كما استعرض بعضا من تآليف المختار السوسي في باب العلوم الدينية، ومن ذلك كتبه التالية : المجموعة الفقهية في الفتاوي السوسية / تحفة القاضي في بداية علم الاصول/ ضوء المصباح في الاسانيد الصحاح / هز الراية الجعفرية في ذكر الطريقة الشاذلية الالغية ...، وغير ذلك مما ألفه في مجال العلوم الدينية. 
 
 ولم يفت الزميل التهاني أن يشير إلى مؤلفات المختار السوسي في صنف أدب الرحلة ، سواء تعلق الامر برحلاته ، وأغلبها كان خلال فترات نفيه وإبعاده من هذه المنطقة إلى أخرى ، بقرارات من السلطات الاستعمارية قبل استقلال المغرب ،  أو تعلق برحلات غيره ، ومن ذلك كتبه التالية: 
خلال جزولة/ من الحمراء إلى إيليغ/ الرحلة الحجازية/ الرحلة الوزيرية/ الرحلة الحجازية لسيدي عبدالله بن علي الالغي/ الرحلة الحجازية لسيدي محمد الخليفة بن علي الدرقاوي ، وسوى ذلك من كتبه .
 
ذخيرة المختار السوسي من التدوينات التاريخية :
 
 اعتبر الزميل عبدالإله التهاني  أن كتاب "المعسول "، الذي ألفه المختار وأصدره في عشرين جزءا ، وكتاب "سوس العالمة"، هما تاج مؤلفاته ومفخرة مصنفاته ، مستعرضا ماأنتجه السوسي في باب الكتابة التاريخية، ومن ذلك كتبه التالية : ( إليغ قديما وحديثا/ من أفواه الرجال / حول مائدة الغذاء/  أدوار سوس التاريخية/ الرؤساء السوسيون/:طاقة ريحان من روضة الافنان/  مجموعة في أنساب السوسيين / رحلة المولى الحسن الاول إلى سوس  )، إلى غير ذلك مما دونه ونشره.
 
 وتعريفا ببقية المجالات التي طرقها المختار السوسي، استعرض الزميل التهاني  بعضا مما دونه المختار السوسي ، من بدائع التراث الشعبي لمنطقة سوس، وما وثق له من إبداعات السوسيين وعاداتهم وأمثالهم،وذكر من ذلك كتبه التالية:( أخلاق وعادات سوسية / أعراف إيليغ وما إليها ) وسوى ذلك مما خلفه.  
 
  المختار السوسي أديبا وشاعرا وناقدا: 
 
ولان المختار السوسي أبدع  في أكثر من ميدان ،فقد توقف الزميل التهاني عند شخصيته كأديب ، مبرزا أنه ترك في مجال الادب  ذررا لامعة ، تجسدت فيها مواهبه وثقافته الادبية الواسعة، كما هو واضح في العديد من مؤلفاته في هذا الباب، ومنها : ( ديوان الزهر البليل بما نفث الفكر الكليل/ المختار من ديوان السوسي محمد المختار / مترعات الكؤوس في آثار طائفة من أدباء سوس / نضاءد الديباج في المراسلات بين المختار والقباج ) ، وما إلى ذلك من تحفه الادبية. 
وسجل معد ومقدم البرنامج، أن المختار السوسي كان يحرص
 في الغالب، على وضع عناوين مؤلفاته ، وفق أسلوب السجع ، وهو  أسلوب بديع ولطيف ،وفيه من التشويق ما يجذب اهتمام القارىء.
 
المختار السوسي بعيون الدارسين والباحثين : 
 
للوقوف على ماحظي به محمد المختار السوسي من عناية واهتمام الدارسين والباحثين، توقف الزميل عبدالاله التهاني عند ما كتبه الأستاذ  المرحوم عبد الكريم غلاب في كتابه  "الماهدون الخالدون "،عن سيرة السوسي العلمية وكفاحه الوطني ، ولاسيما ما أشار إليه من أن اعتماد السوسي " على الرواية الشفوية كان أكثر من اعتماده على الكتب، وهو مجهود لم يكن يتاح لغير المتفرغين الذين يمتازون بصبر العلماء، وهم يتجولون في القرى، ليستنطقوا الاحياء والمواقع والآثار، بدلا من استنطاق الكتب والسجلات فحسب، وتلك قدرة تميز بها المختار السوسي، والذي اختار منذ يفاعته أن يكون رجل علم وتصوف ، وقد كان له ما أراد ." 
 
وأبرز التهاني أن الاستاذ عبدالكريم غلاب لاحظ أن ما جمعه السوسي من مواد تتعلق بتاريخ الثقافة والفكر في منطقة سوس، خلال فترات نفيه المتكرر من طرف سلطات الحماية الفرنسية ، قد تمكن من كتابته وإصداره في عهد الاستقلال ، الذي وفر له ظروفا من التفرغ، مشددا على أنه ودع الحياة وهو راض عن نفسه ، بما كتب وما جمع وما أرخ ، وأنه لو سئل وهو طالب في القرويين ، بعد أن تفتحت منافذ تفكيره، عن الحياة التي يختارها، لما اختار غير ما عاش، رغم ما لقي من عنت ومحن ، كانت له زادا أكثر مما كانت أسى ولوعة وشقاء"  على حد تعبيره.
 واستعرض الزميل التهاني رأي الاستاذ غلاب ، في شعر المختار السوسي، والذي ينطلق من كون أروع أشعاره ، هي تلك التي قالها في فترة منفاه ، لكن التهاني لاحظ أن ذلك لا يقلل من قيمة وجودة ماقاله المختار السوسي من شعر ،  خارج فترات نفيه، بدليل أن  المرحوم غلاب استدرك بنفسه على رأيه، حين يقر بأن الشعر الذاتي  للمختار السوسي، هو من أحسن شعره، وأنه وظفه في موضوعات ذاتية ووطنية ، وفي الإخوانيات ، وأنه ضمنه كثيرا من النظرات الإنسانية، مبرزا أن السوسي ربما كان 
يعتبر شعره " في مقدمة فنونه القولية، قبل أن يغرق به النفي في تسجيل مظاهر الثقافة والفكر في إقليم سوس. " وختم الزميل التهاني الجزء الاخير من حديثه عن شخصية هذه الحلقة من برنامجه الإذاعي، باستعراض لمحات مما سجله  الباحث الاستاذ عبدالله استيتو، في كتابه عن "مصادر الكتابة التاريخية عند محمد المختار السوسي" ، وهو الكتاب الصادر سنة2021، حيث ركز فيه مؤلفه بكثير من الإسهاب والدقة والتميز ، على شخصية المختار السوسي كمؤرخ، وذلك عبر ستة مباحث رئيسية تضمنها هذا الكتاب. 
ووصف عبدالاله التهاني كتاب الباحث الاستاذ عبدالله استيتو، بأنه يقدم مادة علمية ثمينة حول شخصية المختار السوسي، وحول السياق الاجتماعي والتاريخي والثقافي والسياسي ، الذي أثر في مجمل أطوار حياته، وكذا الاحداث الكبرى التي عايشها، أو كان طرفا مؤثرا فيها، مبرزا أن الباحث الاستاذ عبدالله استيتو، قام برصد وتحليل أهم مكونات الكتابة التاريخية عند المختار السوسي،، ولاسيما مصدره الاساسي متمثلا في الذاكرة ، والرواية الشفوية، والمشاهدة ، ورجوعه لسور القرآن الكريم، واعتماده على العلوم الشرعية، فضلا عن الرصيد الوثائقي للصحافة الوطنية  والاذاعة في وقته. 
 
ولأن المختار السوسي كان شاعرا بليغا وعزيز الإنتاج، فقد كانت خاتمة هذه الحلقة عن شخصيته، مسكا فواحا بأريج شعره الجميل، من خلال قراءة في مختارات من قصائده.