الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحمداني: فن الدبلوماسية.. إتيكيت فن التعامل مع الأشخاص

الحمداني: فن الدبلوماسية.. إتيكيت فن التعامل مع الأشخاص سعدون بن حسين الحمداني
كما هو معروف لنا أن فن الإتيكيت هو آداب السلوك الفردي المهذب في مختلف المناسبات والأنشطة بحياتنا اليومية، والتي تعكس كاريزما وشخصية وثقافة وتربية الإنسان في المجتمع. والإتيكيت هو الفن الرفيع والذوق والمشاعر الرقيقة التي تعبر عن أجمل ما في الروح وأحاسيس القلب وعقلانية العقل بالتصرفات المثالية التي تكون مرآة لشخصية الإنسان سواء امرأة أو رجل.

والمدارس الدبلوماسية تؤكد كثيراً على فن التعامل الأمثل مع  الأشخاص سواء الرجال أم النساء، لأن هناك إحتمال كبير نفقد أشخاصا أعزاء وقريبين على قلوبنا بسبب سوء فهم مضمون الصداقة أو العلاقة الرسمية، وبالعكس ممكن نكسب أصدقاء قريبين عليك ويضحون لك بمجرد فهم مضمون الصداقة، وبالتالي فإن علم النفس الاجتماعي يؤكد دائماً  على اختيار النية الصادقة وليس الكلمة أو تلميع الكلام التي قد تصدر بصورة غير مباشرة كحالة نفسية معينة أو ضغط عائلي أو أجتماعي، لذلك لا تؤول مدارس فرويد ونظرياته على الكلمة وإنما تستند كثيراً إلى مفهوم المضمون والأحاسيس والمشاعر الأصلية وهذا ما تأخذ به المدارس الدبلوماسية، فالعلاقة تبنى على صدق ومضمون العلاقة بدون استغلال الطرف الآخر سواء كانت شخصية أو رسمية. 

وفن الإتيكيت يوضح لنا طريقة التعامل المهذب مع الآخرين والذي يبدأ من العائلة وصولاً إلى هرم الدولة الذي يعتبر هو القدوة للمجتمع والناس الذي يقودهم.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِه"ِ) متفق عليه)، وهذا الحديث يعتبر مدرسة قَيمة في فن التعامل مع الأشخاص من خلال الإهتمام بمهارات الاتصال والتواصل.

وفي مجتمعنا العربي هناك حكمة تقول بأن الناس معادن والمقصود فيها هو أكبر دليل على إتيكيت التعامل مع الأشخاص، والمعادن المقصود فيها هنا هو (الذهب والنحاس) فالإثنان نفس اللون والهيئة، فالنحاس يذهب لونه وشكله بمجرد فركه أو تركته لفترة وهو دلالة على أنه معدني وقتي رخيص الثمن مقابل الذهب وليس ذات أهمية كبيرة، وبنفس القياس يدلل على  الأشخاص ذو الوجهين  حيث يستغل طيبة ومنصب صديقه لإنجاز ما يحتاجه ولكنه بمجرد انتهاء مصلحته فهو يتركه بكل هدوء لأن انتهت غايته وحاجته منه؛ وهو ما يدلل على معدن النحاس الرخيص لكون شخصية استغلالية ابتزازية فقط، وبالعكس فإن معدن الذهب يبقى في كل الأوقات براقا وأصيلا دون تغير برغم جميع الظروف وهو ما ينطبق على الأشخاص ذات الأخلاق والأصالة العالية التي تعول عليهم كثيراً المدارس الدبلوماسية وإشغالهم المناصب العليا والمهمة في الدولة لكونهم ذات معدن أصيل وهو ما يشابه الذهب لكون هذا الشخص يضحي ويخدم صديقه دون مقابل، لأنه من معدن أصيل وهذا هو السلوك المهذب والرقي التي تركز عليه المدارس الأجنبية وكذلك العربية لأنهم سوف يبدعون في أعمالهم ويكونون الصفوة والقدوة للبقية.

التعامل مع الأشخاص مما تكن مناصبهم الرسمية والاجتماعية والعمرية في غاية الأهمية، لأن أي عدم فهم في مضمون الصداقة والاحترام والنية قد نفقد هؤلاء الأشخاص الذين هم على درجة في غاية الأهمية، وبالتالي فقدان هؤلاء الرجال قد يؤثر على الهدف الاقتصادي أو السياسي المخطط له، لذلك يركز فن الدبلوماسية على إتيكيت إدارة الحديث بكل جوانبه والحفاظ على الشخص وإن كان بعيدا كل البعد عن الصداقة والعلاقات الاجتماعية.

وإن حسن استخدام وصياغة الكلمات المهذبة والراقية في المعنى ونبرات صوتية هادئة غير مرتفعة تعتبر من أهم سمات إتيكيت التعامل مع الأشخاص بالإضافة الى البساطة والتواضع من أغلى صفات فن الإتيكيت لأنها أصل جمال الروح ومثالية العقل،  لذلك علينا أن نتعامل مع الجميع بروح التعاون والوضوح والبساطة والمصداقية بعيداً عن استغلال الأشخاص بسبب مكانتهم الأجتماعية والوظيفية وهي من السمات المنبوذة في المجتمع .

من أهم أوليات فن إتيكيت التعامل مع الأشخاص الابتعاد كل البعد عن النفاق ونقل الكلام بين الأشخاص لأن ذلك سوف يشعل النار في الحطب، لذلك على الشخص أن يتعامل مع الآخرين بكل معاني المحبة والشفافيه والصدق ويبتعد عن استغلال مركزه الاجتماعي والوظيفي ولا يكون سيفاً على رقابهم حين الضعف ويستغل طيبة قلبهم وتعاونه وخدمته له. 

إن السلوك المهذب وجمال الذوق في الكلمة وفن إدارة الحديث ولغة الجسد ومصداقية مضمون العلاقة مما كان نوعها واحترام وفسح المجال للمقابل كي يتحدث بكل صراحة دون المساس بمشاعر الآخرين يعتبر من سمات فن التعامل مع الأشخاص. 

وفي الختام، فان أرقى معاني إتيكيت التعامل مع الأشخاص هو الصدق في التعامل والابتعاد عن استغلال الصديق للمصلحة الشخصية والتحلي بأصالة الأخلاق الاسلامية الراقية بخدمة الصديق دون مقابل لأن هذا هو المعدن الأصيل والذهب الصافي والوقوف معه في السراء والضراء، واختيار الصديق الصدوق الذي يتابع مفردات حياتك بكل تفاصيلها خوفا عليك من الأقدار بدون مقابل وليس صديق المرحلة.
 
سعدون بن حسين الحمداني/ دبلوماسي سابق كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا