الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالد فضيل: في الحاجة إلى حكومة تكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكل

خالد فضيل: في الحاجة إلى حكومة تكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكل خالد فضيل
لا يخفى على الملأ أن الحكومة القادمة من انتخابات 08 شتنبر 2021 تحظى وإلى جانب السلطة التنظيمية التي تتمتع بها  بقوة دستور يوليوز 2011، تحظى بكل فرص إنجاز تعهداتها إن كانت جادة فعلا وتوفرت لدى مكوناتها الإرادة السياسية لبلوغ اقتصاد قريب من تجارب الدول الصاعدة والمساهمة، من موقعها المؤسساتي، في التأسيس  للدولة الاجتماعية التي لطالما انتظرها المغاربة على امتداد عقود والدفع في اتجاه  إعادة التصالح مع أصل فكرة وفلسفة وتوصيات الإنصاف والمصالحة.

المغاربة برمتهم شهود عيان على الوعود الانتخابية المغرية التي قطعها التجمع الوطني للأحرار ومعه الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، والتي ملأت الساحات العمومية ومعظم المنابر الإعلامية وجند لها المال والشخصيات المؤثرة وأشياء أخرى. لقد وعدوا الناس بتغييرات جوهرية تطال حياتهم اليومية وقدرتهم الشرائية ومجالات الارتفاق في الصحة والتعليم والإدارة وولوج سوق الشغل ونظام الحماية الاجتماعية. بل وأعلنوا أن التغيير سيشعر به المواطنون خلال أيام من توليهم مقاليد الحكومة.

وبصرف النظر عن إشكالية كون الحزب المتصدر للمشهد النيابي والمترئس للسلطة التنفيذية، كان فاعلا مركزيا في صناعة السياسات العمومية التي أجهزت على المقاصة وفتحت أسعار المواد الأساسية والمحروقات على التقلبات الدولية وأسقطت مبدأ تسقيف الأرباح. بصرف النظر عن ذلك وعن حكاية الأصالة والمعاصرة ودور حزب الاستقلال في الحكومات السابقة وفي المجلس الاقتصادي-الاجتماعي-البيئي، فإن المتوقع  كان هو نجاح الحكومة الحالية في اتخاذ إجراءات تجعل المغاربة يحسون ويلمسون أن أوضاعهم ستتحسن وسترقى نحو الأفضل وفاء منها بالتعهدات الكبيرة التي أطلقتها من جهة وعملا على إثبات سدادة الموقف العقابي الذي اتخذه الناخبون ضد حزب العدالة والتنمية. 

لقد تظافرت كل الأسباب السياسية لتنجح الحكومة الحالية في الترجمة المادية لمفردات تعهدات أحزابها وتصريحها المقدم بتاريخ 11 أكتوبر 2021، رغم صعوبة الظرفية الاقتصادية المثقلة بتداعيات الجائحة وبلوغ الصراع الجيوستراتيجي بين  الغرب وروسيا مرحلة المواجهة العسكرية المفتوحة على كل الاحتمالات.  

نحن أمام حكومة مشكلة من ثلاثة أحزاب فقط أعلنت إلى الرأي العام انسجامها الكامل، كما أنها تتوفر على أغلبية مريحة للغاية داخل  غرفتي البرلمان وتسير جل الجماعات المحلية والمجالس الإقليمية ومعظم الجهات، إضافة إلى الدعم القوي الذي تلقاه من الاتحاد العام لمقاولات المغرب والمساندة الواضحة والمثيرة لأبرز المركزيات النقابية، ناهيكم عن كونها لا تجابه لا جيوب مقاومة التغيير، الذين أرهقوا الفقيد عبد الرحمان اليوسفي واستنزفوا إرادته في معارك إثبات حسن النية رغم أن نعم السياسية لدستور شتنبر 1996 وثقة الملك الراحل كانتا كافيتين لتستمر التجربة وتنتقل من تناوب توافقي فرضته معطيات مرحلة ما بين 1995 و1999 إلى تناوب ديمقراطي نابع من صناديق اقتراع شتنبر 2002، ولا تماسيح وعفاريت، لم يكف السيد عبد الإله بنكيران يوما عن الحديث عنها، وظلت تؤرقه حتى بلغ حد النجابة لدى كريستين لاغارد وعنادا، لا يشبه السياسة في شيء، إبان ما اصطلح عليه بالبلوكاج.

طبيعي إذن أن يندهش المغاربة لحجم المفارقة بين ما كان متوقعا وأجج منسوب انتظاراتهم وبين عجز الحكومة البين في إدارة الشأن العام بشكل يتناسب ومتطلبات تنزيل النموذج التنموي الجديد وإرساء لبنات دولة الرعاية الاجتماعية التي تعني، ضمن ما تعنيه، تطهير الحياة العامة من الريع والفساد والحد من مظاهر الفوارق الاجتماعية وتجويد الخدمات العمومية وتيسير الولوج إليها وإلى نظام التغطية الصحية والتقاعد والتعويض عن فقدان الشغل ومراقبة حازمة للأسعار وتوسيع الطبقة الوسطى ودعم قدرتها الاستهلاكية ونقل المعدمين بعيدا عن عتبة الفقر.

تجليات ومعالم هذا العجز بارزة في الخرجات الإعلامية، غير موفقة تماما، لعدد من الوزراء حول قضايا تشغل بال فئات عريضة من شعبنا، كمشروع قانون الإثراء غير المشروع وحق المجتمع المدني في الملاحقة القضائية لشبهات فساد المنتخبين وقضية لاسامير، إضافة إلى الاكتفاء بإحالتنا على تركة حكومتي العدالة والتنمية لتبرير الخصاص الاجتماعي والركون إلى تدابير تكنوقراطية محتشمة وغير ذات وقع إزاء الزيادات الغير مسبوقة في الأسعار وتكاليف العيش.

يجمع الراصدون للمؤشرات الاجتماعية بأن حالة الاحتقان فاقت أشأم التوقعات وباتت تنذر بالأسوء خاصة وأن النخب التي من المفروض أن تؤثر وتقنع وتؤطر وتشكل وساطة بين الشارع وصناع القرار قد قدمت أوراق اعتماد فشلها الذريع منذ وقت مبكر. لذلك نظن أنه يتعين على الدولة وكل المدركين للقيمة الاستراتيجية للاستقرار المبادرة إلى اتخاذ قرارات وصياغة مبادرات من شأنها التخفيف من أعباء الاختلالات الاجتماعية وتخبط معدل النمو ومراوحة الناتج الداخلي الخام مكانه البعيد عن تحمل تكاليف العدالة الاجتماعية، قرارات ومبادرات عودنا الملك على إبداعها للإبقاء على النفس الإصلاحي قائما كلما ارتأى أن الوضع يستلزم ذلك. كما يبدو أن البلاد، وهي تجتاز إحدى أصعب المراحل من تاريخها الحديث، باتت في حاجة تاريخية لقوة فكرية، سياسية واجتماعية إصلاحية قادرة على الاقتراح وعلى تأطير الجماهير  وعلى صيانة انتقالنا الهادئ نحو الديمقراطية. 

قضية الوحدة الترابية والأمن الطاقي وندرة المياه والاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء وصناعة الثروة وتوزيعها العادل وترسيخ قيم مواطنة قائمة على ضلعي الواجب والحق وكل المعضلات التي يواجهها وطننا لم تعد تقبل الغموض والتكاسل والركون إلى التبريرات الواهية، ولا مكان فيها لمقتنصي فرص وصف القتامة مادامت المؤسسة الملكية منحازة إلى خيار الإصلاح والدمقرطة والإنصاف.

مغرب آخر ممكن فعلا رغم ما قد يبدو من إكراهات هي من صميم تعقيدات مراحل الانتقال وعلى الحكومة أن تتدارك الأشياء وأن تكون جزءا من الحل وألا تتحول إلى عبء وجزء من المشكل.
 
خالد فضيل/ كاتب رأي في المجالين السياسي والاقتصادي