الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

قاسم الزهيري: الوطني الزاهد.. والناسك الشغوف بالقلم

قاسم الزهيري: الوطني الزاهد.. والناسك الشغوف بالقلم المرحوم الزهيري واصل مساره في العمل الديبلوماسي، كسفير للمغرب في عدة دول، من بينها الصين والسينغال وموريتانيا
يواصل البرنامج الاذاعي "مدارات" بالإذاعة الوطنية بالرباط، تقديم إضاءات حول سيرة رواد الثقافة المغربية الحديثة والمعاصرة .
 
ريادة في العمل الوطني والصحفي : 
وفي الحلقة الاخيرة من البرنامج، خصص الزميل الإعلامي عبدالاله التهاني، حديثه الأسبوعي لاستعراض لمحات من حياة وكتابات الأستاذ الكبير المرحوم قاسم الزهيري، الذي كان من رواد الكتابة الصحافية بالمغرب، وأحد أبرز رموز العمل الوطني من أجل استقلال المغرب، وأول مدير عام للإذاعة الوطنية بعد استقلال البلاد، إضافة إلى كتاباته الأدبية والفكرية، وإسهاماته العلمية في سلسلسة "معلمة المغرب "، وكذا تجربته الطويلة في العمل الديبلوماسي، كسفير للمغرب في عدة دول عربية وأجنبية.

وفي مستهل حديثه، أبرز أن قاسم الزهيري، كان يجسد نموذجا مثاليا للرجال الذين جمعوا بين مزايا العلم الغزير، وفضيلة الاخلاق، ومبادىء الاخلاص لثوابت الوطن والأمة، وأنه كان رجلا بمواهب ومؤهلات كثيرة ومتنوعة، مما أهله ليكون من صفوة النخبة المغربية، التي بدأ نجمها يسطع منذ مطلع أربعينات القرن الماضي، حيث يعتبر في طليعة نخبة مدينة سلا التي ولد بها عام 1920، وبها تلقى تعليمه الأساسي قبل الانتقال إلى ثانوية مولاي يوسف وثانوية كورو بالرباط، ثم في معهد الدراسات العليا المغربية، الذي كان بمثابة النواة الجامعية الأولى في الرباط.
 
قاسم الزهيري من الجريدة إلى الاذاعة إلى العمل الديبلوماسي :
وأضاف بأن قاسم الزهيري الذي انخرط في صفوف الحركة الوطنية، في فترة مبكرة من شبابه، سرعان ما أصبح صوتا من أصواتها المهمة، وقلما من أقلامها المعبرة، مشيرا إلى مرحلة عمله في بداية مساره الصحفي مع سعيد حجي، مؤسس جريدة "المغرب " الشهيرة، ثم إلى مرحلة التحاقه للكتابة في جريدة "العلم "، ليزداد نبوغه في الكتابة الصحفية وفي التحليل، ويصبح لقلمه تأثير وصدى في الساحة الوطنية وقتها، وهي مرحلة من حياته،  ستعرف قمة صعوده بتوليه مهام مدير لجريدة "العلم" قبل استقلال البلاد، وما أن بزغ فجر الاستقلال، حتى عينه المغفور له الملك محمد الخامس مديرا عاما للإذاعة المغربية، حيث كان أول مغربي يعين في هذا المنصب مباشرة بعد انتهاء عهد الحماية، واستمر في منصبه هذا، قبل أن يخلفه فيه المرحوم المهدي المنجرة، ليواصل هو مسارا آخرا في العمل الديبلوماسي، كسفير للمغرب في عدة دول، من بينها الصين والسينغال وموريتانيا، ومندوب للمغرب في جامعة الدول العربية، دون إغفال فترة عمله بالديوان الملكي، ثم تعيينه في فترة الستينات وزيرا للتعليم الثانوي  والتقني.
 
كتابات في التاريخ السياسي الحديث: 
واستعرض الزميل عبدالاله التهاني جوانب من كتابات قاسم الزهيري، مبرزا أنه ترك باقة من المؤلفات، كتبها في مجالات مختلفة، وتنوعت بين التاريخ والأدب والسياسة والديبلوماسية والمقالة البحثية والترجمة الأدبية، فضلا عما كتبه بغزارة في باب التحليل الصحفي.

وفي هذا الصدد، أشار الزميل التهاني إلى كتابين للمرحوم قاسم الزهيري عن شخصية المغفور له الملك محمد الخامس، وعن كفاحه السياسي الذي استمر مدة ثلاثين سنة، واجه خلالها بصمود وثبات، ثمانية مقيمين عامين، من أصل ثلاثة عشرة مقيما عاما فرنسيا تعاقبوا على إدارة المغرب، من 1912 إلى 1956.
 
قاسم الزهيري الأديب والمؤرخ: 
وفي باب الابداع الأدبي، أشار الزميل عبدالاله التهاني إلى المجموعتين القصصيتين  اللتين كتبهما قاسم الزهيري، وهما:  "صور مجتمعية " و " حكيم المدينة "،  مبرزا أنهما يمثلان وجها آخر في كتابات قاسم الزهيري، الذي عرف بقلمه الرشيق وحسه الادبي ولغته المتقنة.
وفي سياق استعراض بقية تآليف قاسم الزهيري، أشار معد ومقدم برنامج "مدارات "، إلى ما كان قد كتبه، من وحي تجربته الديبلوماسية كسفير، ومن ذلك كتابه " مذكرات ديبلوماسيى"، وكتابه " جنيف والعالم العربي"، ثم كتابه "  أزمة بعد أخرى"، والذي أصدره عام 2000، أي أربع سنوات قبل وفاته، مسجلا  إلى أن المرحوم الزهيري تناول في هذا الكتاب، أحداثا ووقاءع، شهدها المغرب في السنوات الخمس الأولى التي أعقبت استقلال البلاد.

ومن إسهامات قاسم الزهيري 
في المجال الأدبي، اشار معد البرنامج أيضا، إلى ترجمته لرواية " ذهب سوس " لمؤلفها رولان لوبيل، وكذا إلى كتاباته فيمجلة "دعوة الحق" ومجلة "الايمان"، وكذا إلى رصيده الضخم من الكتابات الصحفية في جريدة "المغرب" للمرحوم سعيد حجي، وفي جريدة "العلم"،  توقف  الزميل عبدالاله التهاني أيضا، عند ما كتبه الزهيري في موسوعة  "معلمة المغرب"، حيث كانت مساهماته العزيرة بمقالاته البحثية الدقيقة، بلغت في مجموعها ثلاثة عشر مادة تخص التاريخ السياسي الحديث والمعاصر للمغرب، ووبعض الشخصيات الفاعلة والمؤثرة في أحداثه، وهي مقالات موثقة ومرتبة منهجيا.

وفي هذا الصدد استحضر الزميل التهاني، ما كان كتبه المؤرخ المغربي المرحوم إبراهيم بوطالب، حين قال بأنهم في فريق موسوعة" معلمة المغرب"، "كانوا يعتمدون على المرحوم قاسم الزهيري في تحرير بعض المواد التي يقترحونها عليه قبل أن يقترحوها على غيره، فإن التزم، كانوا على يقين أن تلك المواد، ستأتي على ما ينبغي للاسلوب العلمي، من قوة التركيز، واستيفاء المعنى، مع منتهى الاقتضاب، والوقوف على ما قل ودل."

واستطرادا على هذه الشهادة، أوضح الزميل التهاني أن كتابات قاسم الزهيري في  موسوعة  "معلمة المغرب "، نشرت في ثمانية عشر مجلدا إلى غاية تاريخ وفاته رحمه الله في ماي 2004، ثم جرى برمجة بقية كتاباته الاخيرة للنشر في المجلد التاسع عشر والمجلد العشرين.
 
أبوبكر القادري وقاسم الزهيري وعشرة سبعين عاما: 
وفي القسم الثاني من حديثه، توقف الزميل عبدالاله التهاني طويلا عند العلاقة الخاصة التي ربطت طيلة العمر، بين قاسم الزهيري والعلامة المرحوم أبي بكر القادري، والتي لخصها في كتابه الصادر سنة 2005 تحت عنوان: " قاسم الزهيري وإخاء سبعين عاما ضمن الجزء الرابع عشر من سلسلة " رجال عرفتهم" للمرحوم القادري، وهو كتاب يقع في 199صفحة، لخص فيه المؤلف جوانب عدة من سيرة المرحوم  الزهيري، حيث يذكر  المرحوم أبوبكر  القادري أنه "عرفه شابا في عنفوان الشباب، وكهلا من الكهول، وشيخا في مفتتح الشيخوخة الظالمة.

 كما يذكر أنه عرفه شابا يتقد حماسا ووطنية، ومثقفا لامعا متنوع الثقافة باللغتين العربية والفرنسية، وكاتبا مقتدرا خضع له القلم وهو في ريعان شبابه، فكان الكاتب القدير والنصيح البليغ ".
كما يشير إلى أنه " عرفه في السجن، حيث قضى أربع سنوات  بين ثلاثة سجون، دفاعا وتضحية في سبيل وطنه، فما وهن ولا ضعف ".
وقد تمنى القادري أن يتم الباحثون سيرة الزهيري ، عندما يراجعون ما كتبه وما حرره قلمه في مختلف المجالات "
.
 
رسائل قاسم الزهيري: 
وقد لفت الزميل التهاني الانتباه إلى أن المرحوم القادري، أدرج في كتابه هذا مادة غنية وشيقة.
ويتعلق الأمر برصيد مهم من الرساءل، التي كان المرحوم الزهيري يبعث بها إليه  من مكناس والجديدة في شبابه ،ثم من جنيف وواشنطن وبكين وبلغراد ودكار ولاغوس،  وذلك خلال  مراحل مختلفة من حياته، حيث كتبها بين 1941 و 1993 ، أي بين سن الواحدة والعشرين،  وسن السبعين  وبعدها بقليل.

واعتبر عبدالاله  التهاني أن هذه الرسائل كتبها الزهيري بنفس أدبي، وبلغة ممتعة ووصف شيق، وأنها تعطي صورة عن نفسيته وتعكس جانبا من آراءه ونظراته حول الأحداث وصلاته بغيره، ومشاهداته في الاقطار التي عمل فيها كسفير، فضلا عن كونها تعكس تحليله للعديد من الأحداث والوقاءع، التي حصلت في الحياة الوطنية، مما كان يمكن أن يجعل منها، منطلقا ملهما لقاسم الزهيري في كتابة سيرته الذاتية الشاملة، لانه بث فيها لواعج فؤاده، وذوب وجدانه، وعصارة فكره وتأملاته، غير متردد في رواية ماكان يحزنه  وما كان يسره، وما صادفه من أهوال وما عاشه من سنوات ، لم تخل من إحساس قوي بالغربة والبعد عن الديار.
 
 الزاهد المأخوذ  بتراث التصوف وسير المتصوفة: 
وفي سياق آخر، أشار الزميل التهاني إلى أن شخصية قاسم الزهيري، لم تخل من نفحات صوفية، بحكم ميله إلى سير الصوفية والزهاد. ويظهر ذلك من خلال ما كتبه، تعليقا على الكتاب الذي ألفه أبوبكر القادري، حول شخصية الصوفي عبدالقادر محيي الدين الجيلاني.
 
قاسم الزهيري في عيون الباحثين:
وتتبعا لصورة قاسم الزهيري في كتابات الباحثين المغاربة، استحضر الزميل عبدالاله التهاني ما كتبه الاستاذ الباحث محمد مصطفى القباج ، في الفصل الذي خصصه للزهيري من كتابه الصادر تحت عنوان " عم يتحدثون: نظرات في فكر أعلام من المغرب المعاصر "، حيث ركز على على البعد الفكري والاخلاقي في مواقف قاسم الزهيري وسيرته في الحياة، مشيرا إلى حسرته وهو في السنوات الاخيرة من عمره، وهو يلاحظ تراجع القيم وتفسخ السلوكات ، وكيف أصبح  زمن اليوم بلا روح.

كما استشهد بما قاله الاستاذ مصطفى القباج، من أن " قاسم الزهيري  غادر هذه الحياة وفي نفسه حرقة على ما نعيشه من أزمات، وما تعرفه بلدان المغرب العربي من تفككات، وما يواجه العرب والمسلمين من تحديات ، وحرقة مضاعفة تجاه ما يداخل العلاقات الدولية من اختلالات ومن مظالم تحت شعار العولمة."

كما استحضر ما أثاره الاستاذ مصطفى القباج في نفس السياق، حين أشار إلى أن قاسم الزهيري " تصدى لازمة المجتمع في نصوص إبداعية من جنس القصة القصيرة ، ترصد نماذج من الانحلال الاجتماعي، وتضع اليد على جوانب من الاختلالات التربوية وتدهور العلاقات الاسرية ، بعد أن كانت شديدة التماسك . "  

ولاعطاء نموذج آخر من الكتابات التي تعرضت لشخصية قاسم الزهيري، توقف الزميل التهاني عند ما كتبته الباحثة الادبية الاستاذة نجاة المريني، حيث تناولت شخصيته بالتعريف والتحليل من زوايا عدة، معتبرة أن الكتابة كانت بالنسبة إليه، هي مرتكز وجوده، يحقق بها حضوره، وكيف أنه كان يسعفه مخزونه المعرفي وزاده التاريخي  وأدواته اللغوية، في التتبع والمشاركة وإبداء الرأي.