الجمعة 17 مايو 2024
ضيف

موليم العروسي: حزب العدالة والتنمية يطبق برنامج الحسن الثاني بحدافيره

 
 
موليم العروسي: حزب العدالة والتنمية يطبق برنامج الحسن الثاني بحدافيره

كيف تريد لشعب يشتغل في حياته الإدارية وفق النظام الشمسي وفي حفلاته وأعياده بالنظام القمري أن يتأقلم مع الدخول بمعناه الكوني. بهذا السؤال يجيب الكاتب والباحث الجمالي موليم العروسي على القلق الخاص بالدخول الثقافي وغيابه بالمغرب. ليضيف بأن المغاربة لن يخرجوا للتظاهر إذا أضربت دور النشر وأغلقت دور السينما...

 

حاوره: بوجمعة أشفري

 

+ في شهري شتنبر وأكتوبر من كل سنة يطرح سؤال الدخول الثقافي ومعه طبيعة السياسة الثقافية التي يبدو أنها لا تقرر دخولا فعليا. ما السبب في ذلك؟

- يجب أن نعلم أولا أن فكرة الدخول الثقافي فكرة تنتمي لعالم أصبحت فيه الثقافة تجارة قوية تدر الملايير. يرتبط هذا الدخول بالدخول السياسي لأن هناك تناغما في الحياة العامة للناس. كيف تريد لشعب يشتغل في حياته الإدارية وفق النظام الشمسي وفي حفلاته وأعياده بالنظام القمري أن يتأقلم مع الدخول بمعناه الكوني. أقول ذلك لأن المجتمعات التي أعنيها حولت ميثولوجياتها وأعيادها إلى مناسبات تجارية مهمة. تظاهراتنا ما زالت تطبعها العقلية الفلاحية، وأهم المواسم الثقافية التي تعرفها البلاد هي المواسم التقليدية.

+ هل يمكننا أن نتحدث عن دخول فني خاص بالفنون التشكيلية (تصوير صباغي، فوتوغرافيا، فيديو... إلخ)؟

- لا، إذا كنت تعني الدخول بمعناه المعروف في الدول التي تخلق الأحداث الثقافية الكبرى؛ لكن هناك بعض المحاولات المحتشمة التي تحدث هنا وهناك: وزارة الثقافة تطلق ما يشبه الدخول المسرحي، بعض القاعات تنظم معارض محتشمة لكنها لا تكون حدثا بحد ذاتها، وهناك المراكز الثقافية الأجنبية (فرنسا، إسبانيا) التي تبرمج أشياء تتفاوت في قيمتها وأهميتها بالنسبة للجمهور المغربي. لو انتبهت لوتيرة المعارض لرأيت أن هناك فترات تتزاحم خلالها: نهاية السنة نونبر، دجنبر وفترة الربيع. بالنسبة لنهاية السنة، هي عادة اكتسبتها السوق ظنا من أصحاب القاعات أن الأعمال الفنية يمكن أن تقتنى في تلك الفترة كي تقدم كهدايا في أعياد رأس السنة تماما كالحلي والسيارات والفساتين... والشكولاتة، و... يفهم من هذا الفكرة التي يحملها أصحاب المال عن العمل الفني. أما الفترة الربيعية: مارس، أبريل وماي فربما هناك اعتقاد بأن جو هذا الفصل يوحي بشيء من الرومانسية ويساعد على اقتناء اللوحات. طرحت جميع الأسئلة لأفهم هذه الظاهرة لكنني لم أحصل على أجوبة، اللهم «جرت العادة...».

+ لماذا لم تستطع المؤسسات الثقافية (اتحاد كتاب المغرب، دور النشر، الجمعيات الثقافية والفنية، إلخ...) أن ترسم لها خارطة طريق ثقافية واضحة المعالم طيلة السنة، على غرار ما تفعله المعاهد الثقافية الأجنبية في بلادنا؟

- يجب أن لا ننخدع بوجود دور نشر واتحاد كتاب ومؤسسات ثقافية. لو أنك جمعت كل هذا الكم وحاولت أن تبرمج تقليدا أو خارطة طريق لرأيت أن الأمر لا يستحق. لنتساءل: كم من كتاب نشر بالمغرب خلال 2013؟ وأرجوك أن تدخل في الحساب كل المنشورات، حتى تلك التي نشرت على حساب المؤلفين وهي تأتي على قائمة اللائحة. لو قمت بجرد كل هذا لاتضح لك وللقراء أن ليس هناك ما يستحق كل هذا التعب لا بالنسبة لدور النشر ولا بالنسبة لاتحاد الكتاب...

+ في نظرك من يتحمل مسؤولية هذا الكساد الثقافي، هل هم الفاعلون الثقافيون، الناشرون، السياسة المتبعة في التعليم، أم إنها الوزارة الوصية على هذا القطاع التي تتجه إليها في كل مرة أصابع الاتهام؟

- أكيد لو أننا أردنا تحليل الظاهرة وعدنا بها لجذورها لسقطنا مباشرة فوق أرض وزارة التعليم بجميع أسلاكه. سوف نفهم حينها أن انعدام القراء قد يكون بسبب ضعف التعليم عندنا. إذا وقفنا هنا لا أدري هل سنتقدم في فهم الظاهرة. ولكن كل المؤشرات تدل على هذا. افترض أن كل قاعات السينما أغلقت، وهي بالفعل داخلة في هذا الطور، وكذلك كل قاعات العرض الفنية، وأضربت دور النشر عن إصدار الروايات والدواوين والتحاليل النقدية... واكتفت فقط بالكتاب المدرسي، فهل تظنن يا صديقي العزيز أن الناس سوف تخرج في مظاهرات؟ لا أظن. سوف تسألني عن السبب، إنه تعليمنا الذي أريد له أن يبقى تقليديا قروسطيا في طرائقه ومحتوياتها، وهذا أحد الأسباب إن لم يكن أهمها. خذ مثلا تجربة المقهى الأدبي الذي تنشطه الصديقة كنزة الصفريوي، لماذا عندما يتعلق الأمر بكاتب فرانكفوني تكون القاعة غاصة بالناس، وعندما يتعلق الأمر بكاتب بالعربية لا يكون الأمر كذلك؟ من أين يأتي جمهور الكتابة الفرنكفونية؟ ما هو تكوينه؟ هذه فقط أسئلة قد تنير السبيل.

+ كثيرا ما يقال إن سنوات السبعينيات إلى حدود أواسط ثمانينيات القرن الماضي كانت تعرف حركة ثقافية مهمة في الأدب والفكر والفن، وبعدها بدأ المشهد الثقافي يصاب بالخمول والكساد بسبب انسحاب الصراع الطبقي والأيديولوجيا من المجال الاجتماعي والثقافي بشكل عام. ما مدى صحة هذا الرأي في نظرك؟

- هو صحيح إلى حد ما. كانت الثقافة قد فتحت كجبهة لتعوض الجبهة السياسية التي كانت قد أجهضت بسبب القمع الشرس الذي تسلط على الشباب بجميع اتجاهاته. نحن اليوم نعيش على حالة قد تكون شبيهة بأجواء السبعينات لكن ثقافتها لم تتبلور بعد. فالشباب الذي اعتبر أن ثورته (عشرين فبراير) قد سرقت منه يتحول كل يوم إلى الجبهة الثقافية. لكن هذه الجبهة سوف تكون مختلفة تماما. ليس هذا زمن الحديث عن كل هذا.

+ تقلد وزارة الثقافة على التوالي ثلاثة أسماء تنتمي إلى النخبة المثقفة والفنية: محمد الأشعري (شاعر)، ثريا جبران (ممثلة) وبنسالم حميش (مفكر)، ورغم ذلك أثير حولهم الكثير من النقاش والجدل حول تدبيرهم لقطاع الثقافة والفن في البلاد. هل تتفق مع هذا الرأي؟

- لم أتابع تجربة بنسالم حميش لظروف خاصة. بالنسبة للباقين، ويمكن أن أضيف إليهم محمد بنعيسى الذي تقلد مهام الثقافة لاشتغاله بها ولكونه فنانا؛ أنا أظن أنهم قاموا بالشيء الكثير بالنظر إلى ما كانت عليه الثقافة قبل وصولهم إلى الوزارة. هذا بالطبع إذا كنا سذجا وكنا نعتبر أن للوزير في ظل الحكومات المغربية كامل الصلاحيات وأن بإمكانه أن يطبق برنامجه. لا أتمنى لأحد من المنتقدين أن يتقلد ولو منصب مستشار وزير في ظل التسيير السياسي الحالي بالمغرب. لقد أدت الصديقة ثريا جبران الثمن غاليا من جسدها لأنها كانت صادقة وكانت تظن أن العمل كوزيرة يمكنه أن يسمح لها بفعل الكثير. وكذلك الأمر بالنسبة لمحمد بنعيسى ومحمد الأشعري.

+ كيف ترى وضع المشهد الثقافي والفني في ظل حكومة يسيرها حزب إسلامي محافظ (حزب العدالة والتنمية)، والذي كان يحارب بشراسة كل ما يمت بصلة للثقافة والفن حين كان في المعارضة؟

- حزب العدالة والتنمية يطبق برنامج الحسن الثاني بحدافيره. التسيير الحداثي لشؤون الدولة والتقليدانية على مستوى القيم والتعابير الروحية والثقافية. تتذكر أن وزراء الثقافة كانوا من الجيل التقليدي محمد الفاسي، ابا حنيني، وكان دخول محمد بنعيسى لوزارة الثقافة مقصودا حيث دخل في برنامج ترويض المثقفين اليساريين. ثم توالت الوزارات وربما لاحظ الجميع كيف أن الراحل الحسن الثاني كان قد نهر الفنان لحسن زينون وطرده (هكذا) لأنه كان في نظره يحاول تشويه الهوية المغربية (أي يريد تثويرها). حزب العدالة والتنمية كحزب ليس له اليد الطولى في الحكومة، كل وزير يسير إدارته كما لو كان مديرا ممتازا (كان المخزن يسميها «البنيقة») يطبق قرارات لا أدري من أين تأتي. لذا ليس بمستطاعه أن يغير الخط العام للدولة. وخط الدولة العام هو ما قرره الحسن الثاني وكان قد نظر له علال الفاسي وهو الأصالة والمعاصرة. وهذه هي إيديولوجية الحزب الذي يحمل نفس الاسم اليوم بالمغرب.