السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

عيطة "دَامِي" ونجوى الحبيب... "ﯕَلْتْ لِيكْ آ دَامِي، هْوَاكْ عَادَانِي"

عيطة "دَامِي" ونجوى الحبيب... "ﯕَلْتْ لِيكْ آ دَامِي، هْوَاكْ عَادَانِي" عبد الرحيم شراد وصورة تعبيرية

في تحليله لمقدمة ومطلع عيطة "دَامِي" أشار الباحث الأستاذ عبد الرحيم شراد في منشورات توصلت بها جريدة "أنفاس بريس"، إلى أن زمن ولادة هذه العيطة المصنفة ضمن عيوط الْمَرْسَاوِي، يرتبط بليلة من الليالي التي يحلو فيها الأُنْسُ والزَّهْوُ والسَّمَر إلى غاية الفجر، أما مكانها فهو منزل بمدينة أزمور، كان مخصصا للإمتاع والمؤانسة، والذي تسكنه بعض الحِسان الغَوَاني و تسيره امرأة تسمى بـ "البَيْضَا".

 

بخصوص موضوع عيطة "دَامِي" فقد أوضح الأستاذ شرّاد أن بعض الفرسان المَوْلُوعِينْ بفن التّْبَوْرِيدَةْ، جاؤوا على غير موعد إلى منزل "اَلْبَيضَا" لقضاء ليلتهم في اللهو والزْهُو، إلا واحدا منهم تخلف عن موعده ولم يحضر بالمرة.

 

دَازُوا فِي الَّليْلْ، عْلَى ﯕْصَاصْ اَلْخَيْلْ

 

إن غياب الفارس الحبيب حز في نفس خليلته، لتصدح بندائها في تلك الليلة، والنداء هنا موجه للبعيد (آ) بمعنى، (أَيَا) فقالت مرددة: "ﯕَلْتْ لِيكْ آ دَامِي، هْوَاكْ عَادَانِي". (قُلْتُ لَكِ أَيَا غَزَالِي لقد أصابتني عَدْوى حُبِّكَ وابْتُليتُ بهواك)، ثم بعد هذا النداء، الذي هو بمثابة النّجوى، تخبره بأن أصدقائه الفرسان قد جاؤوا للسمر ليلا حين قالت: "دَازُوا فِي الَّليْلْ"، كاشفة عن الهدف الذي جاؤوا من أجله، ألا وهو قضاء ليلة زاهية مع مجموعة الفتيات الغواني: "عْلَى ﯕْصَاصْ اَلْخَيْلْ"، (ليس معناها أنهم يركبون الخيول، فهذا بديهي ولكن المعنى المراد هو أنهم جاؤوا من أجل الفتيات، لأن شعورهن أثناء الرقص تشبه شَعْرْ الْخَيْلْ).

 

مَدَى مَنْ عَلاَّمَةْ مْشَاتْ فِي اَللاَّمَةْ

هَجْمُوا هَجْمُوا ﯕَاعْ مَا حَشْمُوا

خَلِّي لَعْدُو لِيلْتُو وَحْدُو

العَوْد الَحَرَّانْ كْسِيبْتُو كُلْفَة

دَارْ الشُّرْفَا تْبَانْ مَنْ لَحْدُودْ

 

تستمر الخليلة في ندائها بالقول: "مَدَى مَنْ عَلاَّمَةْ مْشَاتْ فِي اَللاَّمَةْ"، (لقد جاؤوا كجماعة من الأحباب و الخِلاَّن)، "هَجْمُوا هَجْمُوا ﯕَاعْ مَا حَشْمُوا"، (جاؤوا على غير موعد، دون أن يشعروا بالحرج). حيث يوضح الأستاذ عبد الرحيم شراد بأن الفرسان من أصدقاء خليلها حضروا باستثناء الحبيب، لذلك فهي تبدي العتاب واللوم مع إيجاد العذر له، لربما كان في نيته أن يحضر بمفرده دون الأصدقاء لتقول: "خَلِّي لَعْدُو لِيلْتُو وَحْدُو"، لكنه تخلف وهذه هي الحقيقة، لذلك تشبهه بالحصان الذي يمتنع عن السير ولا يتحرك إلا بالضرب، "العَوْد الَحَرَّانْ كْسِيبْتُو كُلْفَة "، على اعتبار أن هذا الصنف من الخيول يكلف صاحبه الشيء الكثير، فما أشبهه بخليلها الذي لم يحضر وكلفها كل هذا العذاب النفسي وكل هذه المعاناة. لذلك تعيد طرح السؤال بصيغة: كيف لم يحضر مع أن المسافة قريبة ومدينة أزمور على مرمى البصر: "دار الشُّرْفا تبان من لَحْدود ْ".

 

حَمْقَا وُ هْبِيلَةْ وُ زَايْدَة فِي عَيْبِي

 

لقد أصابت الفتاة المغرمة سهام عدوى الحُب، فجاء أصدق تعبير بقولها: "هْوَاكْ عَادَانِي"، حيث اعتبر عبد الرحيم شراد أن بوحها كان صادقا عن كل العذاب الذي أصبحت تعيش فيه بسبب هذا الغرام و الهيام لتؤكد ذلك من خلال: "آ ابا رانا بغِيتْ، و تانا رضِيتْ، و اللِّي بغيتُو ما صَتُّو ( لم أجده )، آ ابا رانا بغيت محبوبي، و نَشْكي عليه بذنوبي، آهيا واهيا (أداة للتنبيه معناها "يا فُلان"، حَيَّانِي، حَيَّانِي، وُعْلَى طَرْطَاقْ اَلْعَلْفَاتْ فِي الرّْسَامْ (إشارة ذات مدلول جنسي يعبر عن قوة لقاءاتهما الحميمية السابقة). كان هذا في السابق أما في زمن الحكي (القصة) فقد كلف أصدقائه أن يبلغوها كلاما جرح قلبها، فقالت بتعبيرها: "جَابَتْ النَّاسْ خْبَارُو، وَا مِّيمْتِي عَادَانِي، وُ كَانْ اَلْوَعْدْ يْلَاقِي السَّالْبَانِي" .

 

ومعنى هذا الكلام فقد سلب الحب إرادتها واستولى على عقلها، فكانت المسكينة تطلع إلى سطح المنزل وترقب من بعيد ضريح الوالي: "الله الله قَاصْدَاكْ آ مُولَى زَمُّورْ (المقصود به بركة الولي الصالح مولاي بوشعيب)، فِي حْمَاكْ تْكُونْ مْعَايَا، حَمْقَا وُ هْبِيلَةْ وُ زَايْدَةْ فِي عَيْبِي" .

 

رَﯕَّبْنِي، رَﯕَّبْنِي عْلَى الجْدِيدَةْ، وُ دَارْ "البَيْضا" زْهَاتْ

 

إنها تتمنى لو ترقب من بعيد حبيبها قادما من مدينة الجديدة إلى أزمور حيث دار السيدة "اَلْبَيْضَا"، فتقول: "رَﯕَّبْنِي، رَﯕَّبْنِي عْلَى الجْدِيدَةْ، وُ دَارْ "البَيْضا" زْهَاتْ (من الزهو وهو الإجتماع مع المحبوب ومنادمته مع الإستمتاع بسماع الموسيقى والطرب)، لأن كل واحدة من صديقاتها كانت تعيش لحظة زهو مع خليلها من الفرسان، أما هي فقد كانت حزينة مكلومة الفؤاد بسبب الكلام الجارح الذي وصلها: "يَا سِيدِي كْلَامْ اَلْعَارْ بَاشْ سَيْفَطُو لِيَّا، وُ خَاطْرِي مَا هِيَ لِيَّا، خَسَّرْتِي خَاطْرِي عْلِيكْ لَعْزِيزْ عْلِيَّا".

 

لهذه الأسباب فقد كان هذا حالها في تلك الليلة الحزينة، أما بقية من كان في الدار فقد كانوا يهيمون في بعضهم عشقا حيث أنشدت بالقول: "أَنْتُومَا اَلْعَلاَّمَةْ، آهْيَا وَاهْيَا، (انتم أيها الفرسان)، أَنْتُومَا ﯕْصَاصْ اَلْخَيْلْ، (أنتن يا صاحبات النواصي)، أَنْتُومَا اَلْمُوشُومَاتْ، آهْيَا وَاهْيَا، آجِيوْ نْعَاوْدُوا لِيلَاتْ، (معناه أن كل واحد يعرف خليلته "مَوْشُومَةْ" لقد سبق له و عاشرها أكثر من مرة، "آجِيوْ نْعَاوْدُوا لِيلَاتْ" .

 

إن الليلة المعلومة استمرت إلى غاية الفجر لذلك قالت: "لَفْجَرْ عَلَّمْ عْلِيَا، لَحْبِيبْ اَلِّلي سْخَا بِيَّا، آهْيَا وَاهْيَا، وَاهْيَا وَاهْيَا ". وكأنها تريد أن تخبر الجميع بما تعانيه، حيث كان الكل يعيش نشوة اللقاء: "قَوْمْ زَاهْيَةْ"، أما هي فقد كانت تنظر إليهم وفمها مفتوح بسبب عقلها الشارد . أو كما نقول فاغرة الفاه " قُمّْ فَاهْية ".

 

الْعَوْدْ بْلَا مُولَاهْ عْلَاشْ سَنَّحْتُوهْ

 

في ذلك البيت المعد للزهو واللهو بمدينة أزمور، وفي تلك الليلة التي زار فرسان التبوريدة دار "اَلْبَيْضَا" بغرض المتعة إلا واحدا منهم لم يحضر، حيث حز هذا الأمر في نفس حبيبته، لهذا فهي تشكو صديقاتها وتلومهن لأنهن جعلنها تتجمل وتتزين وهن يعلمن بأن حبيبها لم يحضر مع الفرسان، إنها تشبه نفسها بحصان حبيبها الذي يمتطيه ساعة التبوريدة، "عَوْدْ السّْنَاحْ"، و الكلمة هنا لا علاقة لها بالسّلاح، بل إن المقصود بها الإشارة إلى أن هذه الخيول لا نركبها إلا عندما تكون الفرصة سانحة بذلك ولهذا نستعمل كلمة: "نْسَنْحُوا اَلْخَيْلْ"، أي نجهزها لتأخذ زينتها من سَرْجْ ورِكَابْ ولِجَامْ وحِزَامْ، لأن فرصة ركوبها أصبحت سانحة.

 

إن بطلة عيطة "دَامِي"، تعيب على نفسها أنها أخذت زينتها وتعطرت وتجملت وارتدت أجمل اللباس التقليدي، بينما حبيبها لم يحضر، لذا وصفت نفسها بقولها: "حَمْقَةْ وُ هْبِيلَةْ وُ زَايْدَةْ فِي عَيْبِي"، إنها تشعر بالحرقة و اللوعة: "الله يَا سِيدِي كُلْهَا وُ كِيْتُو، كُلْهَا كِيْتُو فِي قَلْبُو مَا يْعَاوَدْهَ لْحَدْ".