الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

قراءة في كتاب الباحث عبد الرزاق الحنوشي "البرلمان وحقوق الإنسان ..مرجعيات وممارسات"

قراءة في كتاب الباحث عبد الرزاق الحنوشي "البرلمان وحقوق الإنسان ..مرجعيات وممارسات" كتاب الباحث عبد الرزاق الحنوشي "البرلمان وحقوق الإنسان ..مرجعيات وممارسات" ومشهد من اللقاء
احتضن المقهى الأدبي بأسفي مؤخرا  نشاطا ثقافيا لتقديم وتوقيع كتاب البرلمان وحقوق الإنسان مرجعيات و ممارسات للباحث عبد الرزاق الحنوشي. 
"أنفاس بريس"، تنشر الورقة التي قدمها منير الشرقي، في هذا اللقاء:
 
في  البداية ، والمناسبة شرط ، لابد أن أستحضر مسيرة صديق قبل أن تكون مسيرة باحث ، مسيرة صداقة تمتد لثلاث عقود ، جمعني بالأخ عبد الرزاق الحنوشي شغف السياسة ونحن شبان يافعين نتطلع إلى التغيير ، ونبحث عن أفق جديد لمغرب جديد .. جمعتنا كذلك تجربة العمل الجمعوي ضمن الاتحاد المغربي لجمعيات الأوراش UMAC ، قادتنا هذه التجربة المشتركة في بعدها الوطني إلى التشبع بقيم التطوع  ، وفي بعدها الدولي إلى الانتماء الفسيح للبشرية بكل أجناسها وانتماءاتها العرقية والاثنية ...وتلك كانت فلسفة الحركة التطوعية بعد الحرب العالمية الثانية ، التي جنحت نحو تحقيق السلم والتعايش ودعم جهود التنمية مع المنظمات غير الحكومية عبر العالم .
في صيف 1989 ، وبمنطقة Catolica   الإيطالية ، حضرت رفقة الأخ عبد الرزاق الحنوشي لقاء متوسطيا بحضور ممثلين عن منظمات دولية ، اللقاء شكل مناسبة  لتبادل الحوار حول قضايا السلم والتعايش في بؤر التوتر ..وقد تكلف الأخ عبد الرزاق باسم الوفد المغربي ، بتقديم عرض حول " القضية الفلسطينية " باللغة الفرنسية ...وهو العرض الذي أماط اللثام عن حقائق كان يجهلها العديد من المشاركات والمشاركين الحاضرين من دول أجنبية . 
كان عبد الرزاق واثقا من مرافعته التي لم تكن تخل من نفس قومي ومن حس حقوقي لحظتئذ ....
امتدت صداقتنا بعدها لسنوات ، تقاسمنا خلالها تجربة إعلامية مميزة بجريدة الاتحاد الاشتراكي، كما تقاسمنا الانشغالات الحقوقية في تقييم السياسات العمومية. وهنا أقر بأن للأخ عبد الرزاق رصيد محترم منذ أمد من خلال تجربة "الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان"، في مجال تقييم وتتبع فعلية الحق بقطاعات أساسية منها  التعليم والصحة والشباب ...فكانت التقارير التي ينجزها مع رفاقه في الوسيط لا تخلو من مهنية وصرامة منهجية ...
طبعا اليوم ، يدخل الأخ عبد الرزاق الحنوشي – وله الحق في ذلك - غمار رسملة تجربته المهنية بالبرلمان وبعدها من خلال مسؤوليته المؤسساتية مدة ولايتين بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان بعد دسترته كمؤسسة وطنية تشتغل طبقا لمبادئ باريس .. يدخل الباحث غمار النشر ، رغم صعوباته المتعددة ، ليملأ مساحة أساسية في الكتابة حول تجربتنا البرلمانية المغربية بإصدار اختار له عنوانا ذي دلالة رصينة:" البرلمان وحقوق الإنسان ...مرجيات وممارسات "، سيكون بدون شك  مرجعا أساسيا لكل الباحثين والأكاديميين والطلبة الجامعيين ...وقد يكون مرجعا مسعفا للأحزاب والمؤسسات المهتمة بالتكوين وإنتاج النخب .. !!
وليست أدري هل هي صدفة أن يأتينا عبد الرزاق الحنوشي بهذا الإصدار بعد  مرور 10 سنوات على دستور المملكة .. ، وبعد مرور 10 سنوات على ولاية المجلس الوطني لحقوق الإنسان في صيغته الدستورية الجديدة ..  وبعد مرور 10 سنوات على مبادئ بلغراد .... بل ما يثير فضولنا العلمي هو تركيز الباحث ، منهجيا وحصريا ، على الولاية 10 من عمر البرلمان المغربي 2016/2021 .... !!
قد تكون هذه المرحلة الزمنية التي تمتد ل 10 سنوات ، بالنسبة لأي باحث ، فرصة لاختبار التنزيل الأمثل للعمل المؤسساتي وإعمال المبادئ وإنضاجها لتصبح ممارسات فضلى تعتمدها الدول والمنظمات الحقوقية ...
والكتاب بقيمته العلمية والتوثيقية غير المسبوقة، هو رصد لحصيلة البرلمان المغربي في ولايته العاشرة في علاقته بحقوق الإنسان ، وهو رصد شامل غير خاضع لمنطق الانتقاء أو العينة، حصيلة ركزت على البرلمان بغرفتيه: مجلس النواب وغرفة المستشارين فيما يتعلق بمشاريع القوانين، ومقترحات القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان ...
الكتاب أيضا هو ترصيد لعمل المؤسسة التشريعية وتقييم لأداء البرلمان في علاقته بمنظومة حقوق الإنسان .. 
وقد اختار المؤلف – بشكل مقصود - أن يكون هذا الكتاب مرجعيا  بالأساس    Révérenciel .. 
في تجربتنا البرلمانية المغربية. يستند الباحث في إطار تحديده للإطار المرجعي والمعياري لعلاقة البرلمان بمؤسسات حقوق الإنسان إلى مبادئ بلغراد، في إشارة إلى الوثيقة الصادرة عن مؤتمر  مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المنعقد في العاصمة الصربية بلغراد يومي 22/23 فبراير 2012 .. وتعد مبادئ بلغراد الإطار المرجعي لتجسير العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومؤسسات البرلمان ، 
وقد توقف الباحث بشكل مفصل عند مبادئ بلغراد كوثيقة مرجعية على المستوى الدولي، ليطلع الفاعل المؤسساتي والفاعل الحقوقي والفاعل الأكاديمي على أهم مضامين هذه الوثيقة المرجعية التي تؤطر الالتزامات المشتركة للبرلمانات والمؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان، ومنها تقديم المشورة والتوصيات والمعلومات إلى البرلمان في القضايا والمواضيع ذات الصلة بحقوق الإنسان، وذلك بغاية تقوية مؤسسة البرلمان في ممارسة دورها في التشريع ومراقبة وتقييم السياسات العمومية، بما في ذلك التزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان على المستوى الأممي ... كما تندرج "الاستشارة الحقوقية " للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان من قبل البرلمانات بشأن محتوى ومقترحات القوانين الجديدة ، والتأكد من مدى احترامها لمبادئ ومعايير حقوق الإنسان والعمل على تقديم مقترحات عند الاقتضاء من أجل ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ...
ضمن هذا الأفق استعرض الباحث - وهو يقوم بفعل مضني بلا شك - عملية "تخصيب " مبادئ بلغراد في التجربة المؤسساتية المغربية ، والتي انطلقت بتوقيع "مذكرة تفاهم" بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، وبمبادرة منه، مع كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين يوم 10 دجنبر 2014 احتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان. ومنذ لحظتئذ ، شكلت هذه الوثيقة الإطار المرجعي لما جاء من مبادرات ، وقد تم تحيين هذه الاتفاقية بناريخ 10 يونيو 2021 ..     
وفي هذا الصدد يستعرض الباحث مجالات التعاون وفق مبادئ بلغراد، من خلال تقديم مشورة المجلس الوطنية لحقوق الإنسان من أجل إعمال مقاربة حقوق الإنسان في إنتاج التشريعات الوطنية ذات الصلة بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها. كما تشمل الاتفاقية استشارة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال دراسة أثر مشاريع المعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والموجودة قيد المصادقة  على المنظومة القانونية الوطنية وعلى التزامات المملكة في مجال حقوق الإنسان ، بالإضافة إلى استشارة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال تقييم السياسات العمومية من منظور حقوق الإنسان ..ويمتد مجال التعاون والتنسيق ضمن اتفاقية بلغراد إلى إعداد استراتيجية لمتابعة التوصيات التي تقدمها الآليات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان ، وتنسيق المبادرات المشتركة في مجال الدبلوماسية البرلمانية والموازية ، إلى جانب دعم المجلس في إنجاز الدراسات والأبحاث في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة .
هذا وقد وفر كتاب  " البرلمان وحقوق الإنسان ..مرجعيات وممارسات"، رصيدا مرجعيا مهما من ثمار التعاون المؤسساتي ، وذلك من خلال  عدد هام من التقارير والمذكرات والآراء الاستشارية واللقاءات الدراسية والندوات العلمية بمبادرة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو بمبادرة من مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو بمبادرة من الفرق البرلمانية أو بعض اللجان البرلمانية الدائمة أو الموضوعاتية. وقد ساعدت هذه الحصيلة إلى حد كبير في تجويد التشريع المغربي وتقوية الدور الرقابي للبرلمان المغربي بغرفتيه، وفي دعم مجال الديبلوماسية الموازية. 
ولم يكتف الباحث ضمن هذا المجهود التوثيقي الهام في رصد المؤشرات الكمية فقط، بل كانت لمسة الخبير الحقوقي حاضرة في تحليله النسقي لمختلف مجالات التشريع التي بلورته اتفاقية بلغراد بصيغتها المغربية بما فيها القضايا الخلافية أيضا .
إجمالا يمكن أن نقر، كمهتمين وكمنشغلين بالسؤال الحقوقي في بعده الوطني والدولي ، بأننا أمام إصدار يؤشر على جيل جديد من الكتابات الرصينة التي ستساعد على قراءة هادئة للتجربة المغربية  في بعدها المؤسساتي من خلال علاقة البرلمان المغربي مع مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ...
وقبل هذا وذاك نحن أمام باحث اختار أن يضع مسار خبرته العلمية والمهنية في مجال حقوق الإنسان قريبة من يد القارئ وخدمة لبلده ... وذلك بالكثير من التواضع ونكران الذات...