الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الخالق حسين: 11 مفتاحا لفهم علاقة الفقيه بالعصا.. وعلم الاجتماع

عبد الخالق حسين: 11 مفتاحا لفهم علاقة الفقيه بالعصا.. وعلم الاجتماع عبد الخالق حسين
1- لن يستوعب (المتفلسف التربوي) المتشبع بالبيداغوجيات والديداكتيكيات؛ ولن يدرك المحلل الاجتماعي المستظهر بنظريات علم الإجتماع؛ العلاقة "المركبة والمعقدة " لكن المترعة بالأبوة والقدوة والبركة؛ التي تجمع بين الفقيه و"تلميذه المحمل" بالعصا؛ (التحميلة هي الضرب بالعصا على أخمص القدمين)..
فهذا التلميذ؛ فلنسميه (شعيب)، هو من يعطي ( لاربعية) للفقيه كل أسبوع مفتخرا ومتبخترا..
والفقيه غالبا ما يستدعى للعشاء عند أب (الطفل شعيب) في كل مناسبة؛ والطفل هو من يصب له الماء بالمغسل.. يقبل يد الفقيه، الذي يضمه ويقول له: "الله يصلحك"؛ يركض الطفل منتشيا الى أمه: "راه سلمت على الفقيه".. تغمر الأم فرحة وانشراح أن ولدها مرضي عنه من فقيهه، و أنه لاشك مبارك بهذا الدعاء؛ قلب الأم يخبرها إلهاما، بأن ابنها على طريق الصلاح إن داوم على أدبه  مع الفقيه.. وحدس الأم غالبا ما يصيب.. 
الأب يحس بالفخر أن الفقيه أخرج له السلكة بحضور الجيران، فيطلب منه أن يدعو بالبركة لأهل البيت وبالشفاء للجدة التي فقدت بصرها؛ ثم يناوله بعض المال؛ وقد يعطيه بعض الفواكه لأهله..
"الطفل المحمل" لا يشارك فقيهه مائدة الأكل تأدبا؛ لكن قد يناديه الفقيه ليستظهر سورة أمام الحاضرين ليبرز كفاءته أمام أهل الدوار.. 
2 - يأمر الأب ابنه أن ينحشر بين الفقيه والضيوف ليقرأ بصوت مرتفع بعض أبيات البردة في مدح سيدنا رسول الله عليه أفضل والسلام؛ الطفل يضع ركبته على ركبة مقدم السلطة الجالس عن يمينه؛ والأخرى على ركبة خليفة القائد عن يساره، بإشارة من الأب يقوم الطفل ليدير صحن "الثمر والباسطا والكاوكاو" بادئا بالفقيه طبعا.. الذي يأخذ القليل من كل معروض ويملأ جيوب "الطفل المحمل"، هامسا ومبتسما في أذنه: "ها هو طعام الاستراحة غدا.. إيوا؛ أجي حافظ "..
بعد نهاية السمر؛ يرش الطفل الفقيه بالعطر ويقبل يده؛ يقول له الفقيه: غدا " غا تعرض والليل إذا يغشى"؛ يطأطئ الطفل رأسه خجلا.. يقول الأب: "وا الفقيه أنت ذبح وأنا نسلخ"، يبتسمان؛ فيرد الفقيه: " لا، لا، شعيب، كايحشم، الله يحفظو من العين، ويجعلو من العلماء".. 
3 -  تحضير  العشاء تشارك فيه عدد من النسوة من الدوار، الماعون مشترك، من كل بيت، صحن أو سكين أو غطاء مائدة، أو كصعة.. بيد أن الفقيه هو الضيف الرئيس؛ هو من يفتتح الليلة  بقراءة السلكة، ويشنف الأسماع بالبردة والهمزية، ويدعو بالشفاء لمن به اضطراب نفسي بقراءة الرقية؛ ويصلح ذات بين المتخاصمين؛ ويستفتيه البعض في قضية حقوق السقي والماء؛ وتتقدم إليه سيدة ليدعو مع ابنها المتغرب للعمل في شمال المغرب أو بأوروبا.. تختتم الليلة بالدعاء الجماعي الذي تستحضر فيه الأحوال الخاصة والعامة.. دعاء جامع، تسمع فيه تضرعا بشفاء فلان الذي لم يحضر؛ فقد أقعده المرض.. وفلان الذي توفاه الله.. تسمع تضرعا لنزول المطر، ودعاء لصلاح الزرع والضرع، وهداية  الأبناء، ويكون الختم بالدعاء لحفظ البلاد وتأييد أمير المؤمنين.. 
4 - في هذه الليلة المباركة التي تجمع "أب شعيب" والطفل المحمل!!؛  والفقيه، ومقدم السلطة، وخليفة القائد، وأهل الدوار .. يبدو المجتمع بعناصره المتنوعة كالأسرة الواحدة.. بل تبدو الدولة نفسها فردا داخل أسرة الأمة المغربية. 
5 - هؤلاء "المغاربة الأقحاح" الذين خرجوا من هذه الليلة المسقية بالقرآن وبمدح سيدنا رسول الله؛ تعتقدون  أنهم سيقدموا شكاية إلى القائد؛ يسلمها مقدم السلطة الذي كان يجلس بجانب الفقيه؛ ضد الفقيه !؟؟..
سادتي.. ويل لأمة "تتهم" ضميرها!! 
6 - في علاقة (المغربي المتعلق بالقرآن وأهله)- وهذا الشرط ضروري في هذا السياق-  حضور وجودي لاعتقاد راسخ؛ بأن الفقيه ليس معلما بالمفهوم المعاصر.. فشخصية الفقيه توليفة من القرآن والأخلاق والصلاح والرعاية والتأديب والقدوة والدعاء المستجاب.. وفوق كل هذا؛ وقبله وبعده؛  فإن الفقيه في وجدان القوم؛ يحمل قبسا من الإرث النبوي.. 
7 - بكلمة واحدة، الفقيه "رجل استثنائي"؛ فيه شيء من رحمة الوالدين ورأفة الأنبياء؛ لهذا فصفعته لطلبته، تفهم وتفسر و تؤول كصفعة الوالد لولده ؛ نعم قد يكون فيها الألم، بل المبالغة والشطط أحيانا.. ولكن أبدا؛ لا يكون في ضربه نية للإيذاء والانتقام.. فشخصية الفقيه متعالية عن العبث وسوء  الأخلاق .. 
8 - لكن من أين اكتسب الفقيه هذا الاستثناء؟
لا تنسوا أن الفقيه في الأخير "بشر مثلنا" يخضع لتأثير (قانون سلطة المجتمع)؛ فالمجتمع عندما يقدم الفقيه للإمامة في الصلوات الخمس؛ وخطبة الجمعة والعيدين؛ وصلاة الجنازة وصلاة الاستسقاء؛ ويخصه بالمكانة الاجتماعية المتميزة في مختلف المناسبات.. فإنها  مظاهر تشريف تستبطن عناصر تكليف؛ تفرض على الفقيه رقابة ذاتية والتزاما أخلاقيا مع النفس؛ وانضباطا زائدا في الفضاء العام.. هل رأيتم يوما فقيها يقهقه في الشارع؟ أو رأيتم فقيها يأكل في الطريق؟
أو فقيها يتمازح مع أصدقاء؟
ألم تلاحظوا أن الفقيه من شدة رقابته على سلوكه؛ وابتعاده عن الشبهات قد اتهمه بعضهم بالتشدد والمرض النفسي !!
وما أظن فقيها رفعه قرآنه وعلمه وأدبه، سوف يسمح لنفسه بأن يجترح ما يحسب على خوارم المروءة، من قساوة وتعنيف وجهالة، خصوصا في مجال التأديب والتربية.. 
9 - أعتقد؛ أنه حان الوقت ليتواضع علم الإجتماع الغربي؛ والمستلبون به من أبنائنا.. ويتعلم ويتعلموا بين يدي "علم الإجتماع المغربي" دروسا في "ما فوق الاجتماعي".. لعل الخيال ينفتح على فهم بعض من "خصوصية" الشخصية المغربية العظيمة.. 
10 - في الصورة ( أسفله)  "تلخيص وتكثيف" لما تتغيأ سرديتي أن تبلغه : ولي العهد محمد السادس؛ يجلس على الارض أمام "فقيه مغربي" يلوح بعصاه !!.. تعجز كل النظريات التربوية والنفسية والاجتماعية عن فهم واستيعاب هذا "الزليج التربوي المغربي ".. 
11 - نحتاج كثيرا من الحكمة لندرك ولنفهم كمغاربة 
(تميزنا وتفوقنا واختلافنا) الذي يأبى الذوبان في "الآخر"..
 
عبد الخالق حسين/ عضو المجلس العلمي لكلميم، خطيب مسجد عبد الله بن ياسين بكلميم