الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

سعيد منتسب.. قَلَمٌ غائرٌ في الحكي وساحرٌ يُخْرِجُ الأرانب من قُبّعتِه!!!

سعيد منتسب.. قَلَمٌ غائرٌ في الحكي وساحرٌ يُخْرِجُ الأرانب من قُبّعتِه!!! سعيد منتسب الكاتب المتعدّد
ربّما تأخرت قليلاً أو كثيراً في الكتابة عن سعيد منتسب، الكاتب المتعدّد. 
أين عرفتُه؟ 
لا أنسى ذلك اليوم.. طرقتُ باب مكتب "حلقة الكتابة" بكلية الآداب بنمسيك، "زاوية" صغيرة متفرّعة عن مكتب شعبة اللغة العربية، يحرسها "ناسكٌ" لا تنطفئ ابتسامته.. تطفو فوق وجهه حقول القمح. شيء ما يُمَغْنِطُكَ وأنتَ تحدّث سعيد منتسب عن "القصّة القصيرة".. قبل أن تغادر نفخَ في عينيك قليلاً من روحه.
من هنا ابتدأت الحكاية.. حكاية صديق يمتلئ بعنفوان الكتابة.. في الحقيقة هو لا يكتب بل يعزف.. تقرأ السطر الأوّل، فتعانقُك الحروف، تشعر بحرارة الكلمات. الكِتابُ الذي لا تغتسل فيه كهندوسيّ.. الكتابُ الذي لا يطهّرُك العنْ كاتِبَهُ!!
قلمُ سعيد منتسب وسيمٌ، متحفّزٌ، رشيقٌ.. هو كاتب الاستعارات بامتياز، اللغة تتلوّن، ضاحكةٌ، راقصة بنعال باليرينا. 
أيّها السّاحرُ  تتراقصُ الحروف من قبعّتك السّوداء كأرانب بيضاء. تطارد الحروف التي تختفي في حقول الاستعارات. لا تحاول البحث عن المعنى في كتابة سعيد منتسب، لأنّ المعاني تلبس طاقية الإخفاء، تحفر الخنادق، ترفع المتاريس، تشعل النّيران، وتعلن الحرب على القارئ. لذا لا تقتحم غابات منتسب بلا دروع ونبال، أنتَ هنا عزيزي القارئ لتعيش متعة مطاردة الغزلان والظباء، بحواسّ "صيّاد" ماهر.. تسلّحْ بالمعرفة أنتَ في حضرة براري "آرتميس".
 وأنتَ تقرأ إحدى باقاته السّردية تسمع صخب كرنفال الورود بقلعة مݣونة، تشتمّ عطر "تودا" الأمّ المشرقة التي يغزل سعيد منتسب صورتها في أحلامه. شامخٌ مثل هذه القلعة التي كانت ملتقى للقوافل، لذا مُتون منتسب ملتقى لقوافل النصوص، تستمتع بهذه الفسيفساء والألوان والعطور، تتصالح واقعية القصة مع جاذبيّة الشعر، عبر لغة جامحة بلا رصيف.
التقيتُه بحلقة الكتابة بوجهه الطفولي.. كان شابّاً يفيض "شُعلة"، يرتدي حذاء كارل ماركس، وجلباب أحمد بوزفور… مرّت مياه تحت الجسر وظل منتسب بضحكة طفل.
لكنّ ولعه بالغزلان جعله يسمّي ابنته الكبرى "ريم"، ولأنّ قلمه من شمع وعسل، سمّى الوسطى "شهد"، وآخر العنقود سمّاه الـ"أمير"، وولّاه "إمارة" نسبه. هذه هي "تركة" سعيد منتسب في الحياة، وغنائمه في الكتابة كثيرة تشتبك فيها "القصّة" و"الشّعر" و"السينما" و"التشكيل"، نذكر منها: "جزيرة زرقاء"، "ضد الجميع"، "قبلة التّنين"، "طائر أبيض بأجنحة مؤقتة"، "قبو إدغار ألان بو"، "أمواج تخرج من عربتها جائعة".
داخل هذه المتون تتناسخ الأرواح وتطاردُك الكوابيس، نصوص تشبه "الأقبية" المظلمة، "التنانين" تحرق وجهك، وتلتهم "المسوخُ" لسانَك.. عالم غرائبي لا يرسم فيه سعيد منتسب "ابتسامة موناليزا" خادعة، بل طهرانية "فرانكنشتاين". غالباً من يكتبون شعرية "الرّعب" يخفون جرحاً داخلياً غائراً، وطفلاً مرعوباً من وحش قابع أسفل السرير، أو من شبح ربّما يتسلّل من خزانة الملابس.
هذه هي نصوص منتسب، خزانة أسرار، تشبه دمى "تشاكي Chucky"، الذي يستعير الأرواح الشرّيرة. 
هذا هو سعيد منتسب قلم غائر في الحكي، يطرّز القصص، ويرتّق قفاطين الشعر، ويرسم لوحات بصربة بقبضة من الألوان.
تماسكْ أيّها القارئ ولا تتداعى أطرافك، أنتَ في حضرة الكتابة الفاتنة.. "النّاسك" سعيد منتسب "ضدّ الجميع"، يقبّل "التنين"، ويتسلّل من "قبو إدغار ألان بّو"، محلّقاً فوق ريش "طائر أبيض بأجنحة مؤقّتة"!!