الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف غريب: إلى روح يحيي إيدر الذي استطاع أن يفتح أعين الأخرين على الحياة

يوسف غريب: إلى روح يحيي إيدر الذي استطاع أن يفتح أعين الأخرين على الحياة يوسف غريب

ونحن نعيش هذه الحمى التسويقية للقاعة الجديدة بحي تلبرجت (سينما الصحراء سابقاً) ببرمجة أنشطة وفعاليات متقاربة في التوقيت والإشعاع تقام على أنقاض موروث مكاني مكثف برمزيات ثقافية وجمالية.. آخرها اغتيال تلك السمكة التي كانت تتوسّط قاعتها وعلاقة ذلك بأغلبية ساكنة الحي ومحيطه... رواد ونشطاء ميناء أگادير ذات رواج اقتصادي وطني ودولي...

هو نفس الاغتيال والتجاهل الذي غيّب صاحب القاعة ومؤسسها في هذه الحملة التسويقية.. وكأننا بصدد كتابة تاريخ جديد لهذا المكان.. والمدينة عموماً.. وضدّاً على هذا التجاهل.. وتقديراً واحتراما لهذه الروح البعمرانية تحت اسم "يحيى إيدر "كاسم مركب من لغتين لمعنى واحد هي الحياة...

فـ (ايدر) أمازيغيا تعني يحيى... وتعني بالضبط ذاك الشخص اليافع و القادم من منطقة آيت بعمران إلى أكادير الأوروبية خلال العشرينيات من القرن الماضي... بل تعني أيضا ذاك العصامي الذي جعل لاسمه معنى ومسمى منذ الخطوة الأولى في هذه المدينة الكوسمونية، ذاك الوقت إلى الرؤيا التي جاءته أواسط العقد السادس من عمره حسب أحد مجايليه، وهي أن يحول منزله الكبير بالمزار إلى كلية للشريعة ليست أضغاث أحلام… هي واقع حقيقي الآن.. الكلية حولت المنطقة ذات الطابع القروي الفقير لكل شروط الحياة إلى نقطة جذب استهلاكية بامتياز لتواجد شريحة الطلبة بالمئات، ولكم أن تتصوروا حجم الإنفاق اليومي والدائم.. كل هذه الحياة بفضل هذا العصامي الذي لم يفتح عينيه على السبورة لكنه استطاع أن يفتح أعين الآخرين علي الحياة...

 

اسم على مسمى ..

 

وهو بهذا المعنى حين أراد أن يستثمر أيام فتوته سلك مجالا مرتطبا بالصوت والصورة والحركة والخيال وكلها عناصر حياتية بامتياز… هي السينما وأطلال قاعاتها اليوم تشهد على امتدادتها الجهوية من تارودانت إلى هوارة… إنزكان.. تزنيت… واكادير… قاعات بقدر ما احتضنت شغب أجيال وأجيال من شبيبة هذه الجهة بقدر ما لعبت تلك الأشرطة المعروضة دورا في الانفتاح على العالم كلغة وسلوك وتنمية لملكات التخيل والإبداع.. ومن أجل التأكيد أيضا على أن صاحب هذا المشروع كان بإمكانه أن يستثمر أمواله في مجالات أكثر مردودية وفي وقت توفرت فيه كل فرص الربح السريع بل والفاحش.

 

هو اختيار وشعار في حياة هذا الهرم خصوصا إذا عرفنا أن ثمن التذكرة إلى القاعة يختلف من مدينة إلى أخرى، بل وداخل المدينة الواحدة، وكيف أسس سينما السلام بأكادير قرب الحي الصناعي لتكون تذكرتها هي الأرخص مقارنة مع سينما الصحراء أو ريالطو… نعم ضدّاً على هذا التجاهل والاغتيال الرمزي تبقى روح هذا الهرم السوسي والوطني حيّة في كل هذه المآثر والمعالم الثقافية شاهدة على بصمته بهذه المدينة.. شاهدة على الجحود والنكران كذلك.. والمدينة تزداد شوارع ومعالم دون أن يخلّد هذا الإسم.. هنا أو هناك.. على الأقل كي يكون عربون وفاء لهذا العصامي الكبير الذي عمل في صمت وانسحب في صمت.. فكل ما هو حقيقي وصادق وعميق يكون دائما صامتا.

 

شكراً لك أيها الأستاذ،

لقد أسعدتنا يوما… بل علمتنا أن أكادير… أقل من القرية… أكبر من شارع مزدحم وأعمق من رجل عابر.. سنبقى نتذكر كل أمثالك الذين يؤمنون بأن إعادة تأهيل هذه المدينة.. هو فقط إعادة بناء ذاكرتها نحو المستقبل.. عذراً.. لقد تجاهلناك...

 

فامنح لمشاعري صكّ غفران...