الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعدون بن حسين الحمداني: فن الدبلوماسية إتيكيت (المشي والجلوس) 

سعدون بن حسين الحمداني: فن الدبلوماسية إتيكيت (المشي والجلوس)  سعدون بن حسين الحمداني
يُعد المشي والجلوس من سمات كاريزما الشخص، سواء للمرأة أو الرجل، ولمختلف المناصب والوظائف، وكثيرًا ما يتساءلون عن وضعية الأرجل في الجلوس بالمناسبات الرسمية والاجتماعية؟ وهل توضع الرِّجل الواحدة فوق الأخرى أو أن تكون متلاصقة وأيهما أفضل؟! وهنا تلعب مدارس علم النفس الاجتماعي دورًا أساسيًّا في وضع مفاهيم وعلامات (المشي والجلوس) والتي تعتمدها المدارس الدبلوماسية كثيرًا؛ لأنها تعطي انطباعًا على الشخص المتسلط أو الشخص العادي الهادئ.
وسوف نتطرق في مقالنا هذا إلى أهم النقاط التي تعكس كاريزما المواطن بحياته اليومية بإتيكيت المشي والجلوس. وغالبًا ما نلاحظ على شاشات التلفاز أغلب الضيوف الأجانب عدم اكتراثهم بعادات وتقاليد المجتمع العربي أو الإسلامي، وهو عدم وضع الرِّجل الواحدة فوق الأخرى بالمقابلات الرسمية مع هرم الدولة رغم إخبارهم بذلك، وهذا من سلبيات المقابلات لكبار الشخصيات مع هرم الدولة، بينما في بلدهم يُعد من العادات والممارسات الاعتيادية.
تطرق القرآن الكريم إلى مفردة المشي باعتبارها من أهم مفردات لغة الجسد، قال تعالى في محكم كتابه:(وَلَا تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) (الإسراء ـ 37(، وقال تعالى:(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) (القصص ـ ٢٥). والتي لها أهمية كبيرة في علم الفراسة وانعكاس للشخصية، وتُعد هذه الآيات الكريمة نظريات ومراجع للغة الجسد في إتيكيت المشي؛ لما تعكسه من شخصية الإنسان. ونلاحظ في الآيات الكريمة أنها تعطي صورة واضحة لا تقبل الشك حول صفة المتكبر والمختال والمتجبر من خلال المشي ورفع الرأس إلى الأعلى، وكذلك الخجل والهدوء والمشي البطيء.
وتَعُد نظريات علم النفس الاجتماعي أن هيئة المشي لا تكشف أسرار شخصيتك فقط، بل في الواقع تعكس صورة حياتك اليومية، أحيانًا ترتبط وضعية المشي بالمزاج فقد تكون عادة تسير برأس مرتفع لكنك حين تشعر بالإحباط والاكتئاب تميل لانحناء الرأس والكتفين.
والوضعيات المؤقتة ليست من المؤشرات التي تقاس عليها الشخصية، بل هي حالات عابرة، ما نتحدث عنه هو الوضعية الدائمة التي يعتمدها إتيكيت المشي، حيث يختلف الناس والأجناس في مشيهم وإشاراتهم، وهذا الاختلاف قد يكون له أسباب متصلة بقواهم ومواهبهم، وهناك وسائل استدلال قد لا تكون 100% صحيحة ولكن تعطي انطباعًا، قد يكون له الأثر الكبير في إظهار بعض معالم الشخصية.
وتركز المدارس الدبلوماسية الأجنبية، وخصوصًا الغربية منها ـ على تعليم أفراد الكادر الدبلوماسي، وكذلك كبار الشخصيات حديثي العهد كالرؤساء المنتخبين الذين تربعوا على هرم الدولة بأن عليهم اتباع تعليمات لغة الجسد فيما يخص إتيكيت وأنماط المشي والذي له أهمية كبيرة في انعكاس لهوية الإنسان؛ وبالتالي فإن الخطوات تكون محسوبة بكل دقة.
تستند خطوات السير أو المشي بالأساس على ما يلي: (الرأس هل يكون منتصبًا أم مائلًا إلى الأمام؟ الكتف هل يكون محدَّبًا إلى الأمام أم منفتحًا ومستقيمًا؟ الجذع والظهر هل يكون مستقيمًا أم مائلًا إلى الأمام؟ والأرجل هل تكون متلاصقة أثناء المسير أم متباعدة؟ وكذلك الأقدام فأجزاؤها هي (كعب القدم، راحة القدم، والأصابع).
وهناك عدة أنماط من المشي لها بعض الدلالات التي يمكن أن نستفيد منها في تحليل شخصية الإنسان وأهم هذه الأنماط:
ـ المشي الملكي: أن تكون الخطوات بطيئة جدًّا والمسافة بين خطوة وأخرى متقاربة لا تزيد على 10سم بين الأقدام، ويكون منتصب القامة ويكون كعب القدم هو المسند الرئيسي للمشي؛ لِمَا له دلالة على الاحترام والثبات والحزم وحب المستقبل، وهو النموذج الراقي والمستحسن اتباعه.
ـ عارضات الأزياء: حيث تكون الخطوات واسعة وكبيرة ومتباعدة لإظهار معالم الفستان وطبيعة الألوان، حيث يكون المشي مستندًا إلى كعب القدم، وليس إلى الأصابع، فهذا دليل الثقة بالنفس والثبات والعزيمة.
ـ سرعة المشي: حيث يرافقها اندفاع الجسد ورأس منتصب يدل على أنه يملك شخصية إيجابية، متزن في عمله، كما أنه من النوع المنتج. يعتمد المنطق والذكاء، يملك الكثير من المشاعر، يحب التنافس والوصول لهدف.
ـ متوسط السرعة أو الاعتيادي: تسير وصدرك مدفوع إلى الأمام وكتفاك إلى الخلف وترفع رأسك عاليًا في سيرك وتتفاعل كثيرًا مع الآخرين وتميل للابتسام لمن تعرفه ولمن لا تعرفه، شخصية محبوبة ومنفتحة تحب العلاقات العامة والاجتماعية.
ـ المشي البطيء: يرافقه ارتخاء اليدين وتحريك الكتفين ويدل على إتمام العمل والإحساس بالرقة والرحمة وحب التظاهر، تسير بخطوات قصيرة وبطيئة، شخصية هادئة لا يحب الاستعجال أو التعدي على مساحة الآخرين الخاصة، لذلك فإن الذراعين عادة ما تكون متلاصقة بالجسد.
أما إتيكيت الجلوس فنحن ليس بصدد معناه اللغوي البحت، ولكن نتكلم بخصوص أنماط الجلوس في مختلف المناسبات والأوقات لمختلف الشخصيات. فهناك عدة أنماط علينا الانتباه والاقتداء بما هو إيجابي وأغلبها هي: يفضل الجلوس بأن تكون الأرجل متلاصقة مع بعضها البعض. الجلوس مع يدين مفتوحتين إشارة إلى الصدق والصراحة والبراءة. تحريك أو اهتزاز الساقين، فهذا يدل على نفاد الصبر. الجلوس مع وضع الأرجل واحدة فوق الأخرى يدل على الشعور بالملل وكثرة الأفكار المشوهة وحب الظهور وفرض الرأي على الآخر. الجلوس والأرجل متباعدة دليل استرخاء وراحة والاستماع إلى الآخرين. الجلوس على حافة الكرسي، وخصوصًا عندما تهتز الأرجل، يدل على التوتر والقلق وربما الغضب أيضًا. الجلوس والظهر مستقيم والأرجل والأقدام متقاربة دليل على دقة الملاحظة وحب الاستماع. الجلوس والظهر مستقيم مع ثبات القدمين دليل استقلال الشخصية وحب الإصغاء والاستماع للآخرين. 
د. سعدون بن حسين الحمداني دبلوماسي عماني سابق وأكاديمي