السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

نجاة حمص: الكويرات.. ضرورة حتمية "بغيتوا ولا كرهتوا"

نجاة حمص: الكويرات.. ضرورة حتمية "بغيتوا ولا كرهتوا" نجاة حمص
لم يكن ثمن النقل عبر سيارة الأجرة بمدينة العيون الثلاثة دراهم، بحكم صغر المدينة وسهولة الوصول إلى كل أركانها وزواياها، ولكن وعلى حين غفلة من كل القوانين، قفز الثمن في سنة 2007، إلى خمسة دراهم، بعد استقواء أصحاب الطاكسيات بسكوت المسؤولين وتغاضي من يوكل إليهم تسيير الشأن المحلي.. 
ورغم هذا، ولأن لا غنى للساكنة عن الطاكسيات، أو ما يعرف محليا ب "التكاسى"، رضخ المواطن البسيط واستسلم للأمر الواقع، عندما لمس نوعا من التواطؤ غير المفهوم، فقبل بسرقة جيبه الخاوي على مضض.. 
علما أن أغلب السكان يرزحون تحت خط الفقر، ولا يغرنكم ما تتناقله الصفحات المستأجرة التي تدعي أن أهل العيون أغنياء ويسكنون الفيلات الفارهة، فأفضلهم حالا يستفيد من بطاقة للإنعاش الوطني "كرطية" بئيسة لا تسمن ولا تغني من جوع.. 
ثم جاءت مرحلة تفكيك المخيمات، بحيث تم رمي سكانها خارج المدار الحضري اعترافا بجميلهم،  فوجدوا أنفسهم في الجهة الشرقية من العيون، حيث لا طائر يطير ولا بشر يسير.. 
آنذاك، عانى السكان طويلا من مشكل المياه، كما عانوا من أزمة نقل حادة، وكان منظر الطلبة والتلاميذ وهم يسيرون  أفواجا نحو المؤسسات التعليمية، يدمي القلب.. 
ولا حاجة للتكلم عما يعانيه المرضى، الذين يجلسون تحت الشمس بالساعات بانتظار طاكسي يرحم معاناتهم، فكانوا يتعرضون للابتزاز والسرقة الموصوفة على شكل توصيلة مهينة.. 
كان 99 بالمائة من أصحاب الطاكسيات يرفضون الوصول إلى المنطقة الشرقية، وإن قبلوا فالأجرة كانت الضعف أو اكثر، ولذلك قرر بعض المعطلين فك العزلة على مدينة العيون وتطوعوا بالعمل في "الكويرات"/الهوندات.. 
في كل دول العالم هناك ثلاثة أنواع للنقل: 
- "الطوبيس"، للطبقة المسحوقة، للطلبة والتلاميذ ومن لديه فسحة من وقت، بحيث يكون لكل حافلة خط نقل مسار معروف وموعد لا يتأخر عليه.. 
- سيارات أجرة صغيرة.. تعمل داخل المدار الحضري للمدينة، يستعملها من كان له حاجة مستعجلة لقضائها، وإن كان المتعارف أنها حكرا على الطبقة فوق المتوسطة.. 
- سيارات أجرة كبيرة.. يلجأ إليها من كان له مشوار مستعجل ودخل متواضع، يستعملها أصحاب الطبقة الكادحة والمتوسطة بحيث تحترم ميزانيتهم المحدودة.. 
وبما ان مدينة العيون تفتقر إلى سيارات الأجرة الكبيرة، فقد سد الفراغ أصحاب "الكويرات".. 
وعوض الاعتراف لهم بصنيعهم، يتعرضون للمضايقات من أصحاب الطاكسيات الذين يعملون بشعار "لا نرحم ولا نسمح لرحمة الله بالنزول"، وملاحقات رجال الأمن وتجاهل مسيري الشأن المحلي، رغم قبولهم بكل الشروط التي فرضتها عليهم بلدية العيون.. 
في الإنتخابات والمناسبات التي يكون فيها مزاج المسيرين "رايق"، يسمح للكويرات بالوصول إلى كل أرجاء المدينة، تملقا للمؤلفة قلوبهم من المعطلين العاملين بالكويرات ومن وراءهم من أهل وعائلة وقبيلة..الخ. 
حتى إذا استقر المقام، أطلقوا عليهم حملة شرسة، تصادر عرباتهم، يطاردون بلا رحمة، يضربون بالحجارة وتكسر سياراتهم، ولا تقبل شكواهم بما يلحق بهم.. 
يتمسك المجتمع الصحراوي بالكويرات لما يعرف على السائقين من دماثة خلق وحب للمساعدة، عرفانا منهم بجميلهم عندما قاطع أصحاب الطاكسيات أغلب المناطق التي يستقر فيها السكان القدامى من أهل التراب.. 
ويطالب التلاميذ والطلبة بالسماح للكويرات بالوصول إلى المؤسسات التعليمية بالعيون السفلى، نظرا للابتزازات التي يتعرضون لها، ووقوفهم ساعات طويلة أملا في وسيلة نقل.. 
أما المرضى الذين يتقطعون ألما وهم يزاحمون الطلبة والتلاميذ في افتراش الشوارع، بانتظار من يقلهم، فيحلمون بالموعد الذي يسمح للكويرات بالوصول إلى مستشفى بلمهدي وسبيطار العسكر دون مضايقات أو ملاحقات.. 
المنشورات الفيسبوكية وحملات التضامن الشعبية، أظهرت جليا أن مدينة العيون لا غنى لها عن لكويرات، في غياب سيارات الأجرة الكبيرة وطغيان سيارات الأجرة الصغيرة،  فبعد الإضراب الذي يخوضه أصحاب الكويرات شلت المدينة، وبدا واضحا أن لا حل بيد ساكنة الجهة الشرقية من مدينة العيون خاصة، إلا اقتناء الحمير وعربات الكارو والرجوع إلى زمن التنقل بالنوق والجمال.