الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (ح/12)

مصطفى حمزة يحكي جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر (ح/12) مصطفى حمزة بجانب محمد بن ابراهيم لوديكي
في لقاء لجريدة "أنفاس بريس" مع الباحث مصطفى حمزة، المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي، بخصوص حلقات حول: "جوانب من التاريخ الراهن لبلاد أحمر"، أشار بالقول: " إننا عادة ما يكون عدم اهتمامنا ببعض الأحداث، والأمكنة وغيرها من تراثنا المادي واللامادي رغم أهميتها المادية والمعنوية، سببا في زوالها واندثارها، وبذلك نفقد جزءا مهما من ذاكرتنا".
وانطلاقا من هذه الملاحظة، شدد الباحث مصطفى حمزة قائلا: "يتضح أننا ضيعنا جزءا كبيرا من تراثنا المادي واللامادي". مضيفا بأن ما ضيعناه على سبيل المثال لا الحصر بإقليم اليوسفية بقبيلة أحمر من معالم ومواقع أثرية وتاريخية يتمثل في "معلمة القصبة الإسماعيلية، ومدرسة الأمراء العلويين، إلى جانب الحاضرة الفوسفاطية التي بدأت تخضع للتشويه، فضلا عن بنايات حي (الديور الجداد)، ومراكز قرية سيدي أحمد، والقرية الفوسفاطية المزيندة، والأحياء العمالية، وقصبات الكثير من القواد، دون الحديث عن معلمة معصرة السكر بمنطقة سيدي شيكر...".
وأكد رئيس جمعية أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية (مصطفى حمزة) إلى أن الإهمال جعلنا نضيع كذلك "العديد من الأهازيج والأغاني النسائية، والأحاجي، والألعاب الشعبية، والكثير من الكلمات التي كانت تشكل ثروة لغوية، كما ضيعنا العديد من أسماء الأعلام البشرية والجغرافية".
ورغبة منه في المساهمة في توثيق و الحفاظ على تراث المنطقة، قرر الباحث مصطفى حمزة الشروع في الكتابة عن بعض الأحداث والوقائع من تاريخنا الراهن، وأن تكون البداية بـ "سجن الشماعية" القديم والذي انقرضت معالمه بمدينة الشماعية، لكونه استقبل شخصيات وطنية كان لها وزن كبير عند الحمريين والمغاربة، يذكر منهم: (الفقيه عبد السلام المستاري، أحد الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال، والوطني محمد بن الطبيب الآسفي، والحاج أحمد زغلول أحد أبرز الوطنيين ببلاد أحمر..

أحداث ومشاهد برواية ولد العربي بن محمد بن إبراهيم لوديكي؟
غادر والد الفقير العربي سجن بو المهارز بمراكش، ليشد الرحال رفقة أسرته إلى منطقة أيت باعمران، وبعد مدة وجيزة ستضطرهم الظروف السائدة هناك إلى الهجرة لبلاد أحمر، حيث ستستقر أسرته بدوار المضافرة أحد الدواوير المكونة لجماعة السبيعات، وهنا سيتزوج ويخلف ابنه العربي.  
ولد العربي بن محمد بن إبراهيم لوديكي سنة 1915م بدوار المضافرة ولما بلغ أشده بدأ يساعد والده في رعي الإبل والماشية. 
وخلال عملية الانتجاع التي كانت تتم بين منطقة الگنتور ودوار المضافرة، كان العربي شاهدا على الحياة التي كانت سائدة بالمدخل الشمالي لهضبة الگنتور بما فيها الموقع الحالي لمدينة اليوسفية والحاضرة الفوسفاطية (ديور النصارى)، فحسب الفقير العربي فقد كانت: "هذه المنطقة مكسوة بأشجار السدرة، والطلح، ومختلف النباتات، والأعشاب البرية، كما كانت معروفة بكثرة الوحش، وبذلك شكلت مجالا للرعي والصيد"، وعموما فكثافة الغطاء النباتي بالمنطقة، لها علاقة بمياه وادي كشكاط الذي كان يخترقها وهو في طريقه إلى مصبه الأصلي (حي الرمل) حاليا، قبل أن يغير الفرنسيون مجراه نحو (حي الريطب) في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي. 
أما الحياة البشرية - فحسب روايات الفقير العربي - فقد كانت متمركزة بالدواوير التالية: "الجْبُورَاتْ" و "الفَوَاشَخْ"، والزوايا التي تنطق المنطقة: زاوية حرمة الله، زاوية سدي أحمد مول الواد، زاوية النعيمي ". 
  
وهكذا كانت تنقلات الطفل العربي رفقة والده يوميا، للمسار الرابط بين السفح الشمالي للهضبة ودوار المضافرة، تسمح لذاكرته بخزن العديد من الأحداث التي تخص تاريخ المنطقة والتحولات التي عرفتها مع دخول الحماية الفرنسية للمغرب. 
 
رصد وتتبع لتحركات "نوگاريت Nogaret "  بهصبة الكنتور
ففي أحد الأيام وبينما كان عائدا رفقة والده من مرعى السفح الشمالي لهضبة الگنتور، وجدا بمنطقة "اَلْفَوَارِعْ"، خيمة مبنية وبداخلها سرير للنوم وفانوس، وكتب وأدوات للتنقيب، وبالقرب منها رجلا فرنسيا رفقته بعض المخازنية.  
وتأكد فيما بعد، أن مهمة الرجل الفرنسي، كانت هي التعرف على رواسب فوسفاط هضبة الگنتور، فقد كان الفرنسي - تبعا لرواية الفقير العربي - ينقب ويقوم بجمع عينات من التربة ويضعها في أكياس خاصة، ونظرا للمدة التي استغرقتها عملية البحث، فقد نسج الرجل الفرنسي علاقات مع سكان المنطقة، فسار يشتري منهم حاجياته من اللحوم والدجاج والبيض... 
ومع مرور الوقت تحولت الخيمة إلى سكن عبارة عن بيت، مما يعكس طول المدة التي استغرقها الرجل الفرنسي بالمنطقة والتي ستختتم في أحد الأيام، بحضور سيارة تشتغل بالفحم الحجري لنقل كل الأكياس التي جمعها المكتشف الفرنسي وحملها إلى المختبر.     
الفترة التي كان الفقير العربي، يروي تفاصيلها بانتشاء على أبنائه، وهو يستحضر ما ظل عالقا بذاكرته منذ أيام الطفولة، هي الفترة التي تم فيها بالفعل التعرف على رواسب فوسفاط الگنتور من قبل عامل المناجم الرئيسي  "نوگاريت Nogaret " سنة 1929م .
ومعلوم أن الفوسفاط بهضبة الگنتور كان معروفا منذ 1919م، وأن التعرف على رواسبه تم سنة 1929م على يد "نوگاريت Nogaret "، في حين أن الشروع في استغلاه تم سنة 1932م. 
وانطلاقا من أن إنتاج التعدين على نطاق واسع، غالبا ما يؤدي إلى ظهور واحد أو أكثر من التجمعات الحضرية التي تتميز بمرفولوجيتها وهياكلها داخل المدن ووظائفها الاجتماعية والإقليمية، فإن ميلاد مدينة "لوي جانتي"  بالسفح الشمالي لهضبة الگنتور، كان هو الآخر نتيجة لبداية الشروع في استغلال واستخراج معدن الفوسفاط. 
وهكذا سيتم تحويل المساحة الجغرافية التي كانت مخصصة للرعي والصيد، وترتيبها من أجل ضمان الإنتاج ومعالجته ونقل الخام، وهو ما يؤكده الفقير العربي بقوله: "وبعدما تم حمل الأكياس التي جمعها المكتشف الفرنسي إلى المختبر، وصلت إلى عين المكان عدة الشاحنات والسيارات وعلى متنها مجموعة من الفرنسيين والمغاربة، فقاموا بحرق الأشجار والنباتات التي كانت منتشرة
هناك ".