الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبدالله بوشطارت: الاحتفال بأرگان.. تحت ظلال النفاق.. والاستنزاف والتضليل

عبدالله بوشطارت: الاحتفال بأرگان.. تحت ظلال النفاق.. والاستنزاف والتضليل عبدالله بوشطارت
تُمَارس حاليا؛ على شجرة أرگان أكبر عملية نصب وتدليس ونفاق، ظاهر وبيِّن؛  فكيف يمكن تنظيم صالونات ومؤتمرات وطنية ودولية في أگادير، داخل قاعات مكيفة ووفيرة  وسط فنادق خمس نجوم، للحديث عن فضائل أرگان والاحتفاء به والتخليد له، وغير بعيد عن تلك الفنادق، التي تم اقتلاع آلاف الأشجار من أرگان لتشيد مكانها اقامات سياحية و ترفيهية الباهضة الثمن، وبنحو أمتار قليلة خلف تلك المحطات السياحية التي لا يلجها إلا الاغنياء، تتعرض غابات وأشجار أرگان لتعسف رهيب من جحافل الإبل التي لا تعد ولا تحصى، تملكها أوساط ريعية تنتمي إلى مناطق في الجنوب، ولها نفوذ قوي داخل أجهزة السلطة في مختلف أنواعها...
 
هؤلاء المافيات التي تستثمر في تربية الماشية والإبل وتمارس بها عمليات التبييض المالي وتطلقها تسرح في أملاك الناس وتجهز على أشجار أرگان بطريقة تعسفية وفوضوية، وتأتي على الأشجار والتمار والمحصول... وتترك الساكنة في القرى والبوادي تعاني من الفقر والجفاف والتصحر والتهميش...

يجب أن نطرح أسئلة حقيقية وواقعية، من قبيل؛ مَن يستفيد من زيوت ومستخرجات أرگان من مواد التجميل وأدوية وغيرها؟ هل هم الساكنة التي تملك أرگان أم جهات أخرى تستثمر في القطاع وتستحوذ عليه من خلال تأسيس شركات الإنتاج والتصدير على المستوى الدولي...
 
وقبل هذا وذاك؛ من الذي أصبح يملك اكبر عدد من الهكتارات من أشجار أرگان؟ هل هي الساكنة والقبائل أم الدولة التي أصبحت تحتكر وتبسط سيطرتها على مساحات شاسعة تتواجد بها أشجار أرگان من الصويرة إلى أگلميم، عبر إدارة المياه والغابات التي قامت بنزع اراضي القبائل والمجموعات السكانية والساكنة، عن طريق سياسة تحديد الملك الغابوي، وبعد أن أنهت سياستها قامت الدولة بتفكيك المندوبية السامية للمياه والغابات وخلق وكالة وطنية للغابات تشرف على كيفية استغلال ملايين الهكتارات التي استحوذت عليها خلال عقود ما بعد الاستقلال، ومنها شجرة أرگان..

هذه الشجرة التي وهبها الله للأمازيغ دون غيرهم في العالم، ويتميزون بها داخل المعمور، وأصبحت رمزا ثابتا في هويتهم الثقافية والمجالية، ونخص بالذكر هنا امازيغ سوس، اليوم لم يعد هؤلاء يملكون أشجار ارگان، وإن كانت لهم بعضا منها بالقرب منازلهم لم ينتزعها منهم "بوغابة" فإن جحافل الإبل القادمة من الصحراء ستقضي عليها نهائيا...
 
لذلك، فأرگان يتعرض اليوم لأكبر عمليات اجتثات، وتعرض لأكبر عمليات النصب والاحتيال، كما يتعرض كذلك، لنفاق سياسي واعلامي، فالذين يتحدثون داخل الصالونات ويصرفون أموال طائلة جدا، في التنظيم والبروتوكول، لا يملكون القدرة على الكلام عن عصابات الرعي الجائر التي تجهز على أرگان، فقط يعقدون تلك اللقاءات، والاجتماعات، والمؤتمرات أغلبهم يستثمرون أموال طائلة في انتاج وتصدير أرگان ويملكون شركات كبري  متخصصة في ذلك، ويتركون النساء والفلاحين الصغار في البوادي يحصدون الفقر والتهميش. مؤخرا ارتفعت أسعار زيت أرگان إلى اثمنة قياسية جدا وصل إلى 500 درهم للتر الواحد، وهذا سعر باهض جدا، لأن السبب ليس هو الجفاف كما يقول البعض، بل السبب هو أن ما يفوق 95 ٪ من الإنتاج موجه للأسواق الكبرى... لذلك يصعب على المستهلك المغربي اقتناء لتر من الأرگان بفعل عدم قدرته على مجاراة أسعار السوق الدولية التي ارتفع لديها طلب زيوت ومنتوجات أرگان...

حينما نتحدث عن التمكين التنموي لمستغلي أرگان، خاصة في صفوف النساء، فرغم انهن يشتغلن منذ عقود في إنتاج أرگان إلا أنهن يعشن معاناة لا حدود لها.. وبالرغم من وجود تنظيمات وفيدراليات وشبكة قوية من التعاونيات لإنتاج أرگان إلا أنها تبقى عاجزة عن تنظيم القطاع، ووضع حد للاستغلال والاستنزاف البشع الذي تتعرض له النساء والشجرة على حد سواء، فحتى التعاونيات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي تحولت في غالبها إلى دوائر ربحية وتنظيمات عائلية وعشائرية، أفقدت لمؤسسة التعاونية قيمها النبيلة في الارتقاء الاجتماعي بشكل جماعي وتضامني...
 
صحيح أن السوق يجب أن ينفتح ويحتكم للعرض والطلب، لكن ليس على حساب شجرة مقدسة تعتبر من الموارد الجماعية التي يجب العمل على حمايتها وتثمينها طبيعيا وايكولوجيا وتنمويا...

وفي حالة لم تخرج هذه المؤتمرات والصالونات واللقاءات والندوات المنظمة احتفالا باليوم العالمي لشجرة أرگان، في فنادق سياحية باذخة، وتصرف عليها ميزانيات طائلة لاستهلاك الكلام في الإعلام حول ارگان، في حالة لم يخرجوا بتوصيات فعالة وواضحة لوقف جحافل الإبل التي تمارس الرعي الجائر على أرگان، فإن تلكم اللقاءات والمؤتمرات لن يكون لها الأثر، ولن يكون لها معنى وفائدة...

فرغم تأسيس وكالات وطنية لتنمية أرگان وخلق مؤتمر وطني ودولي ويوم عالمي لأرگان، فإن هذه الشجرة الأمازيغية تعاني اليوم من تهديد حقيقي غير مسبوق...