الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ: الأمل في أن تتجاوز اسبانيا نظرتها النمطية السلبية عن المغاربة

جمال المحافظ: الأمل في أن تتجاوز اسبانيا نظرتها النمطية السلبية عن المغاربة جمال المحافظ

إذا كانت وسائل الاعلام المغربية ومعها الطبقة السياسية، قد أجمعت على وصف التحول في الموقف الاسباني من قضية الصحراء، ب" التاريخي والغير مسبوق "، بعدما أعلنت مدريد أن المقترح المغربي حول الحكم الذاتي، هو " الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" من أجل تسوية نزاع الصحراء، فإنها مازالت ترى أن هناك حاجة ملحة إلى " معركة إعلامية" حتى تتجاوز اسبانيا نظرتها النمطية السلبية للمغرب والمغاربة وقضاياهم والتي تكرست خلال المرحلة الاستعمارية، واستمرت في تعاطي وسائل اعلامها مع المغرب وقضاياه حتى اليوم.


ورغم من ذلك، سجل الاعلام المغربي، إيجابية القرار الاسباني الذي من شأنه أن يساهم في انطلاقة جديدة للعلاقات الثنائية، وتجاوز الأزمة التي اندلعت نتيجة استضافة زعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية إبراهيم غالي في 23 أبريل 2021 لتلقي العلاج في إسبانيا، بوثائق مزورة وهوية منتحلة، وتفاقمت هذه الازمة حينما تدفق في مايو الماضي نحو 10 آلاف مهاجر غالبيتهم مغاربة، نحو مدينة سبتة المحتلة شمال المغرب.


وفي معرض مقاربته لمستوى معالجة وسائل الإعلام المغربية لاعتراف اسبانيا بمخطط الحكم الذاتي في الصحراء، قال نبيل دريوش الإعلامي والكاتب المغربي المتخصص في الشأن الإسباني ل" الشرق الأوسط"، إنها " تنوعت وتراوحت بين نشر وبث مواد خبرية صرفة متعلقة بمستجدات هذه الخطوة وتطوراتها، وتحليل هذه الأخبار التي تنوعت باختلاف طبيعة وسائل الإعلام من نشر افتتاحيات في الصحف ومقالات تركيبية تستحضر رأي الخبراء في العلاقات الدولية و العلاقات المغربية -الإسبانية".


جوانب إيجابية وآفاق واعدة
وأوضح دريوش أن المحطات الاذاعية زاوجت بين التوسع في الخبر خلال نشراتها وادراج تصريحات لخبراء ومحللين، وبين تخصيص برامج لهذا الموضوع تنوعت زوايا معالجتها له من تأثير هذا القرار على "ملف الصحراء" الى تأثيره على التعاون الاقتصادي بين البلدين وتأثيره على الربط البحري بينهما، وعبور الجالية المغربية المقيمة بأوروبا نحو المغرب، في الوقت الذي سارت فيه القنوات التلفزيونية على ذات النهج تقريبا، مع ادراجها لتصريحات مسؤولين سياسيين داعمين للخطوة الاسبانية، اضافة الى صحافيين اسبان وكتاب رأي في صحف ومنابر اسبانية. إلا أنه ورغم اختلاف المعالجة الاعلامية للحدث، حسب كل وسيلة اعلامية على حدة ومراوحتها بين الاجناس الخبرية و أجناس الرأي، إلا أنها تلتقي في عكس الجوانب الايجابية للقرار والآفاق الواعدة لهذه المصالحة على الشعبين والبلدين.


من جهته، يذهب عبد الحميد جماهري، مدير نشر صحيفة "الاتحاد الاشتراكي" الى القول ل" الشرق الأوسط"، إن القرار الإسباني " شجاع ورصين ومن أقوى المواقف إنصافا للمغرب، بعد الاعتراف الاميركي بسيادة المغرب على صحرائه وفتح تمثيليات قنصلية في التراب الوطني بالصحراء" وما تلا ذلك من تطورات في غرب المتوسط، ثم في التصور الاوروبي الجديد للمنطقة شرقا وغربا، و هو ما قادها الى قياس المصلحة من زاوية استمرار السلم والاستقرار في المنطقة.


ويتفق دريوش وجماهري، كما هو شأن غالبية وسائل الاعلام المغربية، على أن الخطوة الاسبانية، " سيكون لها صدى وتداعيات داخل الاتحاد الأوروبي ". لكن مدير نشر" الاتحاد الاشتراكي" يعتقد أن تأثير موقف مدريد سيمتد كذلك إلى دائرة النفوذ الجيو- ستراتيجي في أميركا اللاتينية ، وداخل حلف "الناتو" الذي تحتضن اسبانيا مؤتمره في يونيو المقبل ، وإلى « مجموعة اصدقاء الصحراء» التي تعد غرفة استشارية دولية بخصوص قرارات مجلس الأمن حول الصحراء، كما يوضح جماهري أن " الفاعل الانفصالي، سيفقد جراء القرار الاسباني، ساحة حيوية بالنسبة له، ومساعدات مهمة".


تجاوز النظرة النمطية عن المغرب
بيد أن يونس مجاهد رئيس المجلس الوطني للصحافة في المغرب ، أثار في حديثه مع "الشرق الأوسط"، الانتباه الى أن " المعركة الإعلامية مهمة جدا" في هذه المرحلة، داعيا إلى "فتح نقاش صريح حول المسألة الاستعمارية"، للمساهمة في تجاوز النظرة النمطية عن المغرب الناجمة عن مخلفات ثقافية عميقة تجد تربتها في الماضي الاستعماري الاسباني، وذلك رغم التحول المهم في تعامل مدريد مع قضية الوحدة الترابية للمملكة ، الذي يشكل حدثا تاريخيا لكون اسبانيا كانت البلد الذي استعمر الصحراء.
وإذا كانت وسائل إعلام إسبانية، قد وصفت قرار حكومة مدريد بخصوص قضية الصحراء بأنه " تاريخي"، فإن مجاهد ، أشار إلى أن العديد من مكونات الطبقة السياسية والإعلامية الإسبانية، سواء كانت محسوبة على اليسار أو على اليمين، تنطلق من " مواقف جاهزة وبنظرة استعلائية واستعمارية"، غير مبالية بالأهمية الجيو - استراتيجية للعلاقات بين البلدين والتعاون القائم بينهما خاصة على المستوى الاقتصادي والأمني..
وبالمقابل ، لاحظ محمد المودن ، الأستاذ بجامعة اشبيلية، المختص في الاتصال السياسي ل "الشرق الأوسط"، بأن "هذا البلد الإيبيري بات خلال هذا التاريخ الحديث، موضوعا حيويا في المعالجات الإعلامية لوسائل الإعلام المغربية البارزة والمؤثرة في صناعة الرأي العام المغاربي والمتوسطي، في حين يشكل المغرب شأنا داخليا في إسبانيا، وذلك نتيجة المصالح المشتركة، وبسبب القضايا الخلافية بين البلدين، وجرت العادة أن يكون المغرب، في المعالجات الإعلامية الإسبانية، خاضعا لتجاذبات سياسية داخلية، ومحكوما بشكل قوي بهذه الدينامية. وقوة التجاذب والدينامية هذه، ( كما يوضح المودن)، تجعل وسائل الإعلام الإسبانية مؤثرة في مسار العلاقة بين البلدين، بل هي تكون أحيانا، وبشكل واضح، مصدر استقرار هذه العلاقة أو اضطرابها.
وإذا كانت وسائل الإعلام التي تصنع الرأي العام، تفرض أجندتها على سياسة البلدين، بل يكون بيدها أحيانا أمر الحل والعقد، فإن المودن يشير، في هذا السياق، إلى أن ذلك "يظهر بشكل واضح، ليس في الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين البلدين، وهي واحدة من أسوء الأزمات التي عاشتها الرباط ومدريد، بل في كل الأزمات السابقة".


سقوط عقيدة قديمة
وعودة إلى جماهري، الذي قال "إن ربح المغرب لم يقتصر على موقف مدريد الجديد، بل يشمل سقوط عقيدة قديمة كانت الجارة الشرقية للمغرب (الجزائر) ، تهدف من خلالها إلى عزل المملكة المغربية شمالا، عبر تأزيم علاقاته مع اسبانيا، وجنوبا عبر التشويش على وقف اطلاق النار ، وتلغيم معبر ( الكركرات) على الحدود مع موريتانيا. وبهذا يكون الطوق الذي أرادته جيوش الجيران قد سقط، وربما انقلب السحر على الساحر".
وأضاف جماهري أن مدريد "تدرك أنها ربحت من المغرب صلابة في وجه الإرهاب والهجرة غير المنظمة والجريمة الدولية، اضافة إلى وسادة المصالح الاقتصادية التي تجعل منها الشريك الاوروبي الاول للمغرب.
وهذا ما يجعل "طريق تطبيع العلاقات الحضارية مع اسبانيا طويل وشاق"، حسب مجاهد الذي يرى أن ذلك " يبدأ من الثقافة والاعلام، وعلى الإسبان، بالخصوص، أن يراجعوا نظرتهم للمغرب والمغاربة، لأن لهم أولا مصلحة في ذلك، على مختلف الأصعدة بخاصة الاقتصادية" ، معربا عن اعتقاده الراسخ بأن اصلاح العلاقات مع المغرب" يتطلب التصالح مع التاريخ والجغرافيا، ويحتم عليهم أن يدفنوا الماضي استعماري بكل تجلياته وتلاوينه".


لغةٍ التعالي لم تعد تطاق
ويتماشى رأي مجاهد هذا مع رأي كثير من المراقبين ذلك أنهم يرون أن ما لم يعد يطاق فعلا، هو لغة التعالي والعجرفة التي يمارسها كثير الإسبان ساعة الحديث عن دولة ومواطنين يوجدون على مسافة 14 كلم جنوبا. ويرى آخرون أن قليلا من الاحترام للمغرب أصبح مرغوبا فيه "بل بات مطلوبا ... إذا كنا نريد تفعيل خارطة طريق جديدة في ترسيم علاقات البلدين".
لكن المودن يؤكد بأنه وإن كانت وسائل الإعلام المغربية والإسبانية (خصوصا الاسبانية ،نتيجة بنيتها، وتجربتها التاريخية)، تمثل لاعبا حاسما في دينامية العلاقة بين البلدين، لكن الطرفين معا يحتاجان إلى تطوير المعرفة بالآخر ، موضحا أنه ما زالت هناك حاجة إلى الاشتغال على المعرفة العميقة بالآخر، خصوصا في بعديها الثقافي والاجتماعي، لاسيما أن ظهور تكنولوجيا الاتصال منح مساحة أخرى لبناء خطاب إعلامي حول الآخر، للتأثير أيضا في مسار العلاقات بين البلدين.

وبقدر ما تكون هذه المساحة الرقمية مصدر " تغليط وتأثير سلبي"، فإنها تكون أيضا " مجال انفتاح على دوائر الصور غير المغلقة اتجاه الآخر"..



د.جمال المحافظ/عن جريدة "الشرق الأوسط"