الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

محمد الصديقي : أزمة سياسة أم أزمة ثقافة سياسية

محمد الصديقي : أزمة سياسة أم أزمة ثقافة سياسية محمد الصديقي

في لقاء لجريدة "أنفاس بريس" مع الفاعل السياسي محمد الصديقي عن سؤال انشغال الرأي العام الحزبي والإعلامي باحتمال إجراء تعديل حكومي. وهل هناك إشارات تخص هذا التعديل لإخراج بعض الوزراء والوزيرات الذين قطر بهم السقف بعد أن أظهروا عجزهم وفشلهم الذريع في تدبير الشأن العام، دون الحديث عن أزمة تدبير وتسيير مجموعة من القطاعات الحكومية التي لم تولد سوى الخيبات؟ إليكم ورقة الأستاذ محمد الصديقي:

 

لا أتذكر أن حكومة، من ضمن حكومات "العهد الجديد" لم تخضع لتعديل داخل فريقها، وفي كل تعديل حكومي يتم الترويج لأسباب التعديل أو خلقها، لبرمج استراحة سياسية حكومية وإعادة سيناريو "الثقة" من البداية وكأنها حكومة جديدة لا علاقة لها بسابقتها.

وعلى مدى كل هذه التعديلات، نتسأل ما الذي تغير في التصور السياسي العام لسياسة الدولة، أو حتى في تدبير الاستراتيجية السياسية للدولة من لدن الحكومات وتعديلاتها؟ إن المتتبع للحقل السياسي المغربي سيلاحظ مفارقة عجيبة؛ فبقدر تنامي الوعي السياسي لدى المجتمع بنسب معينة بعد حركة 20 فبراير، بقدر ما يعرف التعاطي الحكومي مع المجتمع تراجعا كبيرا، وتناميا لمنسوب الفساد والقمع، ولا حاجة للتذكير هنا بما يقع من تضييق ومحاكمات للصحفيين، ومناضلي الحراك، والأساتذة المفروض عليهم التعاقد...، وأشكال الفساد التي تنخر قطاعات مختلفة (لا سامير، التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية...)، كيف يمكن فهم تراجع قوة المجتمع وقدراته الممانِعة بموازاة مع تنامي وعيه مقارنة مع فترات سابقة؟

عندما يتعلق الأمر بالسياسة في بلادنا، فإن الجميع أَلِفَ أن يتقبل أي قرار جديد، باعتبارها - أي السياسة - مجالا "لفن الممكن" لا لفن الواجب / الضروري / النافع، فالممكن هنا، عند السياسي المغربي، ولا سيما المسؤول، هو الإبداع الذي يجعله ينفلت من أي محاسبة رسمية أو غير رسمية، إما بخلق الحدث البديل، أو تحوير النظر العام إلى حدث آخر... السياسة في بلادنا لا تمارَس بوصفها فعلا واعيا منسجما، منطلِقا من تصور واضح يعكس خلفية السياسي واختياراته الإيديولوجية، وتمكن من تصنيف الفاعلين والمجتمع حسب قناعاتهم واختياراتهم بشكل واضح، ولكن السياسة فعل طارئ مرتبط بردود الأفعال، وانتهاز الفرص لتحقيق مكسب، أو تمرير قرار... السياسة في بلادنا إجراءات ضمان الاستقرار الهش واستمراره وأغلب الإجراءات الحكومية في بعدها السياسي تتم وفق هذا المنحى.

التعلل بغياب الكفاءات في التشكيلة الحكومية الحالية مبررا لتسويغ التعديل، يدخل ضمن المعادلة السابقة؛ معادلة خلق الحدث الذي سيغرق الساحة المغربية نقاشا في سياق وضعية تزداد قتامة أمام الأغلبية الساحقة من المواطنين، فالإشكال في النظام السياسي المغربي كما يؤطره الدستور، أن الحكومة لا تمتلك تصورا سياسيا لإدارة الشأن العام انطلاقا من هويتها السياسية والإيديولوجية، لأنها منزوعة الإرادة والفعل، وكل المساحة المتاحة لها تتعلق بمجال تنفيذ استراتيجية الدولة، وهنا يطرح سؤال الجدوى من وضع برامج الأحزاب، وتنافسها في الوصول إلى المناصب الحكومية؟؟ وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي البحث في موقع التعديل الحكومي ضمن خطط استراتيجية الدولة، وليس ضمن آليات التنفيذ الحكومي، إلا إذا كان مستوى التنفيذ دون تطلعات الدولة، وهنا يكون الخطأ في الاختيار غير حكومي طبعا.

إن وضع الحكومة وموقعها، صعب جدا، فالمجهود الذي تقدمه مرتبط بالوساطة أكثر من ارتباطه بمفهوم الالتزام السياسي، فهي من جهة ملزمة بتنفيذ اختيارات الدولة، وضمان قبول هذه الاختيارات مجتمعيا ومؤسسيا من جهة أخرى، وأداء ثمن فشل هذه الاختيارات أو فشل تدبيرها من جهة ثالثة، وتحمل مسؤولية أي تحرك شعبي ضد هذه الاختيارات من جهة رابعة، ولذلك فنحن نفهم سعي بعض الأحزاب السياسية إلى ضمان ولائها للدولة أكثر من المجتمع، باعتبار أن مصالحها (أو مصالح الفاعلين الأساسيين فيها) ترتبط بمصلحة الدولة، فهي تتماهى مع خطاب الدولة وتفتقد لأي حس نقدي، أو استقلالية سياسية تصورا وتدبيرا.

إن الوضع العام للبلاد، يطرح سؤالا كبيرا على الجميع، كيف يمكن تفسير استمرار تغول الدولة على المجتمع وتسلطها عليه، وشلل المجتمع في الدفاع عن نفسه؟ كيف نجحت الدولة في تجريد المجتمع من أدوات ممانعته المنظمة؟ لماذا انحسر النضال المجتمعي في المطالب الاجتماعية علما أن عمق الأزمة سياسي؟ لماذا تتنافس أغلب الأحزاب في الانتخابات على الرغم من يقينها أنها لن تكون سوى قناة لتصريف برنامج قد لا يعكس هويتها؟

يبدو لي أن المشكل ليس في السياسة، بل في الثقافة السياسية.