الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: الحرب بأوكرانيا والكيل بمكيالين في الهجرة واللجوء

يوسف لهلالي: الحرب بأوكرانيا والكيل بمكيالين في الهجرة واللجوء يوسف لهلالي
الحرب الروسية على أوكرانيا، غيرت نظرة الاوربيين بشكل جدري لقاضا اللجوء والهجرة، واختفت الخلافات داخل الاتحاد الأوربي حول هذا الموضوع والتي كانت تقودها الدول الفقيرة بالاتحاد الأوربي مثل بولونيا، هنغاريا وسلوفاكيا. اليوم، هذه البلدان التي كانت تطالب بوضع اسلاك شائكة وتحريك الجيش على حدودها لوقف اللاجئين القادمين من سوريا، العراق وأفغانستان، الفارين من ويلات الحروب. وجدت نفسها اليوم في الواجهة، امام موجات أكبر من اللاجئين من هذه الحرب، وهي موجة لم تشهدها أوروبا مند نهاية الحرب العالمية الثانية التي قتلت وشردت عشرات الملايين بأوروبا وباقي العالم. هذا الموقف الإنساني الأوربي تجاه شعب اوربي اخر، وهذه الماسات الإنسانية التي دفعت أكثر من أربعة ملايين أوكراني لمغادرة ديارهم خاصة من الأطفال والنساء، وهذه السرعة في توفير المساعدات وأماكن الايواء، قسمت العالم بين مؤيد لهذا النبل والتضامن وبين من اعتبروا ان الاوربيين يكيلون بمكيالين، وان نفس التضامن غاب مع لاجئين من مناطق أخرى من العالم.
يتمنى العاملون في الجمعيات والمنظمات العاملة في مجال الهجرة واللجوء، ان يستمر هذا السلوك النبيل بأوروبا، وهناك من يدعو الى استعمال هذه الماسات بأوروبا من اجل وضع سياسة جديدة للجوء والهجرة موحدة بين بلدان الاتحاد و يغلب عليها التضامن والإنسانية بعد ان قسم هذا الموضوع بلدان الاتحاد و رفضت بلدان اوروبا الشرقية اية سياسة منفتحة في هذا المجال، وتجد نفسها اليوم في عين الاعصار، بعد حرب روسيا على أوكرانيا، وبدون مساعدة وتضامن باقي البلدان الاوربية لا يمكنها مواجهة أوضاع عدة ملايين من اللاجئين والفارين من الحرب . وأصبح سكان هذه البلدان التي خرجت من المظلة السوفياتية يتخوفون على مصيرهم، وان الوضع الذي عاشته بلدان مثل سوريا والعراق وافغانستان واليوم أوكرانيان يمكن ان يتعرضوا له في اية لحظة في حالة توسع الحرب الروسية الأوكرانية.
اليوم باقي العالم يرى ويراقب اوروبا، ويحي هذا التضامن الإنساني مع الأوكرانيين الذي غاب، وللأسف، عندما مست الازمة لاجئين وفارين من الحرب من مناطق أخرى من خارج اوروبا، وكانت المانيا هي الاستثناء الأوربي في استقبال اللاجئين السوريين وبكثافة. وسياستها في هذا المجال، حفظت ماء وجه أوروبا وغطت سلوك الميز والكيل بمكيالين في التعامل مع قضايا اللجوء والذي نهجته اغلب بلدان القارة العجوز.
فر أكثر من 4,1 ملايين لاجئ أوكراني من بلادهم منذ الغزو الروسي في 24 فبراير، حسبما أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولم تشهد أوروبا مثل هذا التدفق للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. وحوالي 90% من الذين فروا من أوكرانيا هم من النساء والأطفال.
وأكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن حوالي مليوني طفل بين الفارين. وتستقبل بولندا، التي عرفت بسياستها المتشددة نحو اللاجئين من خارج اوروبا، وحدها أكثر من نصف عدد اللاجئين الذين فروا من أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي.
وقد بلغ عدد من لجأوا إلى روسيا، هي الأخرى، حوالي 350,632 شخصا حتى 29 مارس وفق آخر الأرقام المتوفرة، وذكرت مفوضية اللاجئين أيضا انه بين 21 و23 فبراير، عبر 113 ألف شخص من الأراضي الانفصالية الموالية لروسيا في دونيتسك ولوغانسك إلى روسيا.
كما استقبلت بلدان أخرى من البلدان المتاخمة لأوكرانيا والتي تعد جزءا من منطقة شنغن (المجر وسلوفاكيا) بالإضافة الى بولونيا، عددا مهما من اللاجئين لكن أكثر من النصف استقبلته وارسو. وإذا تم الرجوع الى قاعدة ديبلان في قضايا اللجوء والهجرة، فان بولونيا ورومانيا هم بلدا الوصول للأوكرانيين، وهم من عليه دراسة طلب اللجوء وكذا الاحتفاظ باللاجئين فوق اراضيهم.
لكن بلدان أخرى بشرق اوروبا مثل رومانيا ومولدافيا، وهما من أفقر البلدان في أوروبا، والمجر وسلوفاكيا، استقبلت كل منها أيضا مئات الآلاف من اللاجئين القادمين من أوكرانيا.
هذا التضامن مع اللاجئين هو سلوك راقي، لكن نفس التضامن غاب على اغلب الاوربيين تجاه اللاجئين والمهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، وطلبت بعض بلدان اوروبا الشرقية وعلى راسها بولندا والمجر بروكسيل بتمويل بناء الاسلاك الشائكة على حدودها، ولو تقم بمجهود لحماية الفارين من جحيم العنف في سوريا وأفغانستان من النساء والأطفال.
هذه الحرب خلقت ندرة في بعض المواد الغذائية خاصة القمح والطاقة، وجعل الأسعار ترتفع بشكل لا مثيل له، والجميع ينتظر اوروبا وما ستقدمه لعدد من سكان مناطق يعانون من الحرب والنزاعات سواء في سوريا، اليمن، اثيوبيا، وأفغانستان وفنزويلا. وهل سيتم دعم المنظمات الإنسانية بهذه المناطق.
هذه الحرب الروسية على أوكرانيا هي فرصة لإصلاح قانون الهجرة واللجوء بأوروبا، الذي قسمها لعدة سنوات، وتسبب في عدة أزمات سياسية ،ورفع من قوة وحضور الأحزاب اليمينية الفاشية، اليوم الراي العام الأوربي مؤهل لقبول اصلاح قانون الهجرة، خاصة قاعدة " ديبلان" التي تنص على انه يتم إعادة المهاجر او اللاجئ الى البلد الذي وصل اليه لأول مرة، وهو ما يعني انه في حالة تطبيق هذا القانون يتم إعادة اغلب اللاجئين الأوكرانيين الى بولونيا، وهنغاريا وسلوفاكيا من الصدف الماكرة هي ان هذه البلدان هي التي كانت تعارض في السابق هذا الإصلاح وتطالب بإعادة الوافدين الى اليونان وإيطاليا او اسبانيا باعتبارهم بلدان الوصول.
عندما توافد على أوروبا مئات الالاف من الفارين من الحرب السورية، ومن مناطق أخرى من العالم، سنة 2015 رفضت اغلب بلدان اوروبا هذا التضامن خاصة بلدان اوروبا الشرقية الفقيرة، بل طالبت ببناء اصوار شائكة، وطالبت من بلدان الجوار الأوربي مثل تركيا وليبيا والمغرب تدبير هذا الملف على أراضيها مقابل الحصول على دعم من اوروبا. وهي سياسة اتسمت بالأنانية وغياب التضامن، وهو ما يفسر قرار عدد كبير من بلدان العالم اختيار الحياد في هذه الحرب الاوربية -الاوربية التي تجري بأوكرانيا.