الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

نجيب الزيلالي: حرب بوتين الجيوبوليتيكية الذكية والمأزق الأمريكي

نجيب الزيلالي: حرب بوتين الجيوبوليتيكية الذكية والمأزق الأمريكي نجيب الزيلالي
يرى كثيرون من الخبراء والمحللين السياسين والاستراتيجيين  أن الدولة أو الدول المرشحة للقصف  الروسي هي إما جورجيا أو مولدوفيا أو هما معا بحكم الماضي الحربي بينهما، وكذلك بحكم انتمائهما سابقا إلى الاتحاد السوفياتي، أقول لهؤلاء أنتم مخطئون..لماذا  ؟ 
أولا: علينا أن نعي جيدا طبيعة الحرب التي يخوضها بوتين حاليا فهي حرب غير اعتيادية ، ليست بحرب احتلالية او حرب للاستيطان الترابي بل هي حرب ذات طبيعة جيوبوليتيكية خاصة ترمي إلى " الهيمنة الإقليمية " هيمنة ذات طبيعة "  أوراسية جديدة  " وتتطلب الكثير من الانضباط الاستراتيجي والتكتيكي معا ولها عناصر كمية مقياسية لا تهمنا كثيرا و إن  كان لها جانب من الأهمية ،  بجانب عناصر كيفية حاسمة من قبيل ( العرق - اللغة - الدين ) وسنرى كيف ذلك في هذا المقال في الأسطر القادمة .
ثانيا :  وبعجالة سريعة فإن جورجيا مثلا ليست ذات أهمية في الحرب الحالية لأنها أولا ليس بها سكان روس كثر حيث لا يمثلون إلا 1.5 ٪ من سكان جورجيا فضلا على أنهم عرق مشتت لا يستوطن جغرافيا Géo  مكانا ما ذا قيمة سياسية politique  ، وبالتالي جورجيا لا توفر "  الثالوث المقدس " لبوتين، وهو ( العرق - اللغة - الدين  ) .
ثالثا : وبعجالة كذلك فإن مولدوفيا كدولة معترف بها دوليا لا تتوفر إلا على منطقة واحدة بها روس معروفة بنزعتها الانفصالية وهي منطقة حدودية ميتة لا قيمة لها جيوبيوليتيكيا وهي المعروفة تحت اسم " ترانس نيستريا " وهي مكونة تقريبا من 50٪ روس إضافة إلى عرقيات أخرى متنوعة  .
منطقة دول بحر البلطيق هي الأكثر ترشيحا، لكن لماذا، وأين ذلك بالضبط ..؟ 
 أولا : لا ننسى أن كل متاعب روسيا الحربية مع أوكرانيا تأتي من بحر البلطيق هذا الأخير يعتبر الشريان الأساسي المائي  الوحيد بالمنطقة وهو يشبه إلى حد كبير قناة السويس المصرية وسأقول لكم لماذا هذا التشبيه بالضبط في الفقرات الآتية.
ثانيا : إذا ما تمعنا قليلا في خريطة دول البلطيق  الجيوعرقية  نجد أن هناك مدينة اسمها " بودلاسكي" هاته الأخيرة أغلب سكانها من أصل روسي ومن بلاروسين من أصل روسي وأوكرانيين من أصل روسي، وبها ممر بحري فريد من نوعه يسمى نهر " سوالكي ". السؤال الآن..وماذا بعد ؟ 
 هاته المدينة بها سكان من عرق روسي وهي مدينة انفصالية على طول النهر المذكور أعلاه، وبالتالي يمكن اعتبارها مقاطعة روسية أو " أرض نار " محتملة بالمعنى الجيوعسكري، لأنها تتوفر على كل عناصر الثالوث المقدس ( عرق سلافي - لغة روسية - ثم مذهب أرثودوكشي متشدد) عكس الكاتوليكية المهيمنة في بولندا، وبالتالي قطع الإمداد .
إذا، اذا كانت روسيا ستضرب دولة أو منطقة ما  فهي ستضرب حتما منطقة من  دول بحر البلطيق وكما هو معروف  فهم ثلاثة دول (إستونيا - لاتيفيا - ليتوانيا ) لأنه على مستوى هاته الدول الثلاث توجد كل من لينينيغراد وكالينيغراد الروسيتين، وبحكم أن روسيا لا تلتصق ترابيا بكالينيغراد، فإن البداية الحتمية هي من الممر البحري "  السوالكي " أي من جهة الدولة الصديقة لروسيا ألا وهي بلاروسيا بالإضافة إلى أن مدينة " بودلاسكي " تشبه كثيرا كل من دونيستك ولوغانسك المنفصلتين تشبه منطقة الدومباس ومثل هاته الأراضي هي استراتيجية لروسيا حيث تعتبرها " أرض نار آمنة "  لتوفر كل العناصر الضرورية .
الآن سنعود لقناة السويس المصرية ولماذا أدرجناها في التحليل، لأننا نعلم كيف أن السفينة التي علقت هناك أدت الى توقف الإمدادات الدولية والتجارة العالمية ومثل هذا هو ما ستقوم به روسيا وهذا ما سيزعج جدا أمريكا حالة حصوله لأن أمريكا ليس في حسبانها تجرؤ روسيا على دولة عضوة في حلف الناتو هذا إن لم تقصف كوسوفو صربيا التي تنتظر فقط الفرصة المواتية، وهاته ستكون مفاجأة القرن 21 .