الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

أمين بوشعيب: إلى وزير العدل المغربي.. أنتم رجال سياسة وليس رجال دولة

أمين بوشعيب: إلى وزير العدل المغربي.. أنتم رجال سياسة وليس رجال دولة أمين بوشعيب

وأنا أتابع أخبار الوطن الحبيب، يستفزني أحيانا بعض السياسيين بتصريحات تثير القرف والاشمئزاز في النفوس، وتبعث على السخط مما آلت إليه الأمور على أيدي سياسيين تافهين لا تندى جباهكم خجلا مما يقولون.

فخلال لقاء نظمه حزب الأصالة والمعاصرة، الأسبوع المنصرم بمراكش، قال عبد اللطيف وهبي رئيس هذا الحزب: “إن حكومة عزيز أخنوش هي حكومة رجال الدولة، منشغلة بالإكراهات والتحديات وليس المزايدات” وقال كلاما آخر استعرض فيه منجزات الحكومة التي لم تقع، وأكد أنها ستقع، رغم كيد الكائدين وتشويش المشككين.

لكن ما استفزّني في هذا الكلام هو إقحامه لمصطلح كبير في ثنايا كلامه حين وصف حكومة عزيز أخنوش الذي هو أحد أعضائها بحكومة «رجال الدولة" كيف استحقوا هذا الوصف العظيم؟  لأنهم كما قال منشغلون بالإكراهات والتحديات وليس بالمزايدات.

هكذا، فرجل الدولة بالنسبة لعبد اللطيف وهبي، هو ذلك الشخص المنشغل بالإكراهات والتحديات وليس بالمزايدات. لكن عندما نبحث عن المفهوم المتعارف عليه لهذا المصطلح، نجد أن "رجل الدولة يختلف كثيراً، بل جذرياً عن رجل السياسة، فرجل الدولة هو رجل السياسة الذى يتقن فنون السياسة، ويوظفها لخدمة النفع والمصلحة العامة، هو من يضع نصب عينيه مصالح دولته، يؤمن بالدولة والوطن والشعب كل الشعب، ويسخّر كل قدراته وإمكاناته لحماية مصالح دولته، والحفاظ على أمنها وتقدمها وازدهارها. رجل الدولة هو رجل السياسة مضافاً اليه كل القيم العليا للدولة، وكل المثل العظمى للسياسة، وكل المعايير المعتبرة للقانون"

فهل في حكومة أخنوش أحد بهذه المواصفات؟

بطبيعة الحال فهذا المواطن "رجل الدولة" الذي يشرف بحمل هذا المصطلح، يتمتع بقيم ومقومات لا يمتلكها غيره، وبالتأكيد هي التي دفعته لممارسة هذا الدور الجليل، يأتي في مقدمتها قيم الإيجابية، والمبادرة، والعملية، والإيثار بتقديم الهم والشأن والمصلحة العامة على الخاصة، كما يمتلك قدراً من مهارات وأدوات العمل التنظيمي والإداري والقيادي.

فهل السيد عبد اللطيف وهبي الذي يطلق الكلام على عواهنه، يمتلك شيئا من هذا؟ لا أظن.

كل ما نعرفه عن هذا الرجل هو أنه يمتلك لسانا طويلا، يقول الشيء ويفعل ضده، فلا يزال المغاربة يتذكرون تصريحاته أثناء حملاته الانتخابية لاستحقاقات 2021 التي قال فيها بأنه لن يقبل أن يكون وزيرا في حكومة لا يرأسها هو، لكنه بعد ذلك قَبِل بأن يكون وزيرا في حكومة يرأسها غريمه في الانتخابات عزيز أخنوش، بدعوى أن أعضاء حزبه هم من فرضوا عليه أن يكون وزيرا. وإمعانا في إذلاله فقد أُسندت إليه حقيبة وزارية فارغة، هي وزارة العدل بعدما استقلت عنها مؤسسة النيابة العامة، لكنه بلع لسانه ولم ينطق ببنت شفة.

هذا الرجل الذي لا يزال يتلمس الطريق نحو الزعامة السياسية، رغم أنه لا يمتلك منها شيئا، يظن أن لسانه السليط سيجعل منه رجل دولة، لا أريد أن أتحدث عن معاركه مع خصومه السياسيين فهي كثيرة: فقد هاجم الأحزاب وأمنائها العامين، وهاجم البرلمانيين، وهاجم ما سمّاه الإسلام السياسي، وهاجم حتى السلطة التي صنعت الحزب الذي يرأسه، وبات مهووسا بمهمة "مقدسة" وهي تغيير صورة الحزب الذي ترأسه بعد أن قاد انقلابا على أمينه السابق السيد حكيم بنشماس. إنه يريد أن يسلخ عنه جلده الذي ولد به كحزب "إداري" صُنع تحت إشراف وزارة الداخلية، لمواجهة مد حزب العدالة والتنمية.

فهل بعد هذا يمكن أن نجد للرجل مدخلا لنصنّفه في طبقة "رجال الدولة"؟

نعم قد تكون منشغلا بالإكراهات والتحديات ولا تلتفت للمزايدات، ولكن هل تفعل ذلك حبا في الوطن بدون مقابل؟ وما هي المواهب والقدرات والموارد التي قدّمتها لخدمة مجتمعك ووطنك الذي تنتسب إليه؟ قل لي ماذا تمتلك من قيم ومقومات لا يمتلكها غيرك، تدفعك إلى تقديم المصلحة العامة على الخاصة؟

فما أنت إلا رجل سياسة همّك الأول والأخير أ تحريك الجماهير وحشدهم خلف حزبك، لتحقيق مصالحه (أن يتصدر الانتخابات) ومصالحك الشخصية (أن تصبح وزيرا) فإذا وصلت إلى السلطة فها نحن نرى كيف تمارسها، فأنت تمارسها بمنطق المصلحة الحزبية أو الشخصية، لكنك تفتقد كثيرا لمهارات وقدرات رجل الدولة.

فلاش: عبر تدوينة على حسابه الرسمي بموقع “فايس بوك هاجم الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محند لعنصر، وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، قائلا : “يبدو أن وزيرنا في العدل (زعما) والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة له عقدة مع الحركة الشعبية. فهو الذي يعرف كل شيء عن المغاربة فعليه أن يعرف لماذا وكيف بقي محند لعنصر على رأس الحركة الشعبية كل هذه المدة”. وأضاف لعنصر في ذات التدوينة: “كان من الأجدى أن يعمل السيد الوزير على تصحيح، إن أمكن، الأخطاء والتجاوزات العديدة التي ارتكبها في مثل هذا الوقت الوجيز بعد دخوله حكومة عزيز أخنوش. اما أنا فلن أنحدر إلى مستواه لأذكره بجميع الاوصاف غير المشرفة التي يلقب بها من طرف المغاربة على العديد من الشبكات الاجتماعية. فلكل ثقافته!”.

هذا نموذج بسيط من المعارك التي يفتعلها عبد اللطيف وهبي بنفسه ليخوضها بلسانه، ولإن الطبع يغلب التطبع، فهو لم ينس طبعه حتى وهو وزير. قد يكون مقبولا أن يفعل ذلك أثناء خوض معارك الحملات الانتخابية، لكن أن يستمر في مهاجمة الناس بلسانه الحاد وهو وزير، فهذا ما يبعث على الاستغراب والاشمئزاز، وعلى أيّة حال فهذه الأفعال الشنيعة لا يقترفها رجال الدولة.