السبت 27 إبريل 2024
فن وثقافة

مشروع قراءة جديدة في قصيدة "اَلْعَلْوَةْ" بنفحة صوفية من "عِلْمِ" الباطن (ح/1)

مشروع قراءة جديدة في قصيدة "اَلْعَلْوَةْ" بنفحة صوفية من "عِلْمِ" الباطن (ح/1) الباحث عبد الرحيم شراد بجانب ولد قدور وبناية القبة

هل أغنية "العلوة" هي قَصِيدَةْ صوفية، أم عَيْطَةْ أو سَاكَنْ؟ وهل تعرض النص الأصلي للتحريف والتشويه والبتر والزيادة فيه؟ الجواب عن هذا السؤال يأتي في سياق البحث الذي قام به الباحث عبد الرحيم شرّاد مرتكزا على معيطات ذات الصلة بالسياق التاريخي، وشهادات فنانين، وزياراته الميدانية لمنطقة الشاوية. و اعتمادا على منشوراته وفي سياق بحثه واقتفائه أثر الشاعر الزجال، المتصوف "سيدي امحمد البهلول"، و الذي أدرك الكثير من أسرار عِلْمِ الباطن .وفي هذا الإطار يقول الأستاذ عبد الرحيم شرّاد بأنه كلما توصل إلى معلومة إلا و زاد يقينه بأن (قصيدة العلوة) هي من كلام هذا الشاعر الذي عاش في القرن 17 الميلادي" .

وتعميما للفائدة وفتح نقاش في الموضوع تنشر جريدتي "الوطن الآن" و "أنفاس بريس" أجزاء من منشورات الباحث عبد الرحيم شراد.

 

قصيدة صوفية وصفت ذهاب امحمد البهلول إلى الحج وعودته من الزيارة

تحدث عبد الرحيم شرّاد في منشوراته البحثية في نفس قصيدة "العلوة"، عن بعض الإشارات الواردة في ما جمع من شذراتها الضائعة (أي قصيدة العلوة)، والمرتبطة بـ "ذهاب الشيخ امحمد البهلول، إلى الحج وعودته". مستندا على الفترة التاريخية التي عاش فيها الرجل الصوفي، مؤكدا على أن "أقرب نقطة للإلتحاق بركب الحجاج هي المنطقة التي كان يقيم بها أهل (بْدَاوَةْ) وهم من عرب شبه الجزيرة العربية، ويطلق عليهم (الجَمَّالين) أو (حَمَّارات النبي) لأنهم كانوا يتكلفون بمهمة قوافل السّفر لحجاج مناطق هضاب الشاوية العليا ، إلى البقاع المقدسة".

وأشار الأستاذ عبد الرحيم شراد، إلى أن الشيخ (سيدي امحمد البهلول) كان ينوي الحج وزيارة قبر النبي بمكة المكرمة، لكنه تخلف عن الموعد ولم يستطع أن يلحق بركب الحجاج. وفي ذلك يقول في كلمات القصيدة: "خَلِّيوْنِي نَبْكِي. خَلِّيوْنِي نَشْكِي. عْلَى زْيَارَةْ جَدِّي. مْنِينْ سَارُوا مَا عَلْمُونِي. جَدِّي كُلْ مَا نْـﯕُولْ نْجِيكْ. يْشَدْنِي اَلزْمَانْ عْلِيكْ".

 

وحسب نفس الباحث فإن المقصود بـ "اَلْجَدْ" هو الإشارة للنسب الشريف. فالشاعر من الأشراف الأدارسة الذين ينتسبون لآل البيت، و سفره إلى الحج سيتم في فرصة أخرى وفي هذا يقول الشاعر مخاطبا المكلف بركب الحجاج: "أَنْتَ سِيدْ اَلْحَجَّاجْ. اعْطِينِي مَا نَحْتَاجْ. ﯕَوَّدْ اَلسْفِينَةْ لَتَعْوَاجْ. رَبِّي يَجْعَلْ لِينَا فَرَجْ " .

 

إن "سَيَّدْ اَلْحَجَّاجْ" حسب رأي الباحث عبد الرحيم شرّاد، و الذي وردت الإشارة إليه في قصيدة "اَلْعَلْوَةْ" ليس المقصود به الولي الصالح سِيدِي حَجَّاجْ دفين أولاد مْرَاحْ كما يعتقد العامة وهم يتغنون بـ "العلوة" . و إنما هو المشرف عن الرحلة من قبيلة (بْدَاوَةْ) .

 

 أما قوله: "اعْطِينِي مَا نَحْتَاجْ" فمعناه طلب الشيخ أمحمد البهلول، من المشرف على رحلة الحج أن يذكر له ما يلزمه من أغراض و لوازم للسفر . حسب منشور الشرّاد الذي أكد على أن معنى "اَلسْفِينَةْ" فالمراد بها الإشارة إلى "الجَمَلْ" حيث من المعروف عن هذا الحيوان في اللسان العربي أنه "سفينة الصحراء" .  إضافة إلى أن الشاعر يسأل الله أن يجعل لركب الحجاج في هذا السفر فرجا، و بالفعل هذا ما سوف يتحقق وسيصل الشاعر إلى مكة.

 

في مكة المكرمة، سينبهر "سيدي امحمد البهلول" بمنظر الحجاج وهم يطوفون حول الكعبة حيث قال في نفس القصيدة: "هَزْ عَيْنِيكْ وُشُوفْ. اَلْكَعْبَةْ كَاعْ سْيُوفْ. مَادَى مَنْ رْجَالْ تَطُّوفْ. بِسْمَاطْ وُ رِيحِيَّةْ " . وكلمة "اَلرِّيحِيَّةْ" تعني هنا النعل الخفيف "اَلْخُفْ" الذي يلبس في القدم، و "السْمَاطْ" هو ما يرتديه الحاج من لباس . أما "اَلسْيُوفْ" فهي إشارة إلى الإفتخار بقوة رجال المسلمين (ألا نقول ، مثلا عن خالد بن الوليد ، أنه سيف الله المسلول؟)

 

إن ذهاب سيدي محمد البهلول إلى الحج مع ركب (بْدَاوَةْ) سيتأكد عند عودته إلى قبيلته حيث سيتم الإشارة في نظمه إلى أول منطقة سوف يشرف عليها وهو على مقربة من القبيلة و هي منطقة (الأحواض). وهي منطقة خصبة من أرض البْهَالَّةْ بها أغراس و بالقرب منها بئر توجد إلى حدود اليوم تسمى "بِيرْ دْعَيْكَرْ" .

 

في هذا السياق يقول سيدي امحمد البهلول " رَﯕَّبْتْ عْلَى لَحْوَاضْ. سْمَعْتْ صْوَاتْ اَلْحُفَّاظْ (أي حفظة القرآن و هم يتلون آيات الذكر الحكيم). عْرَفْتْ خَيْرْ رَبِّي هَذَا فَاضْ. وُ اَلْعَمَلْ عْلَى اَلنِّيَّةْ" . إن منطقة الأحواض يؤكد الباحث عبد الرحيم شرّاد كان يستقر بها أحد أبناء الشيخ امحمد البهلول، وهو سيدي عبد الله، وكان معروفا عنه أنه رجل فقه وعلم بأمور الدين. لذلك ليس غريبا أن يسمع سيدي امحمد البهلول وهو قادم من الحج أصوات حفظة القرآن في هذه المنطقة بالضبط.

 

قصيدة "العلوة" تعرضت كلماتها إلى التحريف

 

إن "العلوة" ليست عيطة و لا حتى "سَاكَنْ " كما يدعي البعض (في إشارة إلى الفنان حجيب فرحان وغيره) . بل هي كما أقول قصيدة ضاع الكثير من معانيها و كلماتها بفعل تداولها على لسان العامة حتى انتقلت إلى يد المطربين الشعبيين على عصرنا ففعلوا بها ما نسمعه الآن في الأعراس والحفلات أو السهرات التلفزيونية و هو كلام محرف في غالبه عن معناه الأصلي. حسب بحث الأستاذ عبد الرحيم شراد

 

"عَنْدي جُوجْ حْمَامَاتْ / فِي السَّرْجَمْ يْبَاتُو / اَلِّلي مَا صَلَّى الأوْقاتْ / يَتْعَزَّا فِي حْيَاتُو".

 

انطلاقا من هذه الأبيات الشعرية  من قصيدة "العلوة"، يعتقد نفس الباحث قائلا: "حسب رأيي، هكذا يستقيم معنى هذه الرباعية من قصيدة العلوة. فكلام الصوفية كله تلميح وإشارات. لذلك فكك الباحث رمزية ودلالة الشطر الأول: "جُوجْ حْمَامَاتْ" بالقول: أنه يرمز إلى "صلاة النوافل في الليل، ركعتان، ركعتان" . أما مدلول "اَلسَّرْجَمْ" المفتوحة على السماء ، (النافذة) فهي إشارة للصلة التي تربط الصوفي بخالقه . حيث يقضي الليل في التهجد و الركوع و السجود. ورغم هذا فهو "يقر بالحقيقة الشرعية وهي أن صلاة النوافل لا تسقط الصلاة المفروضة من صبح وظهر وعصر ومغرب وعشاء". هذا ما يسميه بـ "الأُوقَاتْ". و كل مخالف لهذا الشرع فهو في عداد الميت، لا يستحق إلا العزاء .

 

ويتأسف الباحث عبد الرحيم شرّاد للتحريف الذي وقع لقصيدة "العلوة" ذات النفحة الصوفية بالقول: "للأسف جل المطربين الشعبيين قاموا بتحريف هذه الرباعية، عن جهل . حيث يقولون بدل "اَلِّلي مَا صَلَّى الأُوقَاتْ"، كلاما فيه الكثير من خدش الحياء. مثل: "اَلِّلي مَا عَنَّقْ اَلزِّينْ". أو "اَلِّلي مَا شْرَبْ اَلرُّوجْ".

وهذا واحد من الأسباب التي جعلت الباحث ينكب على دراستها و يثير الحديث في قصيدة "العلوة". لأنها تكاد تكون من أكثر القصائد التي تعرضت كلماتها ومعانيها للتحريف على يد المطربين الشعبيين .