الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

كمال السعيدي: التحالف الروسي الصيني الذي يخيف الغرب.. 

كمال السعيدي: التحالف الروسي الصيني الذي يخيف الغرب..  كمال السعيدي
كنت قد أشرت سابقا إلى أن ما يخيف الغرب هو نجاح روسيا والصين في نسج تحالف إستراتيجي بينهما .. تحالف بين القوة العسكرية والقوة الإقتصادية ،وزعمت بأن هذا التحالف في حال تحققه قد لا يستطيع مواجهة الغرب دون معالجة التناقضات القائمة بين مصالح روسيا ومصالح الصين ..  ودون صياغة جواب على سؤال النموذج الذي سيقدمانه للعالم كبديل عن النموذج الذي يسوقه الغرب على المستوى الإيديولوجي من خلال بعض القيم والشعارات الليبرالية .. 
 
ولتعميق تصوري حول هذه المسألة حاولت الإطلاع على بعض الأفكار التي يسوق لها الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين والذي يقال بأنه العقل الإستراتيجي لبوتين .. دوغين يدافع عن القيم التقليدية وأعداؤه هم الليبرالية الغربية والنازية الجديدة إستمعت كذلك إلى الحوار الذي أجرته معه قناة الجزيرة ،فأصبحت أنظر إلى الصراع الجاري في أوكرانيا من زاوية جديدة قد يكون لها أيضا دور تفسيري لما يحدث، وقد تجيب على سؤال النموذج الذي طرحته منذ شهر  ..
 
الحرب في أوكرانيا هي من زاوية ما تجسيد واقعي لما أسماه صامويل هنتيغتون بصراع الحضارات.. ونفي نهائي لمقولة نهاية التاريخ لصاحبها فرانسيس فوكوياما .. كيف ؟؟ 
في جواب ألكسندر دوغين عن سؤال المحاور عن قناة الجزيرة حول النموذج الذي تريد روسيا تقديمه لشعوب العالم ،رد الضيف بأن روسيا لا تريد أن يفرض عليها نموذج الآخر كما لا تريد هي تقديم نموذجها لأحد ..وما على الشعوب والحضارات الأخرى إلا صياغة نماذجها الخاصة بها لمواجهة شمولية المنظومة الليبرالية الغربية المتغطرسة .. ما يهم روسيا من وجهة نظره بعد المحافظة على أمنها ومصالحها هو الحفاظ على خصوصيتها كحضارة شرقية ضاربة في التاريخ، وأنها ترفض أن يصدر إليها الآخرون نموذجهم وقيمهم وهو يقصد النموذج الليبرالي الذي يعتبره كما قلت سابقا منظومة شمولية لا تتسع ولا تستوعب خصوصيات الآخرين .. بالنسبة إليه روسيا دولة عظمى مستقلة ولها مشروعها الحضاري الذي ينبغي إحترامه وتقبله كما هو .. أتصور أن هذا هو نفس الطرح الذي ستدافع عنه كل من الصين وإيران وربما الهند كذلك .. وكلها حضارات ممتدة في التاريخ لدول لا ترى نفسها تابعة لأحد بل تسعى ليتم الإعتراف بها وأن يتعامل معها الغرب ندا لند .. 

هذه الدول العظمى أو الصاعدة لا تريد لنموذجها التوسع إلا في محيطها الحضاري ..أي إمتداد نفذوذها الإقليمي، ولا تسعى لجعل منظومتها الفكرية والحضارية منظومة كونية شاملة، ولا تريدها أن تكون نهاية للتاريخ كما توهمت الليبرالية في لحظة الإنتشاء بالنصر على الإشتراكية نهاية القرن السابق .. استطاع الغرب هزم المعسكر الإشتراكي وتفكيكه وتحققت له السلطة المطلقة في مرحلة العولمة.. ولكنه لم يحسن التعامل مع الآخرين ولم يستطع بناء منظومة عالمية تقوم على قواعد العدالة والديمقراطية في العلاقات الدولية لكي يتحقق توازن المصالح ويسود السلام في العالم .. فكان من الطبيعي أن تظهر أنواع من المقاومة تشعل بدورها حروب وصراع الحضارات .. 

ويمكن اختزال هذه المقاومات من الناحية السياسية في ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي سيؤجي لافروف بأن بلاده ترفض أن يكون العالم مجرد بلدة يحكمها  " shérif " يأمر وينهى ويقول له الآخرون " yes sir " ..