الأحد 12 مايو 2024
كتاب الرأي

جميلة رحماني: الساحة أضحت ممهورة بـ”فصاحة” الجموع المقهورة وغياب المثقفين

جميلة رحماني: الساحة أضحت ممهورة بـ”فصاحة” الجموع المقهورة وغياب المثقفين جميلة رحماني
للحديث عن دور المثقّف في التّغيير يجب علينا بدءا تحديد ما نقصد بـ’’المثقف’’، لأن مفهومه متحرّك غير ثابت، أثار جدلا واسعا وأسال حبرا رقراقا. هل نقصد بالمثقف كل من يشتغل على التفكير في الأفكار وصنعها، أم من يضع نصب عينيه استخدام معارفه ومهاراته في الكلام والكتابة لتحقيق غاياته الكبرى: شجب الظلم حيثما وُجد، والكفاح من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، أو بتعتبير آخر من ينتج أفكارا، ويقدم حلولا، وينقد مجتمعه من الهموم، ويقود عمليّة التّغيير؟ 
فإذا اتفقنا جدلا أن مفهوم المثقف الذي سنتبناه يستند بالأساس على دوره الاجتماعي، أي الملتصق بهموم وطنه والمنافح عن الطبقات الكادحة، والمدافع عن الحق، والرافض لكل أشكال الظلم. 
سيبقى السؤال الحارق  مطروحا: أين أضحى هذا المثقف إذا كانت هذه هي صفاته وهذا هو دوره  مما يجري حوله؟ وما موقعه في المشهد الراهن الذي يعيشه المجتمع؟ 
لن نجانب الصواب إذا أقررنا أن هناك  مشاكل عدة تعاني منها شريحة عريضة من المجتمع، وقضايا مستعصية تغرق فيها ولا منقد. غاب عنها صوت المثقف، فلم نشهد له استنكارا، ولم نجد له مواقف صريحة إزاءها. فلم يسعَ بلهفة لتبنيها، ولم يبحث بشغف عن تفسير لها، ولم يفكر بجدية في إيجاد حل لها..فكانت مشاركة بعضهم جد محتشمة في الاحتجاج مع المواطنين ضد الغلاء ورفع الأسعار، أو كادت شبه منعدمة حين تخص ضرب الحريات. وعندما يكون تضامنهم مع بعض المتضررين في بعض القضايا البسيطة فلن يتعدى تدوينة خجولة مموهة لن تحرك الماء الراكد، أو توقيع عرائض سينمحي بمرور الوقت ويتقادم، أو اقتراح بيانات تنشر في مواقع رقمية تكون حكرا على من يرتادها، فئة قد لا يهمها الأمر. ليستأنف بعد ذلك المثقف  نشاطاته ويعود إلى برجه منذرا  بنهاية دور النخبة المثقفة في تحريك الشارع وغيابها عن تغيير المجتمع، ومفرغا من ثم الساحة التي أضحت ممهورة بـ: “فصاحة الجموع المقهورة وغياب المثقفين”.
فرضيَ بذلك “المثقف” أن يكون شاهداً على الحدث لا فاعلاً فيه، غير قادر على المشاركة في صنع القرار، يستنكر بقلبه لا بقلمه مخافة فقدان راحته الوهمية أو ضياع حلم وردي طالما انتظره أو خسارة مزايا موعودة. وفضّل الانحياز إلى الضفة الهادئة التي تضمن له استقرارا نفسيا وماديا كي ينتج ويبدع وهو مطمئن. ولا ريب في تراجعه عن الدفاع عن حقوق أبناء جلدته والنضال من أجل استردادها  مرده الاعتقاد في أن هذه المسؤولية تقع أساسا على كاهل الأحزاب السياسية.
إلا أن جذوة الأمل تظل موقدة وانبلاج فجر ثقافة جديدة قريب سيصنعها عدد من المثقفين الأحرار يعملون بصمت في فضاء شهرزادي جديد. مثقفون تخلوا عن الاستقرار الوهمي واختاروا السبيل الأكثر صعوبة، وسعوا إلى تفجير الصخرة “السيزيفية” الجاثمة على مجتمعاتنا. فالخير باق في كل من آمن بالحق وشهد بحتميته.
جميلة رحماني، دكتورة في الأدب