السبت 11 مايو 2024
كتاب الرأي

علي امقران: قراءة في المادة 175 من مدونة الأسرة

علي امقران: قراءة في المادة 175 من مدونة الأسرة علي امقران
اتصل بي أحد الأصدقاء وهو محامي ومن الباحثين في الشريعة ليناقش معي موضوع القرابة وأنواعها، وقد كان الغرض الأساسي من اتصاله بي، هومناقشة المادة 175 من مدونة الأسرة.

ولأشرك معي جميع القراء الأعزاء والمتتبعين في مناقشتي مع الصديق المحامي، لابد أن أحيطهم علما بما حملته هذه المادة في طياتها. 
تنص المادة 175 من مدونة الأسرة المغربية، أن زواج المرأة المطلقة-الحاضنة، لايسقط حضانتها لأولادها في الأحوال التالية:

أولا: إذا كان المحضون لم يتجاوز سبع سنوات، أو يلحقه ضرر من فراقها. 
ثانيا: إذا كان بالمحضون علة أو عاهة، تجعل حضانته مستعصية على غير الأم. 
ثالثا: إذا كان زوجها قريبا محرما، أو نائبا شرعيا للمحضون. 
رابعا: إذا كانت نائبا شرعيا للمحضون. 

مناقشتي سوف تكون للحالة الثالثة، كون هذه الجملة غير مفهومة، بل غير مستساغة، وأنا أستسمح السادة القضاة،  والسادة العدول، والسادة المحامين، خصوصا من سيقرأ مقالي هذا أن يشرح لي إن أخطأت في فهمها ولم أستسغ معناها.. 
ماهو معلوم بالضرورة أن الأم مادامت هي الحاضنة لولدها، فلا يخرج الأمر عن حالتين: 

-الحالة الأولى: أن يكون المحضون ولدا ذكرا، وفي هذه الحالة، لا يمكن أن يكون زوج أمه محرما له، لأن الذكر لا محارم له من الذكور، بل له محرمات من الإناث، إما حرمة مؤبدة، كالأم والأخت، أو حرمة مؤقتة كأخت الزوجة، وعمتها، وخالتها.. 

- الحالة الثانية: أن يكون المحضون بنتا، وهنا الإشكال، لأن الذي سيتزوج أمها سيصبح بالضرورة محرما لها، بعد الدخول بأمها.. لأن الدخول بالأمهات يحرم البنات، كما هو مقرر شرعا في قوله تعالى:" حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت. وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة. وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم..." سورة آل عمران [23]. 

فكيف تشترط المادة 175 على الزوج أن يكون محرما، وهو بالضرورة سيصبح محرما لربيبته المحضونة  بمجرد الدخول بأمها، والقاضي سيكون مضطرا لإسقاط الحضانة عن الأم، إذا كان الرجل الذي تزوجها لم يكن محرما لبنتها المحضونة عندها قبل الزواج بها، بنص المادة، وهذا بسبب إهمال تلك الحرمة التي نتجت عن زواجه ودخوله بأمها. 
  
إن حكمة الله اقتضت أن يعيش زوج الأم مع ربيبته في مقام أبيها، فحرمها عليه حرمة مؤبدة مادام ستعيش في حجره، تحت سقف واحد، بمجرد الدخول بأمها، حماية لدينها ودنياها.. فإذا كانت المدونة تبتغي بالشرط الثالث من المادة 175 ماقصده الله عز وجل الله عز وجل من تحريم الرجل على ربيبته، فإنه متحقق بالزواج والدخول بأم الربيبة دون الحاجة إلى اشتراطه مسبقا، لأنه سيكون من باب تحصيل الحاصل. 

ثم إن الدليل على أن المدونة أهملت إن لم نقل أسقطت الحرمة بالدخول بالأم، اشتراطها أن يكون الزوج محرما للمحضونة قبل الزواج بأمها وكان يجب التنصيص على هذا الأمر صراحة بعبارة: (أن يكون الخاطب)، أو (أن يكون من يريد الزواج..)، وحتى في هذه الحالة فإن الأمر متعسر كون محارم المحضونة كلهم تقريبا يستحيل زواجهم بأمها، فمثلا، خالها أخو أمها، لايحق له أن يتزوج بأخته، وأبوها هو المطلق، ولم يبق في هذه الحالة إلا العم، ومن المستبعد أن يطلق رجل امرأة ليتزوج بها أخوه، وإلا كان على المدونة أن تنص صراحة على: أن يكون الزوج أخا لأب  المحضونة، أي عم لها.. ودليل آخرهو اشتراطه أن يكون نائبا شرعيا للمحضونة إن لم يكن محرما لها، فلو كانت العبرة عند المدونة بزواجه بالأم، وأن يصير محرما للبنت لما اشترطت هذا الشرط بعلة حماية مصالح البنت المادية، فالنائب الشرعي قد لا يكون محرما للمحضونة. 

ومايؤكد هذا القصد عند المدونة، وأنها أسقطت الحرمة المؤبدة بزواج الرجل بأم ربيبته هو الشرط الرابع كون الأم نائبا شرعيا، ومفهومه أن الحضانة لا تسقط عن الأم بهذه الصفة حتى لو لم يكن زوجها محرما لبنتها قبل الزواج بها. 
لقد آن الأوان قبل أي وقت مضى لإعادة النظر في بعض مواد وفصول مدونة الأسرة، بما يضمن حقوق الجميع، وإن كنت أقول هذا الكلام، فليس قصدي ماتبتغيه بعض الفعاليات من المساس بمقتضيات النصوص الشرعية القطعية، والله من وراء القصد..

علي امقران /دكتوراه في العقيدة والأديان