الثلاثاء 16 إبريل 2024
فن وثقافة

روح إدريس الخوري بكتاباته الساخرة واللاذعة ترفرف في برنامج "مدارات"

روح إدريس الخوري بكتاباته الساخرة واللاذعة ترفرف في برنامج "مدارات" الفقيد إدريس الخوري
على أمواج الإذاعة الوطنية من الرباط، خصص الإعلامي عبد الإله التهاني حلقة يوم الثلاثاء 22 فبراير 2022 من برنامجه  الثقافي "مدارات"، لسيرة الكاتب الراحل إدريس الخوري، ورحلته الطويلة مع الكتابة الأدبية والصحفية، من خلال إضاءة أثره في الأدب القصصي المغربي، وكتاباته  الغزيرة حول  المسرح والسينما والفنون التشكيلية .
وقد تتبع المستمعون شهادات عن  الكاتب الراحل، تناوب في تقديمها كل من الشاعر والباحث الأدبي أحمد  زنيبر، والكاتب والناقد عبدالعزيز كوكاس. 
وقال الزميل عبدالإله التهاني في  الورقة التقديمية لهذه الحلقة، بأنه كلما ذكر الادب القصصي في المغرب ، إلا وذكر اسم إدريس الخوري، كأحد ألمع كتاب القصة القصيرة في الادب المغربي الحديث، وأحد مبدعيها البارزين ممن راكموا تجربة طويلة ، مطبوعة بكثير من التميز ، سواء من حيث الرؤية الإبداعية، أو أسلوب الصياغة ، أو طبيعة القضايا التي جعلها موضوعات في نصوصه ، مضيفا أنه  شكل  مع محمد زفزاف ومحمد شكري لونا متفردا في الادب القصصي المغربي، وتيارا أدبيا اتسم  بعمق إنساني واجتماعي يقبس من تخوم الواقع المعيش ، ويصور معاناة الناس البسطاء ، في كدهم وصبرهم وكفاحهم من أجل الحياة ولقمة العيش. 
واعتبر أن النصوص القصصية لادريس الخوري ، لا تخلو من جرأة ومكاشفة ،وتعرية لمظاهر الهشاشة المجتمعية، مع تفنن لافت في الوصف ونقل المشاهد من الواقع ، وتصوير الاقدار الصعبة لشخصوص قصصه.
وأضاف التهاني أن الخوري  ظل وفيا لرؤيته وأسلوبه، مصرا على الاستمرار في جعل القصص التي يبدعها ، مرآة لحياة البسطاء ، وقطعة من معاناتهم. وقال إنه
إذا كان هذا هو نهجه كمبدع في أدب القصة القصيرة ، فإنه أيضا لم يخالف هذا النهج أيضا في إنتاجه الصحفي، حيث ظل في جل كتاباته اليومية في الصحافة، وفيا لخلفيته الاجتماعية التي جعلت منه ككاتب وكصحفي ، لا يبتعد أبدا عن الواقع المعيش، بمشاهده وتعقيداته وصعوباته. 
وسجل الزميل عبد الإله التهاني أن  المرحوم  إدريس الخوري ،قد اختط لنفسه خطا متميزا ، يكاد يكون متفردا في صنف الصحافة الثقافية، حيث تميزت ورقاته  اليومية في تتبع الساحة الادبية والفنية ، بدسامتها وطراوتها، مشيرا إلى أنه  يستوي في ذلك ما كان يكتبه عن الأعمال السينمائية، والعروض المسرحية، أو معارض الفنون التشكيلية .  
وأوضح التهاني أن الكاتب الراحل إدريس الخوري ، قد جسد نموذج  الإنسان العصامي الذي كون نفسه بنفسه، وجعل من مدرسة الحياة ، مصدر ثقافته وتكوينه ووعيه ، ونجح في أن ينحت لنفسه مكانة وموقعا بين الاسماء الادبية المغربية التي كانت لها ألقابها الجامعية، وصفاتها الاكاديمية .
 
أحمد زنيبر: كتابات الخوري فيها كثير من الحزن والفرح:
 وضمن شهادته خلال هذه الحلقة ، تحدث الشاعر والدارس الادبي أحمد زنيبر عن شخصية الراحل إدريس الخوري ، مبرزا أنه قبل اختياره القصة مذهبا، كان قد بدأ  العمل في مجال الصِحافة، حيث رف بمقالاته التي حرّرها بأسلوبه الخاص، مزج فيه بين نقد الواقع والسخرية اللاذعة، والعجائبية المدهشة ، مضيفا أنه كتب  عن المهمشين والفقراء والمتسكعين، مثلما كتب عن المثقفين والسياسيين، وانتفض ضد ما يعرفه المجتمع من مفارقات وخروقات.
واستحضر أحمد زنيبر بالمناسبة  دراسته التي كان أعدها ، حول جماليات  القصة القصيرة عند إدريس الخوري، من خلال  مجموعته القصصية  "البدايات"، والتي تضم عشر قصص كتبت ما بين 1967 و 1979 ، مشيرا إلى  أنه وجد فيها كثيرا من الحزن، وكثيرا من الفرح، من خلال عوالم فسيحة ولا متناهية من الدهشة والإمتاع ، عبر  الوصف الدقيق والتشريح العميق لأحوال المجتمع .
ولاحظ أن نصوص هذه المجموعة، ارتبطت بالواقع ارتباطا قويا، فعبرت بذلك عن مشاعر الإنسان، في صمته واحتجاجه، وفي تواطئه واعتراضه؛ مسجلا أن الخوري وهو يتابع هذا اليومي، لم يتخل عن متعة الحكاية، في صورها المتألقة ، وأنه ظل يروم إنتاج كتابة بصرية، تصف حركية الواقع وصيرورته. 
 
الروائي والكاتب الصحفي عبدالعزيز كوكاس: 
الخوري كان معجون حزن لا يوصف .
وبدوره تحدث الكاتب عبد العزيز كوكاس خلال هذه الحلقة من برنامج "مدارات" ، حيث لاحظ بأن الراحل إدريس الخوري ، هو كائن متعدد الأضلاع، ويصعب أن نحصره في زاوية ضيقة، لأنه كان متسعا بحجم اتساع الحياة، و بأن مقروءه كان هو الحياة أكثر من الكتب، مشيرا إلى أن كل شخصية وكل جلسة، كانت لديه كتابا مفتوحا للغوص في الأعماق البشرية ، وبذلك نكون برحيله قد فقدنا كاتبا كبيرا بعمقه الإنساني، وبقدرته على أن يلتقط التفاصيل الصغيرة ، في ذات الآن مع القضايا الكبرى التي كان يصوغها في القصص، أو في مقالات صحفية أو نقدية بديعة .
 
وأكد  كوكاس، بأن الذي منح الخوري هذا الإجماع حوله ، في حياته كما في مماته، هو أنه كان معجون حزن لا يوصف، لكنه نجح في تحويل هذا الحزن والآلام العميقة ، إلى كتابة ابداعية استثنائية، وأحيانا إلى سخرية لاذعة في جلساته، كما في كتاباته الصحفية والنقدية.
وتحدث كوكاس عن  جانب آخر في شخصية الراحل ادريس الخوري ،  يتمثل في القدرة على اختزال الثقافي ، واستذكار الأمكنة التي تعرضت لما يشبه المسخ، حيث تجد دائما  في حديثه ، ذكرا دقيقا لتضاريس جغرافية المدن التي عبرها .
وفي سياق متصل ، قال الكاتب والناقد عبدالعزيز كوكاس ، بأن الخوري كانت له زوايا وأمكنة خاصة ، يرسم بها حدود دائرته التي قد تكون جد ضيقة ، لكنه كان يفسح للزمان أن يوسع حدود الدائرة، بما يجعل للخيال مساحة كبيرة ، لتحويل الأشياء الصغيرة في تلك المساحة، إلى شخوص ناطقة، وإلى حكايات وأحلام.
واستطرد يقول بأن الخوري انتصر للهامشيين وكان صوتهم، لأنه كان يقول الكلام المحتبس في حناجرهم، وكان ناطقا باسم هؤلاء الذين جاء منهم، ونبت بينهم  ولم يفترق عنهم أبدا، لا من حيث الأمكنة، ولا من حيث الشخوص التي كان يختارها في قصصه ، أو القضايا التي كان يعالجها، بل وحتى في سلوكه اليومي،حيث ظل  دائما وفيا لهذا الإنتماء ، مسجلا أن الكاتب الراحل كان يعتبر نفسه ودون أن يكلفه أحد ، كما لو أنه  ناطق رسمي باسم كل هؤلاء الذين همشتهم الحياة ، ممنهم مغتصبون في أحلامهم، ومقصيون من دائرة الاهتمام في السياسات العمومية.
وأضاف كوكاس أن الخوري، 
كان يلتقط تلك الآلام الموجعة الصادرة عنهم مثل الأنين، ويحولها إلى ابداع زاخر بالحياة، وبذلك فهو لم ينسلخ أبدا عن أصوله الاجتماعية، التي كانت مرتبطة بالطبقات السفلى في المجتمع، وبحكم أنه كان يهوى الحياة ويعشقها ، إلى حد ملفت للانتباه، إذ لم يكن ينام إلا قليلا، كأنه يريد أن يعتصر كل قطرة وكل ثانية من الحياة .
وخلص الكاتب عبدالعزيز كوكاس إلى القول :  لقد مات باذخا، بعد أن اكتنز من الحياة أقسى ما فيها من عذاب، أجمل فيها من حب .
واستحضر كوكاس قصص الخوري  التي ظهرت منذ الستينيات إلى اليوم ،كقصص مبهجة ومبدعة، استطاعت أن تمنح لأجيال كثيرة، متعة القراءة ومتعة الرحلة والسفر مع حكاياته . ويرجع ذلك في نظر كوكاس، إلى كون إدريس الخوري لم يبق في محطة معينة، بل تطور كثيرا عبر الإنتقال بين عمق إحساسه بالتشكيل، وأذنه الموسيقية الراقية جدا.