السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: في حفرة الدولة سقط ريان فلنتعظ قبل فوات الأوان...

محمد الشمسي: في حفرة الدولة سقط ريان فلنتعظ قبل فوات الأوان... محمد الشمسي
يجعل الدستور المغربي سلامة المواطن وأمنه أينما وُجد على عاتق الدولة مادام فوق ترابها وتحت نفوذها، وتصدر المحاكم الإدارية  أحكاما قضائية بالعشرات تلزم فيها الدولة بأداء تعويضات مالية كبيرة لضحايا إهمال الدولة قيامها بواجبها، والدولة المغربية بهذا هي مسؤولة عن ذلك البئر الذي سقط فيه الطفل ريان، بل إن ذلك البئر هو بئر الدولة، سواء بترخيصها لحفره إن كان مرخصا، أو بتغماض العين عن حفره إن كان خارج القانون...
فعلى الدولة أن تدرك أنه ما من حفرة في هذا الوطن إلا وهي حفرتها المسؤولة عنها، وعليها أن تعلم أن سلامة المواطنين هو من صميم واجبها الدستوري والقانوني، وعليه يصبح لزاما على الدولة أن تعد عدتها وتجهز عتادها كي تكون فعلا الحامية والحارسة والحاضنة لمواطنيها، فمن العار أن يقاضي المواطن دولته لتفريطها في سلامته.
وقد تذهب روح الطفل ريان سدى إذا لم نتعظ ونتعلم ونستخلص العبر من تلك المصيبة، ومن العبر التي يجب اعتبارها هو وضع قانون يضبط حفر الآبار سواء كانت تقليدية أو بالحفارة، ومن هذه الدروس إخضاع حفر البئر لدراسة تقنية قبلية تقوم بها لجنة تقنية متخصصة مشتركة بين وكالة الحوض المائي والمديرية الإقليمية للفلاحة ووزارة الداخلية في شخص السلطات المحلية من قايد أو باشا بالمنطقة، تحدد اللجنة المكان الأنسب للحفر داخل الأرض، ثم  تضع للبئر ملفا تقنيا يتضمن تاريخ حفره وعمقه ونوع طبقات تربته وطبيعتها وهوية من حفره، وتكون هذه الدراسة شرطا من شروط الحصول على الرخصة الإدارية لحفر البئر، ويترتب على مخالفتها جزاءا يتمثل في هدم البئر على مسؤولية المُخالف مع الغرامة، فمن غير المقبول ترك أمر اختيار مكان حفر الآبار لمشيئة مُلاك الأرض الذين لا يقدرون المخاطر حق تقديرها، فيتعين إبعاد حفر البئر عن المساكن والبنايات، وعن الطرقات، وعن الوديان وعن وسط الأشجار أو الغابات، وعن كل التضاريس الصعبة، لأنه في حالة وقوع مكروه مثلما وقع للصغير ريان يصبح الإنقاذ مستحيلا، ثم لا تنتهي المهمة بوقوع الحفر وتهيئ الملف التقني، بل يتبعه التزام من مالك البئر بتوفير كل شروط السلامة حول البئر والكل تحت إشراف اللجنة التقنية التي تتحمل مسؤولياتها عن كل خرق أو تساهل، كل ذلك حتى يمكن إنتاج جيل من الآبار سالمة آمنة.
وفي انتظار ذلك لا بد وأن تقود مصالح وزارة الداخلية والدرك الملكي  حملة واسعة لإشعار وإلزام أصحاب الآبار بتغطية المستعملة منها، وهدم الجافة منها، في محاضر تحصي الآبار حتى لا تبقى هذه الآبار ألغاما تحت أقدام الصغار والكبار على السواء.
بهذا يكون الوفاء لروح ريان الطاهرة، حتى لا يسقط في آبارنا ريانات آخرين، فلم يعد في قلوبنا متسع لأحزان أخرى ...