الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الوادي: الثقافة المسرحية وفشل السياسة الثقافية بالمغرب

محمد الوادي: الثقافة المسرحية وفشل السياسة الثقافية بالمغرب محمد الوادي

1 - السؤال/ المدخل:

- هل علينا أن ننتج خطاباً مسرحياً مخالفاً لما هو سائد؟

- في ظل أية شروط يتم إنتاج هذا الخطاب؟

- هل المقصود، من إنتاج هذا الخطاب "الجديد" هو محاولة إقناع الآخر بحسن سيرتها، كما يفعل الخطاب السياسي؟

- ألا نكون بهذا الإنتاج نكرِّس تبعية عمياء للخطاب السياسي؟

- هل علينا أن ننتج خطاباً مسرحياً يتجاوز الهجانة والفجاجة والارتجالية التي أصبحت الطابع النمطي للمسرح المغربي؟

لقد ظلت الأسئلة أكثر حضورا في الحقل المسرحي. لكن ما نسعى إليه هو إثارة الأسئلة/ الفعل.. الأسئلة كآلية كفكير وتخييل وخلخلة.. الأسئلة الجديدة والمتجددة وأهمها الأسئلة الفلسفية التنظيرية.

 

2 - الإنصات إلى نبض الإنسان المغربي:

نعتقد أنه علينا أولاً، أن ننصت إلى أوجاع الإنسان المغربي، وأن نعرف تاريخه، وفكره، وتراثه، وثقافته العامة. وعلينا ثانياً أن ننظر إلى تطلعاته وأحلامه. هذا الإنصات، العميق العالِم والواعي والمدرِك لذاته ولموضوعه، هو الذي سيجعل مسرحنا يربط الجسور مع المتلقي (المبدع الأول)، ومع العرض المسرحي (الفرجة المتعة والهادفة) ذلك لأن العرض المسرحي هو المُؤَهَّل للقيام بالعملية التواصلية، في مختلف مستوياتها، ذلك لأنه نتاج مجموعة من القناعات النظرية والفكرية والجمالية، يعمل المخرج/ منجِز العرض على ترجمتها، إلى أفعال تجلي، بعيداً عن الخيانة بالمفهوم البارتي. والنص المسرحي هو المخوَّل له، كذلك، ليقوم بعملية تحريضية على "اقتراف" الإخراج، لأنه حزمة من القناعات النظرية والإجرائية والفكرية والجمالية غير المصرَّح بها، وغير المدرَكة، في كثير من النوايا، ولكنها قد تتبدى وتتمظهر، إذا ما وجدت الناقد الحاذق، والدارس النّابِه الفطن، والمتلقي المنتِج، وعملوا جميعهم على إبرازها كمؤشرات تحولٍ وتصاعدٍ إلى الأعلى والأرقى، فنياً وجمالياً وفكرياً. أو أخذ المؤلِّف نفسه، على عاتقه، باعتباره صاحب المبادرة الأولى، على تجليها. والنص السينوغرافي واحد من هذه الضميمة التواصلية التوضيحية لأنه مجموعة من الإشارات النظرية ذات المنحي الخطي.

 

3-  في الحاجة إلى سياسة ثقافية:

بلا شك فإن الوضع الثقافي في المغرب الراهن وضع يطرح أكثر من علامة استفهام، حول الهوة السحيقة التي أنتجتها المؤسسة الثقافية، وكرَّسها الإعلام، بين الإنسان المغربي والمنظومة الثقافية ، من جهة، وبين صناع الثقافة ومستهلكيها، من جهة ثانية. وأمام هذا الوضع الشاذ نطرح التساؤلات التالية:

- من المسؤول عن خلق هذه الهوة وتعميمها يوما بعد يوم؟

- ما، ومن أوصل المغرب الثقافي والفني إلى الخيارات الفاشلة؟

- من يعمل، بشكل ممنهج، على مسخ موروثنا الثقافي والفني والحضاري والإنساني؟

- من يحاول تشكيكنا في هذا الموروث الغني، ويعمل على تحويله إلى مجرد فلكلور نمطي جامد ومفرغ من معانيه ومضامينه؟

- من يعمل، في السر وفي العلن، على أظهار المغرب الثقافي بهذا الفقر، وهذا البؤس، وهذا الإسفاف؟

بلا شك فإن الذي لا يريد للفعل الثقافي المغربي أن يكون القاطرة التي تجر معها كل عربات التغيير.

 

إن فشل السياسة الثقافية الحالية، في نظرنا، تعود إلى مجموعة من الأسباب، يمكن أن نشير إلى بعضها:

- مخلفات الاستعمار.

- فشل المنظومة التربوية التعليمية.

- فشل الإعلام المواكب، وخاصة الإعلام الثقافي.

ولتجاوز هذه الإخفاقات نقترح:

- ردم الهوة بين الإنسان المغربي وثقافته.

- تبني استراتيجية ثقافية تشاركية، ناجعة وفعالة، مرنة وقابلة للتطبيق.

- العمل على الانتقال من إنتاج خطاب حول الثقافة، إلى إنتاج الثقافة والمعرفة.

- إعادة الاعتبار للمثقف ودوره في صناعة الإنسان والمعرفة.

- تنشيط الهوامش ثقافياً بخلق الوسائط الثقافية وتدعيمها.

- خلق ثقافة حوارية أصيلة المنفتحة على كل الثقافات والحضارات الإنسانية الأخرى.

- صيانة حقوق التأليف والحقوق المجاورة.

 

4 - في الحاجَة إلى نظرية مسرحية جمالية:

غالباً ما يقترن الحديث عن المسرح المغربي، ومعه المسرح العربي، بالحديث إشكالية التأسيس والتأصيل وتوظيف التراث. يساق هذا الحديث، لأنه في اعتقاد البعض، أن الفن المسرحي داخل الجغرافيا العربية قد ارتبط- في تكوينه الأول- بشروط المسرح الغربي، وبالمنظور الغربي للمسرح. هذه الإشكالية تحتاج إلى تأويلات تتجاوز المسرحي العربي لتوضع في سياق فكري وفلسفي أعم، وأكثر قدرة على ربط النتائج بالمقدمات. بالموازاة مع هذه الإشكالية أقحمت إشكالية أخرى، في وقت مبكر، تلك هي إشكالية تحديث المسرح العربي. هذا الوضع الملتبس جعل المسرح العربي في منزلة بين المنزلتين: منزلة التأصيل، ومنزلة التحديث. وهو ما سمح، نظرياً على الأقل، بخلق مساحة فارغة كادت أن تشكل قطيعة بين "مذهبين". هذه المساحة لن تملأها غير الاتجاهات الإيبستمولوجية، حتى لا يبقى الشرخ متسعاً في مرآة المسرح.

 

أعتقد، وبخلاف الرأي السائد، أننا في وقتنا الراهن، نحتاج إلى نظريات مسرحية، تنطلق من الذات، وتؤطر لفرجاتنا، من منطلقات فكرية وفلسفية وثقافية، وتسد الطريق على الجهل والجهلة دعاة التغريب بدعوى التجريب والانفتاح،  وتَبْني معرفة عالِمة، من خلالها، نسجل إسهامنا المميز في المسيرة العلمية للإنسانية. لو أضفنا هذا الشرخ إلى شرخ هيمنة الإيديولوجي والسياسي على الجمالي والفني، لأصبحت مرآة مسرحنا مكسرة.

 

حينما نقرن الفن، كوعاء جمالي، بالفكر، كمنتوج حضاري، فإننا لا نقصي الواقع. ربما كان المسرح هو الفن الفكري الأكثر تعبيراً عن هموم وأحلام وتطلعات أمة بأسرها، خصوصاً إذا كانت هذه الأمة حية في حركتها الاجتماعية، وروافدها، ومرجعياتها الدينية والفلسفية، ذلك لأن المسرح منفتح على باقي الفنون، وباقي العلوم، وكل أشكال المعرفة الإنسانية، ولأنه كذلك يمزج بين التجربة الفردية والجماعية، التجربة القديمة والمعاصرة.

 

المسرح منتَج جمالي وفني واجتماعي في نفس الآن، لهذا يلقى الصدى كله في النفوس المتباينة التشكلات الاجتماعية والنفسية والسلوكية والتربوية. وهو المنتَج بأكثر من أداة( اللغة- الجسد- العلامات-....) إلا أنه غالباً ما يصطدم بجدار الواقع، خاصة في المجتمعات التي لا تعرف كيفية توظيف أشكالها الفرجوية، والمجتمعات الأقل تحضراً.