كل مدن العالم تشكو من الحفر (nids-de-poule)، خاصة بعد تهاطل الأمطار (أو الثلوج حسب الحالة)، لكن ليست كل المدن تتشابه في التدخل والإصلاح واستحضار سلامة وأمن مستعملي الطريق.
فهناك مدن يسيرها منتخبون لديهم "الكبدة" على مدنهم وعلى سكانها، ويحرصون على التدخل الآني لتحريك الأذرع التقنية والهندسية والإدارية بالبلدية للتدخل السريع لإصلاح الحفر لضمان سلاسة السير من جهة، وتجنب إلحاق أذى بالسائقين أو بمركباتهم من جهة ثانية. بالمقابل هناك مدن يسيرها "أجلاف غلاظ" يستلذون بتعذيب سكان مدينتهم ويرفضون القيام بمهامهم عبر استعمال الموارد الدستورية والقانونية والتنظيمية التي وضعها المشرع بين يدي المنتخبين لتدبير شؤون البلدية للحرص على راحة ورفاهية المواطنين.
يكفي المرء التجول بشوارع الدار البيضاء (شرقا وغربا، جنوبا وشمالا)، ليقف على حجم الخراب الذي خلفته الأمطار الأخيرة بالبنية التحتية الطرقية، وهو خراب لم يحدث حفرا فقط (nids-de-poule)، بل وخلق أخاديد بعمق كبير في العديد من شوارع الدار البيضاء، تسبب في إتلاف سيارات آلاف المواطنين فضلا عن حوادث السير التي وقعت بسبب ذلك.
ورغم فداحة الأمر لم تتحرك سلطات بلدية البيضاء لتدارك الوضع، علما أن الإدارة الموضوعة رهن إشارة العمدة تلتهم سنويا حوالي 120 مليار سنتيم سنويا (يضاف لها حوالي مليار سنتيم كتعويض سنوي للمنتخبين وتأمينهم وتنقلاتهم، ومليار سنتيم آخر ككلفة كراء أسطول السيارات التي يتنقلون فيها)، ومع ذلك فهذه الإدارة معطلة بفعل تقاعس مجلس المدينة في إطلاق يد المهندسين والتقنيين ليباشروا مهامهم وفق ما تمليه المساطر والأخلاق المهنية ويتركونهم يشتغلون وفق القانون وما يمليه الضمير المهني.
فعمدة البيضاء مازالت تجتر خيبة الإبعاد من الحكومة وتباشر مهام العمودية ببرودة سيبيرية، وأعضاء لا بأس بهم بالمكتب مازالوا لم يستوعبوا مهامهم، والعديد من المنتخبين باللجن مازالوا تائهين يتلمسون الخطو في ردهات بناية البلدية والولاية، والمعارضة باهتة لقلة مقاعدها.
وطبيعي أن ينجم عن هذا الوضع تكلس الآلة الإدارية والتقنية بالبيضاء وتصاب المصالح بالشلل، وبالتالي تتعطل مصالح المواطنين ومن ضمنها إصلاح البنية التحتية الطرقية وسد الحفر بشوارع البيضاء بالطرق التقنية المعترف بها، وليس بـ "الترقاع" ورمي الزفت البارد الذي يقتلع مع مرور أول شاحنة أو بيكوب كما ألفنا ذلك في ولايات سابقة !!
في التجارب المقارنة نجد بأن مدينة تورنتو الكندية تتربع على عرش المدن كونيا من حيث عدد الحفر الناجمة عن تسرب مياه الأمطار، حيث تسجل بها حوالي 120 ألف حفرة nids-de-poule سنويا، تليها مدينة مونريال بإقليم الكيبيك الكندي التي تشهد تقريبا 99.000 حفرة.
لكن بالمقابل نجد تورنتو ومونريال هما المدينتان الأسرع عالميا في التدخل لتعبئة الفرق التقنية لإصلاح الحفر. إذ في شهر تقريبا تتمكن كل مدينة من إعادة الأمور إلى نصابها بنسبة جد محترمة. وحسب فيليب سابورانphilippe sabourin ، الناطق باسم مدينة مونريال الكندية، فإن هذه الأخيرة تمكنت في شهر واحد (يناير 2021)، من إصلاح 8462 حفرة بشوراع مونريال، أي ما يعادل 325 تدخلا تقنيا في اليوم الواحد.
فهل لدى مسؤولي مدينة الدار البيضاء الجرأة ليعلنوا للرأي العام كم من تدخل أنجزته الفرق التقنية في اليوم لإصلاح الحفر؟ وهل لديهم الجرأة لإنشاء تطبيق application يطلع من خلاله المواطن على مكان وزمان التدخل؟ وهل يملك مسؤولو البيضاء الشجاعة ليخبروا الرأي العام بكلفة إصلاح كل حفرة؟ وهل سيتحلون بالشفافية المطلقة ليكشفوا حجم الخسائر التي لحقت بالأسر البيضاوية من جراء الضرر الذي يصيب السيارات؟
إن لم يتمكن مسؤولو الدار البيضاء من الجواب على هذه الأسئلة، فليتحلوا على الأقل بحد أدنى من الأخلاق ويمتنعون عن جباية رسوم السيارات (vignette)، ويرفعون ملتمسا لحكومة أخنوش يقضي بتجميد نهب جيوب بيضاوة بمبرر أداء "لافينييت" السنوية إلى حين إصلاح الشوارع والطرقات والأرصفة !!
وكما يقول المناطقة: لا ضريبة بدون تنفيذ الخدمة العمومية!