صباح يوم السبت (...)، توجهت إلى مقهى محطة مشهورة للمحروقات بطريق الجديدة بالدار البيضاء، وكم كانت صدمتي كبيرة وأنا أواجه الحقيقة المرة المتمثلة في احتقار العلم واحتقار من يمثله بمجتمعنا.
كانت بطارية حاسوبي الشخصي معطلة وتحتاج لتشحن عبر المزود الكهربائي. ولما حاولت ربط الكمبيوتر بالمزود الكهربائي، قال لي النادل إنه بدون كهرباء. استغربت للموضوع إذ في مرة سابقة واجهت نفس المشكل ولم أستسغ أن أواجه نفس المشكل في نفس المقهى. فطلبت لقاء المسؤول عن محطة المحروقات لأشكو له غياب الصيانة وعدم إصلاح المزود الكهربائي، خاصة وأن المقهى مصممة بشكل جميل من الناحية الهندسية ومبنية ومجهزة بشكل أنيق لا يسمح بتمركز دخان السجائر بداخلها، وبالتالي بدا لي حرام أن تهفو إدارة المحطة، على عدم إصلاح المزود الكهربائي، خاصة وأني بلغت العاملين من قبل بهذا المشكل -كما قلت- في بداية الموسم الدراسي دون أن يتم الإصلاح.
هنا كانت الصدمة قوية (مع المعذرة للفنان عبد الهادي بلخياط)، إذ لما قابلت المسؤول عن المحطة صباح اليوم المذكور، قال لي بالحرف: "غانجيك من الأخير حنا للي حيدنا الضو باش مايبزطوناش الطلبة".
استغربت وقلت له: "إنهم طلبة وليسوا شمكارة والطلبة سلالة محبوبة ومؤدبة."
رد علي: "لا يهمني الطلبة، فهم يأتون ويعصرون على قهوة أو براد ديال أتاي بالمقهى ونحن لا نحب ذلك".
أعترف بأني لم أفاجأ لموقف مسؤول المحطة، بالنظر إلى أن الطالب بالمغرب لا قيمة له بمجتمعنا والكل يحتقره ويمقته: من الجامعة التي لا توفر له الظروف الملائمة لإرشاده ومصاحبته، إلى عناصر القوة العمومية الذين ينظرون إليه كمصدر القلاقل والاحتجاج، مرورا بالبلدية والحكومة اللتين لا تضعان انتظارات ومطالب الطلبة في الأجندة العمومية.
تذكرت وضعية طلبتنا والمهانة التي يتعرضون لها بالمغرب وقارنت ذلك بوضعية الطالب في المجتمعات المتمدنة (أوروبا وأسيا وأمريكا أساسا)، سواء على مستوى توفير المكتبات وإغنائها بالمراجع وبناء قاعات المطالعة التي تضم معظم الجرائد ليقرأها الطلبة مجانا، أو تجهيز الكليات والمعاهد بالملاعب والمسابح ليفرغ الطلبة شحناتهم السلبية من جهة والحفاظ على لياقتهم البدنية والترفيه من متاعب الدراسة من جهة ثانية، أو مبادرة البلديات هناك بسن سياسة خاصة بالطلبة في شراء بطائق النقل بثمن جد بخس واقتناء تذاكر بـ "زيرو ريال" لولوج قاعات السينما أو المتاحف هذا دون الحديث عن الامتياز الذي يتمتع به الطلبة في تلك الدول من حيث التأمين والتغطية الصحية.
أما إذا عرجنا على القطاع الخاص نجد الأبناك الغربية تضع تسهيلات مغرية لتوفير سبل تمويل الطالب لدراسته الجامعية عبر الحصول على قروض ميسرة ومؤجلة الدفع الى حين التخرج، وانخراط المقاولات في احتضان الطلبة في التداريب"stages" وترتيب صيغ لعقود عمل بأجور لا بأس بها للطلبة الذين يودون العمل ليلا أو في العطل. دون الحديث عن انخراط واسع للقطاع الخاص الأوروبي والأمريكي والأسيوي في شراكات مع الجامعات لتمويل البحث العلمي وتأطير الطلبة النجباء.
أعرف أنه لامجال للمقارنة، لأنه شتان بين مجتمع يقدس العلم والطلبة ومجتمع يحتقر العلم والطلبة.
ألم يعترض العامل حيمدي في أواسط التسعينات من القرن الماضي على بناء كلية الحقوق بتراب عمالة بنمسيك بالبيضاء، بدعوى أن الكلية تجلب "الصداع" والطلبة "فيهم المشاكيل"؟ ألم تعترض بلدية البيضاء على تمتيع الطلبة بثمن تفضيلي جد بخس في النقل الحضري منذ أن كان المرحوم فيصل القادري مديرا للوكالة المستقلة للنقل إلى اليوم الذي توجد فيه شركة "ألزا"؟ ألم ترفض مافيا الأبناك المغربية الانخراط في مشاريع توفير مونطاج مالي لتيسير ولوج الطلبة المغاربة المحتاجين للقروض لتمويل دراساتهم وتخفيف العبء عن أسرهم إلى حين التخرج، بدل العرض البئيس الذي تقدمه بعض المؤسسات البنكية المغربية للتمويه ولإبراز أنها أبناك مواطنة بينما هي في الواقع أبناك "كانيبالية"؟ ألم يرفض الفاعلون في قطاع الاتصالات بالمغرب تجهيز الكليات والمعاهد بخدمة "الويفي" على غرار ما هو معمول به في مدن جامعية أجنبية؟ ألم يرفض معظم أرباب المقاولات المغربية برمجة صيغ لاستقبال الطلبة في تداريب صيفية لصقل مهاراتهم واختبار معارفهم وتثمين معلوماتهم؟ ألم ترفض الحكومة والبرلمان إرجاع مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و"هرفت" عليه الدولة لغايات مافيوزية ترتبط بـ "همزة" عقارية للمقر؟ ألم ترفض العديد من المقاهي استقبال الطلبة وتلبية طلباتهم بدعوى أنهم زبناء غير مرغوب فيهم؟
حين يهتم المجتمع المغربي (حكومة وشعبا ومقاولات)، بالطلبة ويحتضنهم و"يتهلا" فيهم، آنذاك يمكن للموغريب أن يزدهر ويتقدم. أما اليوم فلن تقوم له قائمة والمغرب لا يقدس إلا "الشفارة والقمارة والبزناسة والنصابة والحقراء والغماقة"...