لنفترض أن الملك الراحل الحسن الثاني ما زال على قيد الحياة، هل سيجرؤ المسؤولون الذين تعاقبوا على تسيير الشأن المحلي بالدار البيضاء على التلاعب بالهبة التي خصصها للبيضاويين؟! الملك الذي سيُحاسب «المفرطين في هبته» مات، ودفن معه وصيته، وترك سكان الدار البيضاء كـ «الأيتام في مأدبة اللئام»!! المرحوم الحسن الثاني وهب عام 1988 مائة هكتار لسكان العاصمة الاقتصادية (منطقة سيدي مومن تحديدا) لتكون منتزها عموميا، وهي الهبة التي ظلت السلطات العمومية تتحاشى تفعيلها إلى أن انفجر انتحاريون بسيدي مومن.
كل المسؤولين «ضربوا الطم» طوال عقد من الزمن، حتى في عز «الحرائق» التي حذقت بسيدي مومن كانوا يفضلون «الهروب إلى الأمام»!! كأن الملك كان يملك حدسا بأن سيدي مومن سيصبح منطقة توتر ومنبتا للتطرف ومزرعة للانتحاريين وحقلا للألغام، لذا كان زرع زهرة واحدة سيستأصل السواد من القلوب.. وإلا لماذا لم يقرر الملك أن تذهب هبته في اتجاه آخر؟ أو يبني بها مثلا مدينة صناعية أو مجمعات سكنية أو كازينوهات حتى؟! فقد كان الحسن الثاني مدركا أن سيدي مومن في حاجة إلى بساط أخضر، وليس مستنقعات الوحل.. وهواء نقي وليس سموما تدخنها المعامل.. وملاعب للترفيه وليس أرضا متربة لا ينبت فيها إلا الأشواك و"الحميضة" و"العسلوج" و"صدق الجمل" و"لكرنينة". سيدي مومن التي لا تشتهر إلا بمقبرتها وكائناتها «الانتحارية» التي تسببت في أشهر حادثين إرهابيين في المغرب على الإطلاق (أحداث 16 ماي 2003 و11 مارس 2007)، تَتَصدَّر لائحة المدن السفلى الموبوءة: عالم من القذارة والأوحال والإجرام والتهميش، أفلا يستحق هذا «العطف الملكي»؟!، لماذا استخسر عليه مسؤولوه «هبة» لم يدفعوا ثمنها من جيوبهم؟!
كل هؤلاء المسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير الشأن العام بالبيضاء لم يستوعبوا أن المنطقة تحتاج إلى «ثورة» خضراء، وهذا كان هو مطلب وصية الحسن الثاني التي أفرغوها من مضمونها الإنساني وأهدافها الاجتماعية: أي ضمان نوع من العدالة الإيكولوجية بين البيضاء الجنوبية ووسط المدينة التي تتمتع ببساط أخضر ومرافق ترفيهية، وبين البيضاء الشمالية والشمالية الشرقية (عمالة ابن مسيك وسيدي عثمان والحي المحمدي عين السبع والبرنوصي) التي يسودها القحط والجدب والسموم.
مرت 33 سنة على الإعلان عن الهبة الملكية، ولم يفكر المسؤولون في زرع ولو شجرة.. ولو حديقة.. ولو زهرة في منطقة «ملعونة» أصبح الانتساب إليها «عارا» و"مذلة"!!
لكن «العار الحقيقي» هو الكذب الذي يمارسه هؤلاء المسؤولون، والوهم الذي يبيعونه للناس في وضح النار. فبعد أن نكتوا وصية الملك، أحيوا «أكذوبة» أخرى وهي الملعب الكبير بسيدي مومن على أنقاض أرض «الأحلام»، وهو الملعب الذي تم تهريبه نحو تيط مليل بدعوى أن سكان سيدي مومن يحملون جينات إجرامية، بل حتى تيط مليل لم يعد "أرضا مقدسة" لاستقبال الملعب الكبير وتم "تفزيع" الملعب إلى "سير ضيم"!!
الحسن الثاني لن تبرد عظامه في قبره، وهناك بيننا في الدار البيضاء من يعبث بوصيته، وينكت العهد الذي قطعه مع نفسه حتى تصبح منطقة سيدي مومن أرضا خضراء ومنتزهات ومرافق ترفيهية وملاعب وحياة دافئة!!
رحم الله الحسن الثاني، ولعنة الله على كل مسؤول محلي أو حكومي، منتخب ترابي أو برلماني، إداري أو تكنوقراطي، تورط وشارك في جريمة إحراق وصية الحسن الثاني...