ليس عبثا ما يقره المغاربة حين يؤكدون، ضمن قول دارج مأثور، بأن "الفقيه اللي نتسناو بركتو دخل للجامع ببلغتو". الدليل على أن الأمر يتعلق بالمعقول وليس بالعبث، هو انطباق ذلك القول على الوزير شكيب بنموسى الذي تولى مسؤولية وزارة التعليم في ظرفية مهددة بعدد من القنابل، أهمها قنبلة الاحتقان الذي أثاره ملف التعاقد الذي يهم 102 ألف من الأستاذات والأساتذة المغاربة.
ذلك أنه في الوقت الذي كان يُنتظر من الوزير الجديد، رئيس لجنة النموذج التنموي، أن يبطل مفعول ما هو قائم من قنابل، جاء بقنبلة أخرى، وألقى بها بين المغاربة ليفجر الوضع العام، وليضاعف من منسوب الاحتقان. الأمر يهم القرار الانفرادي الذي اقترفه بنموسى القاضي بمنع ولوج مباراة مراكز التكوين في قطاع التعليم لمن يتجاوز عمرهم 30 سنة، علما بأن هذا القطاع يستوعب ثمانية مليون من التلاميذ في الأسلاك الثلاثة: الابتدائي والإعدادي والثانوي. وإذا أضفنا إلى ذلك أعداد الأمهات والآباء الذي يبلغ مليونين تقريبا، أخذا بعين الاعتبار أن من هؤلاء الآباء والأمهات من له اثنين أو ثلاثة من الأبناء، فإن العدد يبلغ 10 ملايين من المغاربة. أي أن ثلث المغاربة معنيون يوميا بشؤون قطاع التعليم الذي من غير المسموح لأي كان أن يتصرف فيه بما يمليه عليه مزاجه، أو رغبته الشخصية. بل إن مثل هذا القرار يفرض مسبقا التشاور عبر إشراك مكونات الأمة، علما بأننا في الحملة الانتخابية الأخيرة، والتي هي تعبير عن التعاقد ما بين الناخبين والأحزاب، لم يحدث في أي وقت من الأوقات أن أكد أحد من الأحزاب التي تشكل الحكومة اليوم بأنه حين يتولى مسؤولية الشأن التنفيذي سيقوم بمنع من يتجاوز 30 سنة من ولوج القطاع. بل، وبخلاف ذلك تماما، هناك من تلك الأحزاب من وعد المغاربة بتقديم راتب للمتخرجين بمجرد إنهاء فترة التكوين حدد في 7500 درهم، وهناك كذلك من وعد بمدرسة الفرصة الثانية، وهناك ثالثا من تحدث عن إلغاء القطاع الخاص، والعودة إلى التعليم العمومي والحرص على إرجاع التوهج له كما عشنا ذلك في العهد الزاهر لبداية الاستقلال. لكن ما أن انتهت الحملة الانتخابية حتى دقت ساعة الحقيقة، أي أننا حين وصلنا إلى "المسگي"، كما يقول المغاربة باللغة الدارجة، وجدنا النموذج التنموي قد تحول إلى نموذج للقهر وللظلم الاجتماعي، خصوصا أن الوزير بنموسى لم يقدم أية دراسة أو تفسير علمي لأسباب تنزيل ذلك القرار والحيتيات التي ارتكز عليها. وهنا يصبح من حق الجميع أن يسائل الوزير عن الأسباب. لنفترض جدلا بعض مبررات التنزيل كما قد تدور في رأس المُنزل:
ربما ظهر له بأن صناديق التقاعد قد أفلست. ومن ثم قال بأن من غير الممكن قبول المترشحين ممن هم دون 45 سنة كما هو السن المحدد في قانون الوظيفة العمومية، وبالتالي فكر في إعفاء صناديق التقاعد من تلك الكلفة!
ربما وجد أن السبب يكمن في وجود شيخوخة في الهرم الديموغرافي!
ربما السبب في محاربة البطالة!
ربما افترض أن السبب يكمن في ضعف خزينة الدولة!
ومع ذلك، ومهما ذهبنا معه في الافتراض، فإن كل أسبابه المعلنة أو غير المعلنة لا تقنع أحدا، ولا تستند على منطق معقول.
إن على الوزير أن يعلم بأن القطاع الذي يترأسه هو من أكثر القطاعات العمومية تعرضا للحيف و"الحگرة" على مستوى التخطيط للسياسة العمومية.
نشير فقط، وعلى سبيل المثال إلى أن لدينا في القسم اليوم 40 تلميذا بسبب ضعف الموارد البشرية، ولدينا بالمقابل 260 ألف من نساء ورجال التعليم، ومعنى ذلك أننا إذا أردنا أن نخفض عدد التلاميذ في القسم إلى 20 فقط فذلك يلزم علينا مضاعفة عدد المدرسات والمدرسين بغاية بلوغ 520 ألف، والحال أن العدد الذي قرره بنموسى بخصوص المُنتظر منهم النجاح في المباراة المعلن عنها اليوم هو فقط 17 ألف منصب مالي. ثم على الوزير كذلك أن يستحضر كون القطاع الذي يرأسه سيعرف، خلال المرحلة الممتدة من 2020 إلى 2024، أكبر عملية تفريغ بفعل تقاعد 35 ألف امرأة ورجل من سلك التعليم، ولذلك فإن 17 ألف المخصصة اليوم عبر مباراة ولوج المراكز الجهوية لن تعوض أعداد هؤلاء الذين استفادوا من التقاعد، فبالأحرى تعويض كل الخصاص الذي يشكو منه القطاع، وتوفير ما يضمن لنا شروط مدرسة الجودة.
في جميع الحالات، وبصرف النظر عن اعتبارات المبادىء الكونية التي تهم الحق في التكوين، وفي التكوين مدى الحياة، وحق كل مغربي في ولوج أية مدرسة أو أي معهد، نؤكد أن القرار الانفرادي الذي اتخذه شكيب بنموسى بدون استشارة أحد يعطي المغاربة الحق في مخاطبة وزير التعليم بالقول:
إذا كان لك حق منع من هم دون 30 سنة من ولوج قطاع التعليم، فإن لا حق لأي فرد يتجاوز عمره 30 سنة في أن يتولى منصبا وزاريا، وإلا فمن حقنا كمغاربة ألا نمتثل لهذه الحكومة ما دامت تخالف القانون والأعراف والدستور.