أسماء كثيرة يزخر بها ريبيرتوار الأغنية المغربية الأصيلة... أسماء خلدت ذكراها بما تركته من روائع ودرر لن يمحوها الزمن مهما ساد المنتوج الفني المبتذل... أسماء لا يمكن ذكرها إلا وتحضر في الأذهان اسم أغنية أشهرت صاحبها وخلدت اسمه وصارت مقترنة باسمه كلما أذيعت في قناة أو إذاعة ما...

"أنفاس بريس" وفي سياق "نبشها" لريبيرتوار" الأغاني المغربية الأصلية، تقدم لقرائها قصة أغنية "ما أنا إلا بشر" لعميد الأغنية المغربية عبد الوهاب الدكالي وقصتها مع لجنة الكلمات ونبوغ الطيب لعلج في سبر كلماتها وشهرتها في أصقاع البلدان العربية:

كتب أحمد الطيب العلج هذه القصيدة الزجلية سنة 1959، وسلمها إلى عبد الوهاب الدكالي الذي أنجز لحنها مباشرة؛ إلا أن مشكلا مع  لجنة الكلمات بالإذاعة والتلفزة أخر المشروع إلى بداية ستينيات القرن الماضي، تاريخ بث الأغنية على الأثير.

كان كل من العلج والدكالي في مرحلة الشباب يسعيان إلى تطوير الأغنية العصرية على خلفية واقع المغرب فجر الاستقلال. ومع أن رواد الأغنية العصرية آنذاك كانوا قد اختاروا التوجه العاطفي الذي يبعدهم عن تجاذبات السياسة في زمن الصراع، فأغنية "ما أنا إلا بشر" لم تسلم من بعض تأويلات أحد أعضاء لجنة الكلمات الذي أول إحدى الجمل بشكل آخر، إذ اعتبر أن ورود جملة "أنا ضد الحكمة، وراضي بالقسمة"، ينطوي على تحوير ضمني للقول ما يفيد "أنا ضد الحكومة"، خاصة تضمن الأغنية لمفردات من قبيل "شهيد ونعم التضحية...". هذا ما أكده المرحوم أحمد الطيب العلج في أحد تصريحاته للصحافة.

غنى عبد الوهاب الدكالي الأغنية التي شكلت أول إشعاع جماهيري كبير، وأثبت كفاءته فيها كملحن، بالإضافة إلى كفاءته المثبتة من قبل كمغن اشتهر بأغانيه الأولى وأهمها من ألحان زملائه محمد بنعبد السلام، عبد القادر الراشدي، عبد السلام عامر، والدكالي نفسه. نذكر في هذا الصدد: مول الخال، أجي نتسالمو، بلا عداوة ما تكون محبة، ويالغادي في الطومبيل، وآخر آه...

إلا أن "ما أنا إلا بشر" فتحت أمام الدكالي إمكانيات تطوير ألحانه على المستوى الشخصي. ولأن تلك المرحلة كانت قد عرفت تردده على الشرق وعلى مصر تحديدا، فقد كان من الطبيعي أن يربط لاحقا صداقات مع عدد من فناني المشرق، وفي صدارتهم المطربة الراحلة صباح التي أعجبت بالأغنية، وقدمتها في حفلات المشرق والمغرب، تماما كما غنت له في سنة 1965 الأغنية الوطنية "حبيب الجماهير".

وبالعودة إلى "ما أنا إلا بشر" نسجل أنها من الآثار الغنائية التي سجلت مبكرا نبوغ العلج ككاتب كلمات، بعد أن تأكد نبوغه في المجال المسرحي، خاصة أنه كتب نصوصه المسرحية الأولى منذ مطلع الخمسينيات، وتوجت بدايته تلك بمساهمته، في إطار فرقة التمثيل المغربي، في كتابة مسرحية "الشطاب" التي مثلت المغرب في مهرجان مسرح الأمم بفرنسا سنة 1956. يتأكد هذا النبوغ من خلال القصيدة الزجلية التي سمت بالتعبير الغنائي الدراجي إلى مستوى الشعر الفصيح، والصورة الشعرية الراقية اعتمادا على تراكيب و معجم ينهلان من العربية الفصحى كما في النماذج التالية: عندي قلب ونظر/ نعم التضحية/ البسمة والدلال/ أنت كلك ألطاف/ مسكين شهيد/ وقت السهر/ قد باهي مقدود/ أنت أبهى من الثريا...

وليكون الدكالي في مستوى هذا التعبير الشعري، اعتمد إيقاعات وجمل موسيقية أكثر حداثة بقياس تلك المرحلة. وهذا بالضبط ما جعلها أغنية خالدة تتجدد في كل وقت عبر أصوات غنائية شبابية، رجالية ونسائية، وعبر صوت الدكالي نفسه حيث تبدو الأغنية كما لو أنجزت كلماتها وألحانها اليوم فقط.

إن جمالية الشعر والألحان لهي من أسرار الخلود بكل تأكيد.

ما أنا إلا بشــر

ما أنا إلا بشــر/ عندي قلب ونظر

وأنت كلك خطر/ ما تبقاش تحقق فيا

لا تقولي حتى كلمة/ أنا ضد الحكمة

راضي بالقسمة/ وما كتاب في الحب عليا

اللي عشق الجمال/ البسمة والدلال

اللي عشق الجمال/ التيهة والدلال

إيلا مات يموت/ حلال مسكين شهيد

ونعم التضحية

اللي عشق القمر/ خصو يدوق السهر

وفياق وقت السحر/ وميات ألف كية

ما عندك لاش تخاف/ أنت كلك ألطاف

جميل يا سيدي/ فوق الأوصاف

أنت أبهى من الثريا

إيلا دويتي آية/ ويلا سكتي غاية

ويلا ضحكتي معايا/ تضحك لي الدنيا حتى هي

قبل ما تشوفك عيني/ قلبي خفق وأخبرني

دوا و قال اسمعني/ أنا كنحس بكية

كية سببها الخدود/ وأشفار العيون السود

وقد باهي مقدود/

غير شفتك قلت آه نتيا...