الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الوهاب الدبيش:الجزائر والجغرافيا

عبد الوهاب الدبيش:الجزائر والجغرافيا عبد الوهاب الدبيش
في فيديو للراحل بن بلة يعود لبداية استقلال الجزائر عقب استفتاء  خامس يونيو 1962 وليس الوحيد؛ اكد ان الجزائر لن تسمح باعادة النظر في الخريطة التي ورثتها الجزائر عن المحتل الفرنسي..
 هذا الرأي عكسته جبهة التحرير الجزائرية في مؤتمر طنجة سنة 1958  على الرغم من الاتفاق الذي وقعه المغرب مع عباس فرحات القيادي الجزائري ورئيس اول حكومة مؤقتة جزائرية زمن الاحتلال؛  والذي تلتزم فيه الجزائر بضرورة النظر في موضوع الأراضي المغربية التي ضمتها فرنسا للجزائر الفرنسية منذ اواخر القرن التاسع عشر والى غاية 1950..
وهذا الرأي  هو ما عبر عنه ايضا عبد الحميد مهري احد القياديين المشاركين في مؤتمر طنجة المذكور اعلاه سنة 1958  ؛فما هي الدوافع الحقيقية التي اقسم السياسيون الجزائريون على عدم التفريط فيها ؟
القسم المقتطع من المغرب كان يعادل مساحته المحررةً من فرنسا او مساحة الحماية الفرنسية ؛ولان فرنسا مارست سياسة المهادنة مع المغرب فانها اعطت للجزائر هذه المناطق؛ واخرى اقتطعتها من الدول المجاورة لها في كل من ليبيا والنيجر وتونس ومالي والمغرب. 
المسؤولون الجزائريون استغلوا الضعف الذي كان عليه المغرب بداية السبعينات ليؤسسوا لاستراتيجية التعامل مع المملكة في هذا الميدان؛ و التي  هي الهجوم على المغرب وعلى حقوقه الترابية المشروعة حتى لا يفكر في المطالبة باراضيه المغتصبة من قبل الفرنسيين!!
بدات استراتيجية الجزائر هاته بالطعن في مطالب حزب الاستقلال الرامية الي استرجاع موريتانيا من القبضة الاستعمارية الفرنسية وادعاء ان  علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال انذاك طالب حتى باراضي دولة مالي!؛ وهو شيء عار من الصحة وغير دقيق  وكاذب..
حزب الاستقلال طالب بموريتانيا وطالب بالصحراء الشرقية التي تشمل مناطق القنادسة وگورارا وبشار وتندوف وتوات وهي المناطق التي تختزن الغاز الطبيعي والبترول بالجزائر الحالية والتي سبق للفرنسيين ان اكتشفوها بداية الخمسينيات؛ 
السعار الجزائري ضد المغرب حاليا لا يخلو من تهجم على هذه المطالب، متخذة منحى اخر وهو الطعن في مشروعية استرجاع المغرب لاراضيه بالاقاليم الجنوبية التي تشمل الساقية الحمراء ووادي الذهب؛ ولان الجزائريين ينتمون سياسيا الى محور الشيوعيه زمن الحرب الباردة فانهم استقووا بالمعسكر الشرقي في مهاجمة المغرب  معتمدين ايضا على الدول الغربية بعد استمالة بعض العناصر الراديكالية التي كانت ترى في المغرب دولة ديكتاتورية قمعية وتنتهك فيها حقوق الافراد! 
معاكسة المغرب اذن ليس لها من غاية غير الهجوم عليه والوقوف ضده حتى لا يصل الى مستوى مطالبة الجزائر بالاراضي التي يملك فيها كل القرائن التي تؤكد تبعيتها له.
الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه المغاربة كان في اعتقادهم بصدق نوايا الجزائريين في اعادة النظر في الخريطة الجغرافية بما يفيد تنازلهم عن الاراضي المغربية آلتي يحتلونها في الجنوب الشرقي للمملكة؛ واساسا  تندوف التي يجب ان تكون النقطة الاولى في مفاوضاتهم مع الجزائريين..
تاكيد المغاربة على عدم وجود خلافات حدودية في خطاب 12يونيو 1972كان عليه ان يتريت الى ما بعد حل مشكلة الصحراء مع اسبانيا حتى لا يستغلها بومدين وزبانيته في صراعهم مع "المخزن" كما يسمونه؛
الآن أتضح ان رفض الجزائر الجلوس الى طاولة المفاوضات المرتقبة حول الصحراء فهي تعلم آن المفاوضات ستبدأ بملف الحدود العالقة بين الجانبين قبل الحديث عن الجبهة الوهمية وعن الحكم الذاتي او اي شيء آخر... 
فالرفض هنا هو سياسة دفاعية اتخذت طابعا هجوميا  حتى لا يصل المغاربة إلى ما كان جيرانهم يتوجسون منه وهو المس بالخريطة الجغرافية الموروثة عن الاستعمار الفرنسي! 
هذه العملية ستجر فرنسا مرغمة تحت طائلة القانون الدولي الى ان تكون طرفا رئيسيا في البث في المناطق التي احتلتها منذ  القرن السابق وضمتها الى دولة العسكر الجزائري؛ 
الجزائر سقطت في حفرة انجزتها باياديها معتقدة ان المغرب سينشغل بملف الصحراء والساقية الحمراء ووادي الذهب قبل ان يفكر في ملف المناطق الاخرى.
ولذلك فانها اتخذت موقفا راديكاليا تصعيديا لا لشيء سوى ان تفرض على المغرب الجلوس الى طاولة المفاوضات مع جبهتها  دون ان تكون طرفا في المفاوضات، ودون ان تجلس الى طاولتها باعتبارها الطرف الرئيسي في الملف، وان الجبهة ليست سوى شماعتها التي تصطاد بها سمكة تقع في شباك المنتظم الدولي والعالم باعتبارها دولة معتدية وليست صاحبة الحق في الارض. 
التاريخ ضروري في هذه الفترة لانه يكشف وجه فرنسا ووجه صنيعتها الجزائر في الصراع حول الصحراء والمغاربة عليهم ان يستغلوا الارشيف المتاح معرفيا امام باحثي العالم ومؤرخيه للكشف عن حجم المؤامرة التي يقوم البيدق الجزائري فيها بدور البطولة،  جاعلا فرنسا خلف الستار  وخلف طاولة المفاوضات تمارس سياسة دعم ما صنعت من تحت الطاولة. 
العدو الان طرفان طرف استعمر وضم الارض وحصل علي خريطتها وطرف يلعب في الكواليس مستغلا عدم اهتمامه وناصحًا من وراء الستار حول كيفية الحفاظ على المغرب منشغلا بملف الساقية الحمراء ووادي الذهب قبل تندوف ؛لذلك فالمغاربة الان مطالبون بتقديم ملف تندوف على غيره والجزائر ابت او أحبت عليها ان تفهم انها طرف اساسي في النزاع وانها معنية به قبل اي كان وان الجبهة الانفصالية لا تمثل سكان الصحراء الذين يعيشون حياتهم بشكلٍ طبيعي في بلدهم ؛فالصحراء وما يليها جزء من السوس الاقصى كما عرفه جغرافيو المغرب وغيرهم منذ العصر الوسيط.