الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الالاه حبيبي: بوح كتابي تعبير شفوي حر عن تجربة البعد عن المدرسة لشهور عديدة

عبد الالاه حبيبي:  بوح كتابي تعبير شفوي حر عن تجربة البعد عن المدرسة لشهور عديدة عبد الالاه حبيبي
كنت أود نشر مقالة في موضوع الدروس التي من المفيد اعتمادها مباشرة بعيد الدخول المدرسي لتسهيل وتيسير اندماج التلاميذ من جديد في الحياة المدرسية النظامية، وذلك مساهمة في تدبير هذه المرحلة الحرجة في أفق ربح رهاناتها المنتظرة صحيا واجتماعيا وتربويا... 
في هذا السياق تشير أغلب التوصيات إلى ضرورة تفادي الانطلاق مباشرة في إعطاء الدروس، مع ما يفترضه ذلك من فرض ساذج للنظام المدرسي،  وما يرافقه من تعليمات تقليدية  تتجلى في الدعوة إلى الانضباط، ورفض مختلف السلوكات التي لها علاقة بحيوية الأطفال، وتعلقهم بكل فسحة تسمح لهم بالتحرر مؤقتا من سلطة المدرس وتبعاتها، إلى جانب كونهم قد ألفوا نمطا من الحياة اكتسبوه بعيدا عن أجواء المدرسة وطقوسها المعتادة لمدة طويلة... 
لهذا فالذي لا يفكر في خلق أساليب تربوية جديدة تناسب هذا الوضع المدرسي الخاص، يعتبر سلوكه التعليمي غير ذكي من الناحية التربوية، كما قد يفيد أنه لا يستحضر بشكل جوهري الظروف التي فرضها الوباء وتأثيراته الجانبية على حياة الناس عامة وعلى الحياة المدرسية بشكل خاص، لهذا فالذي يتعمد نسيان ما كابده  التلاميذ وأوليائهم من معاناة وتبعات  نفسية واقتصادية أثقلت كاهلهم بأدوار ومهام  مستجدة ومستعجلة لم يكونوا يتوقعون، يوما، حدوثها خلال انقطاع أبنائهم الطويل عن الذهاب إلى المدرسة أو الذهاب المتقطع إليها، يريد أن يوهم نفسه باستمرار "طبيعي" للحياة المدرسية، أي أنه يتفادى التفكير في بلورة أساليب تناسب العمل في وضع غير مستقر على كافة المستويات...حيث أن هناك الكثير من الأشخاص من لا تسعفه شخصيته على مجابهة التغيرات السريعة بشجاعة وتبصر مع ما يقتضيه ذلك من  تطوير أساليب للمقاومة أو للتكيف لتفادي الموت المفاجئ، أو الاستسلام لواقع قد يغير إيقاع الحياة بشكل جذري...
الذكاء التربوي يقتضي التكيف مع المعطيات النفسية المستجدة  للتلاميذ، والتواصل مع حاجياتهم بنفس عقلاني هادئ، مع ضرورة  الإنصات إلى ما راكموه من تجارب لم تكن متوقعة، وما تعرفوا عليه من وسائل للتعلم والتواصل لم يتخيلوا يوما أنها ستكون بديلا للجلوس على المقاعد والاستماع إلى شروحات المدرسين، وقراءة ما يكتبون على السبورات السوداء أو غيرها من السبورات المتطورة...لهذا فسيكون  المدرس أمام تلاميذ بشخصية جديدة، قادرين على العودة بسرعة إلى وضع الاستثناء واستئناف التعلم عن بعد، مع تحصيلهم قدرة فائقة على التكيف مع التكنولوجيات الإعلامية ومختلف التطبيقات المتوفرة مجانا، إلى جانب بعض التقنيات التي يفرضها الحضور خلال جلسات الدروس الافتراضية... 
نحن إذن أمام تلاميذ يتقنون، لا أقول كلهم، بل أغلبهم وسائل التعليم عن بعد، بل قد طورا تقنياتهم الخاصة في التحكم في بعض جوانب المنصات الالكترونية الشيء الذي أدى  ببعض مؤسسات التعليم الخصوصي إلى الاستعانة بخبراء في الإعلاميات قصد للتصدي لمناوشات بعض التلاميذ الذين ألفوا التشويش على الدروس داخل القسم  التقليدي ، وانتقلوا  خلال الظروف الاستثنائية إلى ممارسة نفس الدور ولكن عن بعد وبواسطة التكنولوجية...
الذي لا يقرأ الأوضاع الجديدة التي فرضها الوباء، ونماط السلوك التعليمي والتعلمي الذي اقتضته مرحلة الحجر الصحي وما تبعها من إجراءات منتظمة، تارة متشددة، وتارة مخففة، إلى جانب ما عرفه المرض من صعود ونزول من حيث عدد الإصابات والوفيات، كلها عناصر توحي للقارئ اللبيب أن التلاميذ قد عاشوا ولا يزالون وضعا شبيها بظروف الحرب، أي عدم استقرار أوضاعهم  على مستويات عدة، لهذا فهم في حاجة إلى معاملة خاصة تأخذ بعين الاعتبار هذه السياقات وهذه الظروف الاستثنائية المتتالية والمتواصلة ...
من هنا يقتضي المقام التصرف بليونة ورقة، مع منح التلاميذ فرصة التنفيس عن أحوالهم الباطنية، والتعبير الحر عما يعتمل في وجدانهم من مشاعر غامضة، وأحيانا متناقضة ومؤلمة، ودعوتهم إلى الكلام والبوح عما يخفونه من مشكلات لاقوها خلال غيابهم الطويل عن المدرسة، وكيف كانوا يواجهون مطالب التعلم عن بعد، أو مستلزمات الدراسة الحضورية بمنهاج مكثف وزمن تعليمي مخفف...
لهذا فالحصص الأولى هي بالضرورة حصص للتشخيص الديداكتييكي كما تقرره مقررات السنة الدراسية من جهة، ثم تشخيصا سيكولوجيا وسوسيولوجيا للتعرف على ملامح التلاميذ التي تأثرت كثيرا بأوضاع الوباء وما فرضه من مناهج تربوية مستجدة... وفي الأخير الشروع في كتابة تقارير يمكن استثمارها في مراجعة المنهاج الدراسي والزمن المدرسي والمقررات ووسائل التدريس ...وهذا موضوع مقالة لاحقة بحول الله...