الجمعة 1 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عادل بن الحبيب: في عيدها العالمي... المرأة تحتاج حقوقا لا ورودا..

عادل بن الحبيب: في عيدها العالمي... المرأة تحتاج حقوقا لا ورودا.. عادل بن الحبيب
لم يكن تحديد الثامن من مارس من قبل الأمم المتحدة كعيد عالمي للمرأة مناسبة للحفلات وإلقاء الخطب والتغني بالأمجاد الحقيقية والمتخيلة، ولا حتى للتعريف بأهمية دور المرأة في المجتمع، فهذا معروف ولا ينكره إلا جاهل أو شوفيني.
 
لكنه مناسبة لتذكير الدول والمجتمعات والعائلات في العالم أجمع، بما أُنجز خلال العام المنصرم في مجال حقوق المرأة، وما ينتظر الإنجاز لتخفيف معاناتها الناتجة عن جنسها، وتمكينها من أن تلعب دورا أكبر وأنفع للمجتمع.
 
وإذا ما تفحصنا مجتمعاتنا العربية بدقة فإننا نرى أن هناك الكثير الذي يمكننا أن نفعله للتخفيف من معاناة المرأة ورفع الظلم عنها وتنشيط دورها وتمكينها من أداء دور فاعل في تطوير المجتمع وتنمية الاقتصاد، فلا يمكننا أن نتطور أو نلحق بالمجتمعات المتطورة إن بقيت طاقات المرأة ومهاراتها وقدراتها معطلة أو غير مستثمرة كليا، وإن بقي دورها هامشيا، سواء في المنزل أو المؤسسة أو المجتمع.
 
لقد كشف التقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية الذي تزامن مع عيد المراة العالمي، التجاوزات التي تعاني منها النساء في العالم أجمع، بعد كل ما حققته الحضارة البشرية من تقدم ونجاح في المجالات كافة. وقد أولى التقرير اهتماما خاصا لما سماه بـ"الابتزاز الجنسي" الذي تعاني منه النساء. وقال التقرير إن رجال الشرطة والمدرسين وضباط الهجرة وموظفي الدولة والمديرين، بل وحتى القضاة، يستخدمون نفوذهم لابتزاز النساء ومراودتهن عن أنفسهن والضغط عليهن لإرضاء نزوات ذكورية معينة.
 
إن هذه المعاملة الدنيئة وغير الأخلاقية وغير الإنسانية هي حقا عار على البشرية، وعلى ممارسيها من الرجال تحديدا ويبقى السؤال المهم دون جواب: لماذا تبقى المرأة في القرن الحادي والعشرين تعاني التمييز والضغوط النفسية والمعيشية بسبب تكوينها الفسيولوجي الذي له الفضل على البشرية في البقاء والاستقرار وحفظ النسل والسلام.
 
كما كشف تقرير الأمم المتحدة لعام 2019 أن 18% من النساء المقترنات برجال بين سن 15-49 قد تعرضن للعنف الجسدي على أيدي شركائهن!
كما تشير البيانات التي جمعت من 90 بلدا إلى أن النساء مازلن يمضين ثلاثة أضعاف ما يمضيه الرجال من الوقت في الأعمال غير المدفوعة الأجر، ما يقلص الوقت المتاح لهن للتعلم أو الراحة والاستجمام.
 
ومازال تمثيل النساء السياسي متدنيا عالميا مقارنة بنسبتهن في المجتمع، إذ تصل النسبة إلى 24% فقط. أما نسبة النساء التي تشغلن المواقع الإدارية في العالم فلم تتعد 27% علما أن نسبتهن بين الأيدي العاملة بلغت 39%. وماتزال هناك فجوات في القوانين التي تعالج العنف ضد النساء بنسبة تصل إلى 25%، والتمييز في الوظائف بنسبة 29%.
 
هذا المسار الطويل يحتاج أيضا اهتماما بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة، فالمرأة التي تتفوق في الدراسة، وفي جميع المجالات، تجد نفسها عرضة للبطالة بنسبة أكبر من نسب الرجال، وهي إن وجدت عملا عليها أن تعمل ساعات مضاعفة لتثبت أهليتها مقابل أجر يقل بحوالي 25 في المائة عن ذلك الذي يتقاضاه الرجل، فضلا عن وضعية النساء العاملات في قطاع الفلاحة، والتي ما تزال، رغم كثرة الوعود، هشة، دون أي تغيير يضمن حقوقهن ويضمن لهن الحد الأدنى من الكرامة. ومازال زواج القاصرات شبح يهدد أمن و استقرار  الفتيات رغم كل القوانين التي تسطر من أجل الحد منه. 
 
يجب إحداث تغيير جذري في الثقافة الذكورية المهيمنة، وخلق كسر في جدارها المتجلد، وذلك لن يكون إلا باعتماد منهج تربوي جديد يكرس مفاهيم المواطنة واحترام حقوق الإنسان الكونية واحترام الآخر المختلف، ويؤكد المساواة بين جميع الأفراد مهما كانت انتماءاتهم الجنسية والعرقية والفكرية..
 
أما ما يمكن أن يقوم به الرجال في هذا اليوم فعلا هو أن يساندوا كل القضايا التي تدافع عنها المرأة، أن ينظروا إليها كإنسان أولا وأخيرا، أن يدافعوا عن حقها في أجر يساوي أجرهم ، وأن يرفضوا المتحرشين والمعتدين الجنسيين ويجرموهم، عوض الاكتفاء بالقول "ليس كل الرجال متحرشين" أو "ليس كل الرجال مغتصبين"، والتوقف عن لوم الضحية، والإيمان بضرورة عدم القبول بأي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة. فالمرأة لا تحتاج إلى ورود بل إلى استعادة حقوقها المهضومة باسم الذكورية.
 
الثامن من مارس  مناسبة للمراجعة والتعرف على الإنجازات التي تحققت كي نواصل تحقيق المزيد منها، والعقبات التي أعاقت التقدم كي نذللها. وفي هذه المناسبة الأثيرة، تحية لكل امرأة سعت لنيل حقوقها خلال العام المنصرم، ولكل رجل سهل لها هذه المهمة.
 
في هذا اليوم، تحية لكل امرأة تمتلك الشجاعة لرفع شعارات الحرية والمساواة في القوانين والأحوال الشخصية والعمل والأجر من أجل تحقيق مستقبل مشرق وجميل! وتحية لكل امرأة تعاني وتعمل وتكافح وتناضل وتتعرض للظلم والضرب والمنافسة والعنف المادي والمعنوي.
 
كل عام وأنتن إناث بكامل أنوثتكن، أُمهات معطاءات، زوجات سعيدات،  أخوات كريمات ، بنات رائعات، إناث عاملات متألقات، طموحات، رافضات لتهميش كيانكن، مكافحات لنيل حقوقكن، متمنياتي لكن بحياة هادئة فيها كثير من السلام الذاتي والإجتماعي. 
كل عام وأنتن نساء عظيمات.
نور لمن حولكن.
وضياء لعالمكن.
كل عام وأنتن سعيدات، رائعات، متفائلات، إيجابيات، طموحات، لأحلامكن ساعيات، لبذور الأمل ناثرات، مقاومات، وقويات.