إذا كانت هنالك من فائدة في توظيف التاريخ فهو ما نجحت فيه الجزائر "الثورية"وفشل فيه المغرب.نجاح الجزائر وفشل المغرب أخذ أهميته فقط في جعل التاريخ أداة طيعة لإيهام الناس والكذب عليهم وتزوير الحقائق والتدليس , فيما اختار المغرب أن يترك التاريخ لأهله مع التأكيد على أن وضع المؤرخ والحرية التي تمتع بها في تناوله الخبر التاريخي كان على حساب المؤرخ الذي بدا في هذه العلاقة كونه أصبح الحلقة الأضعف، مقارنة مع المتعاطين للعلوم السياسية وأهل القانون.
هذا الوضع الذي يبدو ظاهريا غير صحي كان له أثر إيجابي من حيث إن المؤرخ استطاع أن يحافظ على صرامة منهجية في التعامل مع قضايا تاريخية بحياد كبير حتى ولو تعلق الأمر بقضايا سيادية تهم مباشرة الدولة المغربية فلم يذهب المؤرخ المغربي إلى التدليس، ولم تجبره الدولة على أن يكذب أو يمارس التزوير كما هو حال بلد الجوار
هذه الحالة نجدها في كتاب يعتبره الجزائريون موقفهم الرسمي في قضية رسم الحدود الجنوبية للجزائر les territoires du sud d’Algérie هذا الكتاب الصادر سنة 1930عن الحاكم العام للجزائر gouvernement général d’Algérie يتناول قضية استيلاء فرنسا على مناطق مغربية بدءا من عين صفراء وتولت وبشار والقنادسة وگورارة، وانتهاء بتندوف بين سنتي 1900و1905 وإلى حدود 1934 تاريخ الهيمنة على تندوف المغربية
في هذا الكتاب الذي يصل عددٍ صفحاته إلى حوالي سبعمائة صفحة يذهب الفرنسيون إلى تبرير استيلائهم على توات بكونها والمناطق المغربية الأخرى كانت سببا في العديد من القلاقل والفتن التي عانى منها الفرنسيون في المناطق الحدودية شمال بشار.
في هذا الكتاب وهو بالمناسبة وثيقة رسمية بها العديد من القرارات والملاحق الإدارية الخاصة بضم ما هو مغربي صرف؛ يعترف الفرنسيون بان الجزائر التي احتلوها في عام 1830 والتي أصدروا بخصوصها مرسوما سنة1839 يطلقون بموجبه على ما احتلوه سابقا اسم الجزائر الفرنسية L’Algerie française هذه المنطقة كانت مقسمة إلى ثلاثة مقاطعات :هي مقاطعة وهران ومقاطعة الجزائر ومقاطعة قسنطينة
عندما أضافوا لما استعمروه سابقا العين الصفرا وتوات وبشار والقنادسة وكورارة أضافوها إلى مقاطعة وهران تماما مثلما أضافوا بجاية الحفصية إلى قسنطينة والطوارق إلى مقاطعة الجزائر.
هذه السياسة المبنية علي ضم أراضي مغربية ،كان لها نتائج جراء الاحتجاجات المغربية المطالبة باسترجاع هذه المناطق وترسيم الحدود بين المغرب وفرنسا وإعادة تكييف اتفاقية مغنية التي جعلت الحدود بين المنطقتين لا تتجاوز فگيك جنوبا، بحجة أن هذه المناطق هي مناطق انتجاع قبائل رعوية يصعب التحكم فيها، وبالتالي فإنه يصعب وضع حدود بين المنطقتين بسبب عامل التداخل القبلي في المجال الموجود بين النيف وفكيك وبين توات والعين الصفراء
الجزائريون ومعهم مؤرخو الدرجة العاشرة في التصنيف الأكاديمي يعتمدون هذا الكتاب في تبرير استيلائهم على الأراضي المغربية المضافة بين سنتي 1900و1905؛ ويذهبون إلى صم آذانهم على ما سطره الفرنسيون من معلومات تفيد بتبعية هذه المناطق للمغرب
المبرر الأول الذي لم يتجاهله الفرنسيون هو وجود باشا وعناصر من المخزن (بالمناسبة مصطلح المخزن يستخدمه جوار السوء بدلالة قدحية دون إعطائه المدلول التاريخي الذي يستحقه باعتباره تنظيما مؤسساتيا لمفهوم الدولة) وزادوا على ما ذكروه التأثير الذي كان للدولة المغربية دينيا مع أهالي هذه المناطق؛ باعتبارهم مواطنين مغاربة، في حين أن جل الوثائق الموجودة في هذا الكتاب القيم تؤكد على أن فرنسا اضافت جزائر مهمة إلى الجزائر التي احتلوها مع مطلع ثلاثينيات القرن التاسع عشر.
من هنا، فإن العودة إلى كتابات الفترة خصوصا المؤلفات الفرنسية، وهي بالمناسبة متاحة للجميع انطلاقا من بوابة المكتبة الوطنية الفرنسية على بوابة Gallica هذه العودة المطلوبة تجعل المواطن المغربي ومعه أهل الاختصاص يدركون حجم الظلم الذي تعرض له المغرب على يد الدول الاستعمارية الأوربية.