الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

اضريف: من لم يتعبه هذا العالم الأزرق؟

اضريف: من لم يتعبه هذا العالم الأزرق؟ عبد النبي اضريف
قبل بروز هذا العالم الأزرق، كنا لا نسمع عما يدور وراء البحار إلا من خلال ما يرويه لنا المهاجرون المغاربة، الذين اختاروا الهجرة طريقا للنجاة من البطالة والفقر والقهر، فكانت رواياتهم تنساب إلى ذاكرتنا، كما تتساب الحية في الثرى، فحدثوننا عن النساء والخمور وفرص الغنى، لدرجة أن البعض صور لنا طريق الغنى ببساطة لا تراها الا في الأفلام الهندية أو المصرية، حسب رواياتهم فالفحولة هي طريق الغنى ببلاد العم سام، فيكفيك أن تضاجع الشقراء ليلة واحدة وتطفئ لهيبها، فتضع يديك على كنز علي بابا، وترجع إلى الدرب بسيارة فاخرة ذات الترقيم الأوروبي، وكيس من الفرنك الفرنسي أو الليرة الإيطالية أو المارك الألماني، فيخيل لك أن مصدر الثروة بين جيوبك الفارغة. وكانت حكايات أخرى لا تسترعي اهتمامنا، كانت تتحدث عن الرعاية الاجتماعية وحقوق الارتفاق وحقوق العمال والنظافة، والنظام المبالغ فيه، والخدمات داخل المدرسة والمستشفى وطرق السيارة، وزيارة المساعدين الاجتماعيين، والارقام الخضراء التي توفر الخدمات العامة من استشفاء وامن ورجال المطافئ، كلها حكايات كانت ترن في مسامعنا كلما هل الصيف، واصطفت السيارات الأوروبية في شوارعنا ودروبنا المتسخة، لكن هذه الروايات الصيفية الروتينية سرعان ما تتلاشى بمجرد ما يترك لنا مهاجروننا ملابسهم وما تبقى من عملاتهم. لكن اليوم هذا العالم الأزرق اللعين، حول هذه الحكايات إلى واقع معاش، ينقل لنا آخر ما غنت أم كلثوم هناك، لدرجة أنها تنقل مباشرة الجلسات البرلمانية، وما تتميز به من نقاشات ضارية، تدافع الإنسان والطبيعة والكلاب والفئران والدجاج ووو، لتبين لك أين بلغت درجة الديمقراطية هناك، وأين وصلت حقوق الارتفاق، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، ليكشف لنا العالم الأزرق حقيقة ما يعيشونه أبناء الشقراوات الذين نهبوا ثرواتنا و قتلوا اجدادنا وافقروا اسلافنا وحاصروا مستقبلنا، هذا العالم كشف عن كل شيء، لدرجة أنه أصبح يمدك بأخبار تتعلق بطابواتنا وأسرارنا وممتلكاتنا وأرزاقنا. فعلا اتعبنا هذا العالم الأزرق، حينما فتح أعيننا، وأيقضنا من سبات عميق وحلم جميل، كنا ننظر إلى الواقع ببساطة.