السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: فرنسا تعيش أطول إضراب عمالي في تاريخها واستمرار الأزمة الاجتماعية

يوسف لهلالي: فرنسا تعيش أطول إضراب عمالي في تاريخها واستمرار الأزمة الاجتماعية يوسف لهلالي

هل انتهت المواجهة بين النقابات والحكومة بعد أطول اضراب في تاريخ فرنسا، والذي  قارب 40 يوما، وتهديد بعض النقابات الاستمرار إذا لم تسحب الحكومة مشروع إصلاح التقاعد، رغم اقتراح رئيس الحكومة إيدوارد فيليب التخلي مؤقتا على سن التوازن، الذي يحدد التقاعد بفرنسا في 64  سنة، وفتح وقت أكبر لتفاوض بين الفرقاء الاجتماعيين.. ودعا في لقاء مع القناة الثانية مساء يوم الأحد الماضي، النقابيين إلى تحمل مسؤوليتهم، في إضراب لا أحد يعرف في أي وقت سيتوقف.

 

اقتراح رئيس الحكومة حول سن التقاعد، وتجاوب بعض النقابات معه، بدأ الجميع يتساءل حول مصير الإضرابات والاحتجاجات التي  يشهدها البلد، هل ستتوقف هذه الإضرابات والاحتجاجات أم أنها سوف تستمر بعد أن حطمت الرقم القياسي في أطول إضراب تشهده فرنسا في تاريخها.

 

هذا الإضراب الذي مس على الخصوص قطاع النقل والذي خلف خسائر سواء في قطاع السياحة أو في قطاع المطاعم بالإضافة إلى قطاع التجارة الذي يعرف إقبالا كبيرا في احتفالات نهاية السنة.

 

اليوم الجميع يتساءل، هل المقترحات الجديدة التي قدمها رئيس الحكومة ايدوارد فيليب مساء  يوم السبت الأخير، في رسالة موجهة إلى النقابات، هل تتجاوب معها النقابات؟ أم أن الإضراب الأطول في تاريخ فرنسا سوف يستمر بدون توقف؟ عدد من النقابات خاصة الكونفدرالية العامة للعمل "السي جي تي" والقوات العمالية "ايف او "اعتبرت أن المقترحات غير كافية وطالبت بتخلي الحكومة على هذا الإصلاح في شموليته. وفي انتظار تطورات الجبهة الاجتماعية، فإن الحكومة حققت تقدما من خلال إظهارها تجاوبا مع اقتراحات بعض النقابات الإصلاحية  خاصة "سي ايف دي تي" من جهة، ونجاحها بهذه المقترحات الجديدة في تقسيم النقابات التي حافظت على جبهة موحدة مند بداية هذا الإضراب قبل 38 يوما. لكن اليوم، فإن النقابات الإصلاحية اعتبرت تخلي الحكومة على سن التوازن هو تقدم في المفاوضات.

 

ونظمت تظاهرات في مختلف المدن الفرنسية يوم السبت 11 يناير 2020، تخللتها بعض مظاهر العنف، وذكرت أغلب النقابات أنها لن تتجاوب مع مقترحات رئيس الحكومة. خاصة سحب "سن التوازن" الذي يحدد التقاعد في 64 سنة وهو ما رفضته بعض النقابات، والتي طالبت في سحب كل المشروع للإصلاح التقاعد الذي تقدمت به الحكومة. واعتبر ممثلو اليسار سواء الحزب الاشتراكي أو حزب فرنسا الأبية أن سن التوازن هو مجرد وهم تبيعه الحكومة للفرنسيين وأن الإصلاح الذي تقدمه الحكومة بشكله الحالي ليس في صالح الفرنسيين.

 

وتسعى الحكومة الفرنسية في  مشروعها الجديد إلى توحيد أنظمة التقاعد من أجل إنقاذها من الإفلاس والعجز بسب التحولات الديمغرافية التي تعرفها فرنسا، والتي تجعل عدد السكان المسنين والمتقاعدين يرتفع بشكل أكبر من السكان النشطين، كما تسعى الحكومة الى وضع صندوق واحد لتقاعد بدل 42 صندوق مختلفة تشهدها فرنسا اليوم، ووضع نظام قائم على النقط، تعتبره الحكومة أنه سيكون أكثر إنصافا وشفافية من النظام القديم، لكن النقابات اعتبرت أن النظام الجديد سوف يؤدي بالعاملين إلى اشتغال فترة زمنية أطول مقابل تعويضات قليلة في فترة التقاعد. لهذا تعتبر أن الإصلاح أو مشروع الإصلاح هو مجحف في حق الأجراء.

 

أمام هذه الازمة، تدخل الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون، والذي كان صامتا خلال هذه الأزمة، من خلال تصريحه الجمعة الماضية أن إصلاحه هو من أجل إنقاذ صندوق التقاعد بفرنسا، قائلا إن الإصلاح هو من أجل أن يبقى  صندوق التقاعد  قابلا للحياة  بفعل تزايد نسبة المتقاعدين. وأنه لا بد من حل سواء من خلال زيادة المساهمات أو من خلال العمل لفترة أطول. وأكد انه لا يسعى من إصلاحه خفض معاشات التقاعد.

 

ومن الاقتراحات التي قدمتها الحكومة في تجاوبها مع مطلب النقابات هو عقد ندوة مع النقابات حول دراسة تمويل نظام المعاشات من أجل وضع نظام جديد لتمويل التقاعد الذي أصبح مهددا بالعجز حسب الحكومة. وهذا الاقتراح الذي قام به ادوارد فليب يتضمن تهديدا لنقابات، وهو أنه في حالة فشل المؤتمر مع النقابات فإن الحكومة سوف تقوم باتخاذ الإجراءات الضرورية لإصلاح نظام التقاعد وهو ما يعني لجوؤها إلى إصدار قانون وتجاوز البرلمان، وذلك من أجل تحقيق التوازن في افق سنة 2027. لكن في حالة التوصل إلى حلول سيمكن للحكومة تقديم مقترحات سوف يضمها مشروع القانون الجديد الذي سوف يتدارسه البرلمان، والتي ستقدمها الحكومة الى الجمعية العامة في  17 فبراير المقبل.

 

الحكومة الفرنسية في مأزق حقيقي وأزمة اجتماعية حادة في افق اقتراب الانتخابات المحلية، وهو طول أيام الإضرابات والاحتجاجات التي مازالت تنال دعم أغلبية الرأي العام الفرنسي، رغم الخسائر والإزعاج الذي تسببت فيه للفرنسيين، خاصة في مجال النقل. لهذا يتساءل الجميع هل سوف تتشبث بالإصلاح أم انها سوف تترك الوضع على ما هو عليه، وهو تعدد أنظمة التقاعد بفرنسا.