الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

الـكـزان : تفاهات "السوشيال ميديا" هي امتداد للشعبوية "البنكيرانية"

الـكـزان :  تفاهات "السوشيال ميديا" هي امتداد للشعبوية "البنكيرانية" عبد المنعم الكزان، وعبد الإله بنكيران (يسارا)

ما زالت وسائل وصفحات التواصل الاجتماعيّ المتعددة الأنواع والأشكال؛ أو ما يطلق عليها social media، تثير الكثير من النقاش؛ ولم تعد مجالا افتراضيا للاستعراض الشخصي والتلصص على الآخرين فحسب؛ بل أصبحت أداة ؛ للابتزاز المادي والمعنوي؛ وتتجه نحو ترويج التفاهة والتضبيع، والأخبار الزائفة.

"أنفاس بريساتصلت في هذا الإطار؛بعبد المنعم الكزان، باحث في السوسيولوجيا السياسية، وأجرت معه الحوار التالي :

في نظرك ماهي أسباب التهافت على وسائل التواصل الاجتماعي؟

في عصر العولمة وزمن الحداثة السائلة التي تجاوزت الحدود تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي أهم وسيلة لتوجيه الرأي العالم ، إذ يتنافس الأفراد أو القوى السياسية والثقافية والاقتصادية من أجل توجيهه أو من أجل كسب تعاطفه، بالاعتماد على عدد من الوسائل والأساليب، إما باعتماد الرأسمال المادي أو الرأسمال الفردي الذي يعتمد على ''البوز''، ونرى في سائر المجتمعات المعاصرة ومن بينها المغرب تهافت المواطنين على هذه الوسائل لبساطتها وسهولة تكلفتها المادية في التواصل؛ فهاتف ذكي يفي بالغرض، إضافة إلى كونها تسمح بالانفتاح على العالم أو البحث عن وظائف، وتطوير الخبرات والتسويق، بل أصبحت وسيلة لما يسمى النضال الرقمي، فكما هو ملاحظ أن مجموعة من القضايا على المستوى الوطني أو المحلي تم تسليط الضوء عليها من خلال وسائل الإعلام الرقمي، العنف ، العطش، التهميش، الهجرة ....

لكن في المغرب لا حظنا بروز ما يمكن أن نسميه الشعبوية الإلكترونية وهي امتداد للشعبوية السياسية، التي بدأت في المجال السياسي مع حكومة بنكيران؛ بحيث أن عددا من رواد وسائل الاتصال أصبحوا يهتمون بـ"البوز" من جهة لما تدره مواقع الفيديو من عائد مادي، ومن جهة أخرى ارتفاع عدد المتتبعين يحقق إشباع الغريزي لحب الشهرة والتميز،

هل مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة الاتصال والمعرفة أم وسيلة للإلهاء والتضييع ؟

لوسائل الاتصال ايجابيتها لكن انخراط جزء كبير من المجتمع المغربي في هذه الوسائط تحول من مجتمع الأفراد إلى الفردانية الجماعية، مما انعكس على علاقة الشباب بأسره إلى درجة الانعزال، بل والتوحد الاجتماعي، فالثلثين من مستعملي الأنترنيت يستخدمونه ساعة على الأقل، كما أن استخدام الانترنيت في المغرب يفوق المتوسط العالمي، بحيث أن وسائل التواصل حولت المجتمع من مجتمع التواصل المباشر عن طريق الأسرة الحومة، الجمعية، النقابة الحزب...إلى تجمع المجموعات، وأصبح بناء الشخصية القاعدية للإنسان المغربي تتأثر بشكل كبير بوسائل الإيصال الحديثة، مما يمكن أن نتحدث معه عن تشظي التطبعات، فلا يمكن الآن الحديث عن شخصية مغربية متشبعة بالقيم التي كان يتلقاها الفرد في الوسائط الكلاسيكية، بل يمكن أن نتحدث عن التنشئة الافتراضية بدل التنشئة الاجتماعية، فلم تعد المؤسسات الواقعية لها تأثير كبير، كما لا ننسى حالة العزلة نتيجة هذا الإدمان الالكتروني؛ ومن المعلوم أن أهم مظاهر الإدمان هي عزلة الفرد عن مجتمعه وعن محيطه، وهذا ما ينطبق على الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي، كذلك، كما لهذه الوسائط انعكاسات نفسية أخرى تتمثل في العدوانية و الأنانية .

ألم تصبح اليوم هذه الوسائط وسيلة للتسيب والجرأة ؟

صحيح لقد أصبح التعامل مع هذه الوسائط في غياب تأطير الوسائط التقليدية ، وعصر الإيماجيولوجيا (اعتماد الصورة بدل الفكرة)، كبديل عن الايدولوجيا؛ إنه مجتمع الصورة، والصراع الافتراضي من أجل خلق أبطال وهميين (المؤثرين) عن طريق البوز والمزايدة على مؤسسات الدولة ؛وتشكيل رأي عام ينبني على العصيان الافتراضي، كما يمكن أن نتحدث عن سكزوفرينيا اجتماعية بحيث نجد المواطن المغربي يعيش شخصية افتراضية وأخرى واقعية، كما أننا لاحظنا المسافة بين علاقة الفضاء العام بالفضاء الخاص أصبحت منعدمة (روتينية اليومي)، بحيث أصبح معه التعاطي مع الحريات الفردية أمر واقع (حليوة مسلم)، لكن وكلما تجاوز الاتصال الافتراضي في شبكات التواصل الحد المعقول إلا وتغلبت فيه الشخصية الافتراضية المغتربة عن الشخصية الواقعية ، لدرجة الاستخفاف بكل ما ينتمي إلى الهوية المغربية، الثوابت، العلم، إسقاط الجنسية – إحراق جواز السفر...)، فالهدف هو بناء الحدث والبوز وتوجيه الرأي العام من خلال صناعة تواصلية ترضخ لجدلية العرض والطلب في سوق مالية و رمزية تعتمد على التدبير الملائم والتوقيت الجيد لتنزيل ''تراك''، أو البودكاست...

ومع الأسف؛ هذا الأمر يتم مجاراته حتى من طرف النخبة السياسية ذات الخطاب الشعبوي مما يزيد من عنف وحدة العنف الافتراضي، بعد أن كانت سباقة إلى تكريسه عن طريق الهاشتاغ واللوبينغ الافتراضي والمجموعات التي كانت تشارك الصور والأخبار بشكل موجه قصد توجيه الرأي العام، وهذا الأمر أعتقد أصبح معه من الضروري التفكير في آليات جديدة على مستوى المدرسة والمجتمع المدني وجميع المؤسسات التفكير في آليات جديدة تسهم في وقف هذا الاغتراب والعزلة والفردانية والعنف الافتراضي.