الجمعة 29 مارس 2024
رياضة

جمهور الرجاء يقتحم مخيال الأدب العالمي

جمهور الرجاء يقتحم مخيال الأدب العالمي جمهور الرجاء البيضاوي في لحظات متابعته للديربي العربي

إنه مرور لسرعة غير معهودة، وغير مسبوقة في عوالم جمهور كرة القدم، وعشق جمهورها لفن الخطابة والتواصل ولغة التعبير وإبداع أشكال إيصال فكرة الأنصار ودحض فكرة الآخر.

 

فبعد التناغم والانسجام المثالي في كورال جمهور الرجاء البيضاوي، الذي أوصل صوت الكادحين لكل أرجاء العالم، فقد فاجأت إلتراس جمهور الخضراء العالم في المباراة الأخيرة، بالنبش والتنقيب في الثقافة والأدب العالميين، حيث استلهم مبدعو المدرجات، فكرة جديدة، يحتاج تفكيكها لنوع من الإدراك الراقي، ولا تصل رسائلها في اللحظة، بل تكون ضجتها كاسحة بعد نهاية مجريات التوترات الظرفية.

 

إن صورة "التيفو" الذي رفعه جمهور الرجاء، هي لشخوص مسرحية :"المغنية الصلعاء" "La cantatrice chauve"، وهي للكاتب الروماني يوجين يونسكو البارز في المسرح الفرنسي، وهي تنتمي لمدرسة (أدب العبثية ومسرح اللامعقول، وهي مسرحية تقدم نمطا دراميا جديدا متمردا على الواقع، بحيث أنها مليئة بمشاهد وحوارات تافهة و عبثية تضرب عرض الحائط بكل قوانين وأدبيات المسرح الكلاسيكي.. فالحوارات غامضة مبهمة مبتورة، وبلغة ركيكة ساذجة وتافهة تعوزها الموضوعية والترابط والتجانس؛ فالأفكار وكل شخوص المسرحية تتحدث دون أن يتمكن أحد منها من فهم الآخر! ولا من توصيل رسالته للآخر.. الحوار دائما مبتور، كما أن اللغة فيها تكرار في الموقف الواحد ولا تستطيع الشخصيات إيصال أفكارها بوضوح داخل بيئة كئيبة. هذا التراكم الكمي من الأسباب يعطي مدلولات واضحة للخوف وعدم الطمأنينة والقلق الدائم، وعدم القدرة على التفريق بين الوهم والحقيقة، وتؤدي أيضاً إلى عدم ثقة الشخصيات في المسرحية ببعضها البعض، كما أنها تبين بما لا يدع مجالا للشك غياب الحلول الفعلية لمشاكل كثيرة، وعدم القدرة على مواجهة الأمر الواقع، مع حيرة مستمرة وقلق متواصل وخوف متجدد من ماهية المستقبل).

 

 

المعتاد هو ألا يستعمل جمهور ما، ألوان غريمه، لكن ما وقع عكس ذلك، فقد رُفِعَتْ صورة هاته المسرحية بالألوان الحمراء للخصم، في تعبير فني بإلصاق مواصفات مستوحاة من المسرحية بالآخر ومن ضمنها: الارتجال وعدم التناسق والوهم والشك وعدم الثقة والحيرة..

 

خلاصة القول، عنوان بألوان حمراء تحت عنوان: صلعاء تحاول تمشيط شعرها. لن تستوعب حمولة وقوة ما قيل بسهولة، إلا بدفعك للبحث والرقي الثقافي، وهذا هو الجديد فعلا وسط المدرجات، خارج تفاعلات رقعة اللعب.

 

لكن المثير أيضا، هو الغوص في تراث الحضارة الإغريقية، واستعمال عبارة مشهورة جداً، تحت الصورة، ترمز لمغزى عدم بلوغ الأهداف وتبددها: "Supplice de Tantale"، حيث تحكي الأسطورة عن لعنة أصابت "طونطال"، فعاقبه زيوس بنفيه وسط الأشجار المثمرة، لكن ما إن يقترب منها حتى تختفي، فلا هو يشبع جوعه ولا هو يستطيع إدراك الثمار، إذن نفس مغزى مسرحية يوجين، هو وهم من يلهث وراء هدف غير قابل للتحقيق.

 

إنها أول مرة، يفتح جمهور ما حقلا خصبا لاستعمال المخيلة الأدبية والأسطورة في إيصال رسائل مبدعة، وهي في نهاية الأمر جزء من الإبداع الإنساني، سيكون له ما بعده.

 

- ملحوظة: المعلومات تركيب، لمن حضر عن قرب وأعد هاته التحفة الراقية، ولا علاقة لها بكوني رجاوي، رغم انتمائي لحب هذا الفريق.