في الجمع الأخير لفريق الرجاء البيضاوي، المنعقد ليلة 17 أكتوبر 2019، بدا جواد الزيات،رئيس الفريق، منتشيا بتحطيم" رقم قياسي" في عدد بطائق الاشتراك، إذ كشف أن العدد وصل إلى 13000 بطاقة اشتراك لولوج الملعب ومتابعة المباريات التي يخوضها الفريق.
قد "نتفهم" انتشاء الزيات بهذا الرقم المتواضع جدا، إذا استحضرنا السياق المغربي الذي يتميز بضعف رهيب في اشتراك الجمهور مع أنديته لدعمها، لكن الرقم يبقى صادما إن لم نقل مفجعا ويسائلنا جميعا حول علاقة المغاربة بأنديتهم على اختلاف مستوياتهم المادية ومساراتهم الاجتماعية وبروفيلاتهم المهنية وانتماءاتهم الجغرافية.
كيف يعقل أن فريقا عريقا كالرجاء البيضاوي وفي مدينة ميتروبولية (وليس مليونية) لا يتجاوز عدد الذين اقتنوا بطاقة الاشتراك 13000 فرد؟ أي أن نسبة التبطيق (من البطاقة) بالمدينة التي يمثلها الرجاء "العالمي"، لا تتعدى 0،3 في المائة من مجموع سكان مدينة الدار البيضاء؟!
وهذا ما يطرح سؤالا عريضا: كيف نفسر هذه المفارقة بين العشق الجنوني الذي يبديه الجمهور الذي يعد بالملايين تجاه فريق الرجاء البيضاوي، في حين "لما نصل الى لمسكَي"، أي إلى ترجمة الحب والعشق، لا نحصي سوى 13000 مشترك؟! ويكبر السؤال حين نعلم أن كل الأندية العالمية لا تحيى فقط بالسبونسور والدعم العمومي وبيع اللاعبين وحقوق البث، بل وبالأساس بانخراط محبي الفرق في شراء بطائق الاشتراك مسبقا لتأمين سيولة سنوية قارة في حدود 40 أو 60 في المائة من مجموع ميزانية النادي حتى يتسنى له التحرر من إرهاق الالتزامات ويتفرغ لتجويد مستوى أداء النادي ولاعبيه لتأمين نتائج مشرفة من جهة وتأمين فرجة ممتعة للجمهور من جهة ثانية.
وتزداد الحيرة حين نستحضر معطى آخر صادما، ألا وهو أن فريقا مغربيا آخر كبيرا من حجم الوداد البيضاوي و"وداد الأمة"، لا تتجاوز بطائق الاشتراك فيه 9000 فرد. أي بنسبة تبطيق لا تتعدى 0،2 في المائة من مجموع سكان مدينة الدار البيضاء. بمعنى لو جمعنا حصة الرجاء والوداد، نجد أن نسبة التبطيق الكروي بالدار البيضاء لا تتجاوز 0،5 في المائة، وهي نسبة مخجلة جدا إن لم نقل مذلة وتعري عن "خيانة" الجماهير لأنديتها رغم ما تبديه من حب وتعلق وتماه مع نجوم الأندية!!
قد ينهض أحد ما ويدفع بمبرر مالي بالقول إن الجماهير المغربية فقيرة وليست لديها الإمكانات المادية لشراء البطائق السنوية.
هذا قول مردود، لأننا إذا استثنينا التلاميذ والطلبة وأصحاب المهن الهامشية و"الحباسة"، فسنجد أن هذا العذر تافه، لسبب بسيط وهو أن ثمن البطاقة سنويا لا يتجاوز 400 درهم. أي بمعدل 20 درهما كثمن للماتش (15 مباراة في السنة تضاف لها حظوة الدخول لمقابلات الدوريات العربية والقارية).
بالله عليكم، هل مبلغ 400 درهم في السنة غال على إطار متوسط أو إطار عال يقطن بالدار البيضاء ويدعي أنه يعشق الرجاء أو الوداد أو هلال الناظور أو أولمبيك أسفي أو المغرب الفاسي أو اتحاد طنجة وغيرها من الفرق؟
فالثروة الوطنية كلها ممركزة بالدارالبيضاء مع ما يستتبع ذلك من وجود حوالي 400 ألف شخص نشيط ميسور بها (مقاول، صيدلي، بنكي، استاذ، محامي، وكيل تأمين، طبيب، إطار إداري عال، تاجر، مهندس، أستاذ جامعي، مستشار مالي او في المهن العالمية...إلخ.). فإذا كانت الدارالبيضاء تضم أزيد من 400 ألف إطار ميسور (لا نقول غنيا أو ثريا)، وضمنهم بالتأكيد عشاق للوداد والرجاء والقادرون على أداء مبلغ حقير سنويا بقيمة 400 درهم، فما الذي يفسر هزالة نسبة التبطيق الرياضي (22000 بطاقة تضم الرجاء والوداد معا)؟ ما الذي يجعل نسبة شراء بطائق الاشتراك لا تتجاوز 0،5 في المائة من مجوع سكان كازا؟
فميزانية الرجاء والوداد تتراوح في الغالب الأعم بين 60 و70 مليون درهم لكل فريق حسب المواسم وحسب "باب الله"، وبالتالي نجد أن نسبة تغطية مصاريف الفريقين من بيوعات بطائق الاشتراك لا تتعدى10 أو 12 في المائة من مجموع موارد هذا الفريق أو ذاك.
نعم الدار البيضاء تبقى "محظوظة بزاف"، مقارنة مع المدن المغربية. فأكادير مثلا لم يتجاوز عدد بطائق الاشتراك في أحد أشهر الأندية المغربية" حسنية أكادير"40 بطاقة!! أي نسبة تبطيق لا تفوق 0،1 في المائة من مجموع سكان بلدية أكادير (ياللإهانة لنا كمغاربة).
لكن إذا صعدنا للشرفة لنلقي نظرة على مايجري بالدول المتمدنة سنصاب بالدوار. وإليكم المعطيات الرقمية:
* فريق مارسيليا الفرنسي باع 38000 بطاقة.اي ما يمثل نسبة تبطيق تصل الى 4،3 في المائة من مجموع سكان مارسيليا.
* باري سان جيرمان باع 37500 بطاقة، أي نسبة تبطيق تمثل 1،6 في المائة من سكان باريس ( intramuros).
* فريق ليون باع 20 ألف بطاقة، أي نسبة تبطيق بلغت 3،8 في المائة من مجموع سكان ليون.
*فريق برشلونة باع 85000 بطاقة اي نسبة تبطيق شكلت 5،2 من مجموع سكان المدينة
* ريال مدريد باع 61000 بطاقة، أي نسبة تبطيق بلغت 2.3في المائة من مجموع السكان.
*أتليتيكو مدريد باع 56000 بطاقة، أي نسبة تبطيق بلغت 1،75 في المائة من المجموع العام للساكنة.
وهنا نود أن نتوقف عند المقارنة بين فريقي العاصمة مدريد، إذ لو جمعنا العدد سنجد أن نسبة تبطيق الفريقين تبلغ 4.05 في المائة من مجموع السكان، بينما في البيضاء لم تتعد 0،5 في المائة للوداد والرجاء مجتمعين. ( للإشارة فإن نسبة تبطيق الفرنسيين لكافة أنديتهم تمثل 4،3 في المائة من مجموع سكان فرنسا، وفي إسبانيا تصل إلى 8،9 في المائة من مجموع سكان البلد).
صحيح، ليست لنا تقاليد كروية مثل الدول الأوربية
نعم، لا نتمتع بديمقراطية داخل الأندية الرياضية ومازال منطق "مول الشكارة " هو المهيمن.
أكيد أن الفرق المغربية مقصرة كثيرا في التواصل لتسويق منتوجها أو تقديم مغريات أخرى للجمهور لتفتح شهيته لشراء بطائق..
لا جدال في أن الجامعة " مسوسة" ولا تملك مشروعية مجتمعية بحكم إصرار السلطة المركزية على إسقاط الرؤساء والمسيرين عليها منذ "عهد نوضو تركدو" بشكل تجعل المواطن لا يتمثل المؤسسسات ولا يحس ان الأندية او الجامعة تمثل الدينامية المجتمعية..
ولكن- ولا بد من لكن- هذه الأندية المغربية ليست ملكا محفظا باسم فلان أو فرتلان، بل هي إرث عام للمغاربة جميعا. ومن حقنا أن ننعم بأندية تصنع لنا الفرجة لنسرق سويعات من البهجة والفرح ولو مرة واحدة في الأسبوع وصناعة الفرح والفرجة لهما كلفة.
فهل هذا مطلب مستحيل!!
فريق يوفونتيس الإيطالي العريق، قامت جماهيره بترجمة الهوس الحقيقي لعشق فريق "السيدة العجوز".. كيف ذلك؟
إليكم التفاصيل:
صاحب القميص رقم 7 انضم للسيدة العجوز مقابل 105 ملايين يورو وبراتب سنوي قدره 30 مليون يورو للاعب البالغ من العمر 33 عاما.
في غضون 48 ساعة استعاد يوفونايس ما دفعه في صفقة رونالدو الخيالية من خلال ببيع 520 ألف قميص لرونالدو في 24 ساعة فقط، سعر القميص التجاري يناهز 104 يورو، بينما سعر القميص الأصلي 145 يورو.
وتمكن يوفنتوس من تحقيق أرباح قياسية مجنونة بلغت 54 مليون يورو في 24 ساعة فقط، أي تقريباً نصف ما دفعه النادي من أجل التعاقد مع اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو.
نحن نتحدث عن قميص لاعب واحد، بينما الفريق يعج بمشاهير نجوم الكرة.
سعر قميص رونالدو لا يقارن ببطاقة اشتراك سنوية لا تتجاوز 400 درهم.. فرق يشبه الفرق بين السماء والأرض، مثل المقارنة بين الرجاء أو الوداد بنادي السيدة العجوز.
جماهير إيطاليا والدوريات الأوربية الأخرى جماهير من كوكب فضائي آخر.. وجماهير كرتنا من كوكب الأرض.
لا طائل من المقارنات.. هناك من يرى في كرة القدم رياضة للمتعة تستحق التضحية، وهنا من يرى في كرة القدم ساحة لممارسة الشغب والدخول بالمجّان!!