الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

أحمد مفيد: إصلاح الإدارة لن يتحقق بدون انتقال ثقافي بالمغرب

أحمد مفيد: إصلاح الإدارة لن يتحقق بدون انتقال ثقافي بالمغرب د.أحمد مفيد
لابد من التذكير بأن مسار إصلاح الإدارة العمومية بالمغرب هو مسار طويل، حيث تم البدء في إصلاح الإدارة منذ استقلال المغرب واستمر إلى غاية اليوم، ذلك أن هناك مجموعة من مشاريع الإصلاح، كما عقدت الكثير من المناظرات الوطنية بهذا الخصوص، كما نظم المجلس الأعلى للوظيفة العمومية الكثير من الملتقيات بهذا الخصوص، وخصصت مختلف الحكومات جزءا من البرنامج الحكومي لإصلاح الإدارة وتحسين علاقة الإدارة بالمرتفق، وتم إصدار الكثير من التشريعات ولكن وإلى غاية اليوم لا زالت هناك الكثير من الإشكالات العالقة، والتي يمكن تلخيصها في ما يلي:
أولا، ظروف استقبال المواطنات والمواطنين مازالت لم ترقى بعد إلى المستوى المطلوب وإلى المعايير المتعارف عليها على المستوى الدولي.
ثانيا، الآجال الخاصة بتقديم وثائق أو خدمات لفائدة المرتفقات والمرتفقين تبقى آجال طويلة نسبيا.
ثالثا، عدم إعمال كاف للحق في الحصول على المعلومات، حيث أن الكثير من المعلومات لا تتاح للمرتفقين والمرتفقات، إضافة إلى وجود إشكال آخر يتعلق بحكامة المرافق العمومية، وبانفتاح المرافق العمومية على المجتمع، وباعتماد معايير الشفافية والنزاهة، وغير ذلك من الأمور، والدليل على ذلك هو مجموعة من التقارير التي أصدرها المجلس الأعلى للحسابات كهيئة عليا للرقابة المالية، وتقارير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وتقارير المفتشيات العامة للوزارات، ومنها أساسا تقارير المفتشية العامة للمالية، بالإضافة إلى مجموعة من التقارير الدولية الصادرة بهذا الخصوص (البنك الدولي، منظمة الشفافية الدولية) وأيضا تقارير بعض المنظمات الحقوقية الوطنية من قبيل منظمة «ترانسبارنسي المغرب» والجمعية المغربية لتقييم السياسات العمومية.
وهذه المؤشرات تؤكد أن الوضع الراهن يفرض بإلحاح وبقوة ضرورة وضع مخطط استعجالي لإصلاح الإدارة العمومية، خصوصا وأن دستور 2011 تضمن النص على مجموعة من مبادئ ومعايير حكامة المؤسسات العمومية والجماعات الترابية والإدارات العمومية بشكل عام، لذا فمن الضروري العمل على تنزيل هذه المقتضيات الدستورية والتي تعتبر مقتضيات مهمة يمكن أن تساعد في علاج الوضع الحالي للإدارة العمومية.
ولابد من الإشارة بهذا الخصوص إلى وجود إرادة سياسية عليا معبر عنها من قبل أعلى سلطة في البلد، حيث دعا الملك وما فتئ يدعو إلى إصلاح الإدارة، وتحسين علاقة الإدارة بالمواطنات والمواطنين، وتعزيز التواصل بين الإدارة والمواطنات والمواطنين، وضرورة إجابة الإدارات العمومية على شكايات وتظلمات المرتفقين والمرتفقات، وقضاء حاجتهم وتقديم الخدمات في آجال معقولة. إذ بناء على مقتضيات الدستور، والتوجيهات الملكية عملت الحكومة والبرلمان على إعداد دليل السياسات العمومية، كما تم إصدار قانون الحق في الحصول على المعلومة، والميثاق الوطني للاتمركز الإداري، وحاليا هناك مشروعا قانون جديد: مشروع قانون يتعلق بميثاق المرافق العمومية، ومشروع آخر يتعلق بتبسيط المساطر الإدارية، لهذا وانطلاقا من ميثاق المرافق العمومية، وانطلاقا من القانون الخاص بتبسيط المساطر الإدارية يمكن إيجاد مجموعة من الحلول لمعالجة بعض الإشكالات العميقة التي تعرفها الإدارة، ولكن ما أود التأكيد عليه هو أن القوانين مهما كانت جيدة، لا يمكن أن تغير من الواقع إذا لم يتم العمل على خلق ثقافة جديدة داخل المرفق العمومي، ألا وهي ثقافة الحق والواجب، وهذه هي المواطنة المسؤولة، حيث أن التغيير لا يمكن أن يتم بنص تشريعي بمعزل عن الفاعلين الآخرين رغم ضرورته وأهميته. فأدوار الموظفين، والمواطنات والمواطنين هي أيضا في غاية الأهمية، فهناك موظفون يؤدون مهامهم بتفان، مقابل وجود موظفين آخرين لا يضطلعون بالمهام المنوطة بهم أو يطلبون أمور خارج الضوابط القانونية في تعسف في استعمال السلطة، وهناك أيضا مواطنون يطلبون حقوقهم داخل الإدارات العمومية في نطاق القانون، وهناك من يطلبون تجاوز القانون من أجل الحصول على خدمات أو امتيازات، لهذا أنا أقول إن المجتمع بكل مكوناته في حاجة ماسة إلى انتقال ثقافي.
د.أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبد الله